mardi 6 octobre 2009

النظام السياسي الذي يجعل من نظرية المؤامرة شماعة يعلق عليها فشله، هو نظام ضعيف

عبد الجليل أرام / باحث في العلوم السياسية
النظام السياسي الذي يجعل من نظرية المؤامرة شماعة يعلق عليها فشله، هو نظام ضعيف


يرى عبد الجليل أرام، الباحث في العلوم السياسية بجامعة "محمد الخامس"، بأن المغرب، شأنه شأن العديد من الدول الأخرى، غير مستبعد من خطر الاستهداف الخارجي، كما يشير من خلال تحليله لبعض الظواهر، بأن النظام السياسي الذي يجعل من نظرية المؤامرة شماعة يعلق عيها فشله، هو نظام سياسي ضعيف، لا يحترم نفسه والمجتمع.
ويوضح بهذا الخصوص في الحوار التالي، أن أطروحة المؤامرة، هي من التقنيات السياسية القديمة التي كانت تنهجها الأنظمة غير الديمقراطية، بغرض التنفيس عن أحداث لا تقع بمنتهى العفوية.

-هل يمكن القول إن المغرب مستهدف من طرف جهات خارجية، ولماذا ؟

+ بداية، يخبرنا تاريخ العلاقات الدولية بأنه لا توجد دولة واحدة في العالم غير مستبعدة من خطر الاستهداف، لأن الأمر هنا يتعلق بوجود مستويات للتفاوت بين الدول في العديد من المعطيات، كالموقع الجيو- استراتيجي والمعطيات الديموغرافية والموارد الطبيعية المتوفرة، ناهيك عن نتائج الاصطفاف في ظل الأنظمة العالمية المتقلبة. المغرب مستهدف اليوم، وأظن أن التاريخ الحديث شهد محطات كثيرة كتجلٍّ لهذا الاستهداف، و أن الموقع الاستراتيجي الهام للمغرب والصعوبات التي نتجت عن الحدود التي تركها الاستعماران الفرنسي والاسباني، قد ادخل المغرب في صراع طويل مع جيرانه، حيث اتخذ في بداية الأمر شكل المواجهة العسكرية المباشرة لينتهي إلى الحرب بالوكالة. أضف إلى ذلك أن دائرة الاستهداف أيضا، تتوسع وتتعدد أشكالها في قضية سبتة ومليلية، ثم إن طبيعة انخراط المغرب في بعض الأحلاف الدولية قد يوسع من حوله دائرة الاستهداف، مثلا انخراط المغرب في الحلف الدولي لمحاربة الإرهاب، جعله مستهدفا من طرف الحركات الإرهابية التي تفضل مهاجمة الحلقات الأضعف في هذا التحالف، دون أن ننسى التنوع الإثني والثقافي للمجتمع المغربي وكذا انفتاح هذا المجتمع على الخارج، مما يجر عليه ويلات الاستهداف الثقافي والديني.

- كيف تفسرون بروز أطروحة المؤامرة الخارجية كلما استجد حادث أو ظهرت حركة احتجاجية أو مطلبية ببلادنا؟ ولماذا تعطى الأولوية للعوامل الخارجية لتفسير المصاعب التي تعيشها بلادنا؟

+ هذا اتجاه آخر يعكس مدى الاستغلال السياسوي الضيق لمعضلات الاستهداف الخارجي الناتج عن مكانة الدولة طبيعيا وتموقعها في النظام العالمي والذي تطرقت له في الجواب على سؤالكم الأول؛ في نظري إن النظام السياسي الذي يجعل من نظرية المؤامرة شماعة يعلق عليها فشله، هو نظام سياسي ضعيف لا يحترم نفسه ولا المجتمع، وينهج أسهل الطرق للتخلص من عناء البحث عن الحلول الكفيلة بمعالجة المعضلات السوسيو- سياسية للمجتمع، ثم إن نظرية المؤامرة هي من التقنيات السياسية القديمة التي كانت تنهجها الأنظمة غير الديمقراطية، للتنفيس عن الأزمات الداخلية التي يعيشها النظام وبنياته، ولكن هذا الاعتقاد لا يلغي بشكل تام أن بعض هذه الأحداث لا تقع بمنتهى العفوية، وهنا أطرح سؤالا، هل تمكنت نظريات المؤامرة من الذهنية المغربية؟ وهل من الممكن إدارة اللعبة السياسية، بأدوات وتقنيات قديمة غير صالحة لمجتمع يدفع جاهدا نحو التحديث بمختلف أشكاله؟ أظن انه يجب الاعتراف بأن السياسة يجب أن تُعرف ليس من خلال البحث عن مخارج واهية، وإنما من خلال البحث عن حل المعضلات بشجاعة، بناءا على قاعدة الإصلاحات الهيكلية للتشريع وللمؤسسات، ذلك أن السياسة تستطيع الكشف عن ماهيتها في العمل السياسي، ثم لأن الوسائل الحقيقية لسير الحكم ليست هي التوفر على آليات الإلهاء والإكراه وإنما تكمن في المجتمع، وعلى الجميع بمن فيهم الفاعلون خارج اللعبة السياسية أن يعرفوا " كيف يجدون المجتمع المغربي".

- إذن كيف يتعامل مجتمعنا مع نظرية المؤامرة ومنطق التآمر اللذين يبرزان بجلاء في ظل الأزمات؟

+ الوسائل المتاحة لتمرير نظرية المؤامرة، والتي نقيسها بقوة التعبئة المعتمدة وانخراط الأطراف السياسية والأهلية فيها، تجعل من منطق رفض المؤامرة عديم الفائدة، وتسود في مقابله السذاجة و اللاعلمية. وكثيرا ما اعتمدت نظرية المؤامرة لدى العديد من المغاربة كحل تفسيري سهل لكل ما يعانوه، وهذا المنحى هو ما كلس قدرات التغيير والتجديد لدى المجتمع، ولكن قراءتنا لبعض الأحداث بينت التراجع في تعبيرات المغاربة اتجاه قضايا غلفت بطابع المؤامرة؛ المساحة الزمنية والسياسية الفاصلة بين حدث حرب الرمال مع الجزائر مرورا بالمسيرة الخضراء وحرب الصحراء، والى مسيرة "ما تقيش بلادي"، وقبلها أزمة جزيرة ليلى، بينت أن النظام السياسي يتحكم فيما يفعل، كما يتحكم في درجة التجاوب مع الغطاء الذي منحه لبعض هذه الأحداث، وفي العديد من المحطات لم نكن إزاء نظام سياسي حديث يجعل من المجتمع ومكوناته الحقيقية " المنظم السامي للسياسة " بالمغرب .

- تضاربت الآراء بخصوص حركة "مالي " لكن أغلبها سارت في اتجاه أنها من تدبير جهة خارجية، كيف تقرأون هذا الطرح؟

+ باختصار شديد إن حركة "مالي " أو ما يسمى بـ"الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية"، استخدمت من لدن أطراف خارجية، لجس نبض النظام والشارع المغربي إزاء أي استهداف للمعتقد الديني لدى المغاربة، ولقياس درجة ردة الفعل، وبالتالي معرفة نوع الاصطفاف الذي ستحدثه هذه الواقعة، هذا كل ما في الأمر، كما يجب علينا وفي ظل هذه الأزمة أن نتوقع المزيد من مثل هذه الظواهر.

- نفس الأمر بخصوص النزوات الانفصالية بالأقاليم الجنوبية، هل هي فعلا من تدبير جهات خارجية؟


+ الأمر هنا لا يتعلق" بنزوة" أو "نزوات " ولكن بالنتائج الطبيعية لتدبير ملف الصحراء، وبالمستوى الذي وصله الصراع حول منطقة شمال غرب إفريقيا، وأظن أن النظام قد أخطأ تاريخيا حينما عمد إلى تغليب منطق التسويات الدبلوماسية السهلة على حساب منطق التحرير الذي رفعه جيش التحرير بالمنطقة المذكورة، وأظن أن المغرب مازال يعيش تحت السقف الذي أحدثته "عملية أيكفيون" التصفوية. في الحالة الصحراوية نكون إزاء صراع جيو- استراتيجي مع الجارة الجزائر، حيث انتقلت الحرب لدى "البوليساريو" من عقيدة تحرير إلى عقيدة حرب بالوكالة، وذلك بعد استشهاد الوالي مصطفى السيد، ويقود هذه العقيدة الأخيرة ما بقي من قيادة "البوليساريو" التاريخية، والكل يعلم أن الورقة الليبية في هذا الصراع قد أسقطتها الجزائر التي حولت "البوليساريو" إلى ممثل شرعي وغير وحيد لطموحاتها الجيوستراتيجية بمنطقة شمال غرب إفريقيا. ويفهم من كل هذه التحركات أو "النزوات"- كما جاء في سؤالكم - والواقعة بمنطقة الصراع وعلى تفاوت درجة حرارتها، أنها نتيجة طبيعية لمسار هذا الصراع؛ الأهم في هذا الأمر، أنه خلال هذا الاستهداف الخارجي الذي تعرض له المغرب، يجب أن نقيس حجم التكلفة الاقتصادية والاجتماعية لهذا الملف الناتج عن سباق التسلح، وذلك باحتلال المنظومات الأمنية درجات متقدمة عن قطاعات إستراتيجية أخرى كالتعليم والصحة مثلا، إضافة إلى التكلفة السياسية التي ستضع المنطقة في حالة نشوب حرب، تحت طائلة قانون طوارئ، المعيق لأي تنمية سياسية وحقوقية .

- في اتجاه آخر، هل تعتقدون أيضا أن " حركة التنصير والتبشير" تنشط بالمغرب بفعل أياد أجنبية؟ وبالتالي هل هناك مخططات تستهدف النيل من المجال الديني والمقدسات ببلادنا؟

+ في الحالة المغربية يجب أن نميز بين حالة الاعتراف بالديانات وممارسة شعائرها ضمن الحريات الدينية التي يعترف بها الدستور المغربي، وبين حالة التبشير التي يعاقب عليها التشريع الوضعي والديني، ويبدو أن شبكات التنصير العابرة للقارات، حاولت أن تستفيد من حالات الانفتاح بالمغرب، وبروز هوامش للحريات الشخصية، حيث حاولت أن تجعل منها قاعدة ومنطلقا للتغيير العقائدي الذي لا يتوقع حدوثه بالمرة. وأظن أن ارتفاع درجة الاستهداف العقدي يستفيد جدا من الأزمة المزمنة التي يعيشها المغرب، والتي فرخت أجيالا من الشباب المعطل، الباحث عن أي مظلة بما فيها التعاطي مع شبكات التنصير للخروج والنجاة من الظلم والتمايز الاجتماعيين، فالتنصير هنا يصبح وسيلة في حد ذاته وليس هدفا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire