mardi 20 octobre 2009

"المخزن يصنع مشهدا إعلاميا متحكما فيه على غرار المشهد السياسي والمجال الاقتصادي"




محمد سلمي: منسق الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان
"المخزن يصنع مشهدا إعلاميا متحكما فيه على غرار المشهد السياسي والمجال الاقتصادي"



- أصدرت جماعة العدل والإحسان بيانا تندد فيه باعتقال مدير أسبوعية "المشعل" الزميل إدريس شحتان، ما هي قراءة الجماعة لهذا الاعتقال في الظرف الراهن؟
+ بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه. البيان الصادر عن الهيئة الحقوقية لجماعة العدل والإحسان، تعبير عن تضامن الجماعة مع السيد إدريس شحتان، المعتقل ظلما وعدوانا، ومع أسبوعية "المشعل" في محنتها. وفي تقديرنا استحضار لحجم الخطأ الذي وقعت فيه الجهات التي أقحمت نفسها في الموضوع، بتبنيها لمقاربة أمنية مبالغ فيها. إن حرية الصحافة والإعلام، وحرية الرأي والتعبير، واستقلال القضاء، ومساءلة المسؤولين، دعامات أساسية في بناء الدولة. كما أن التملق للنظام، بهدم هذه الدعامات، وعلى حساب هذه الحريات، تخريب لبناء الدولة والمجتمع. إن اعتقال السيد ادريس شحتان، نقطة سوداء تنضاف إلى سجل القمع والترهيب لتكرس استمرارية تراجع حقوق الإنسان ببلدنا.


- هل يمكن القول إن الدولة تسعى إلى التخلص ممن تعتبرهم مشاغبين في مجال الصحافة بإغراقهم في متاهة المحاكمات؟
+لا يسعفنا الجهد مهما حاولنا فهم العلاقة بين المقال موضوع التهمة، وبين ماراطون الاستنطاقات، وصورية المحاكمة، وقساوة الحكم الجائر، والأمر بالاعتقال. إنها رسالة موجهة للأسبوعية لتغيير خطها التحريري، ومواقفها من كثير من القضايا، بل لتجنب الخوض في مواضيع محددة. وهي رسالة من خلال "المشعل" (كبش الفداء) إلى كل منبر إعلامي قد ينحو نفس المنحى. وهذا أسلوب متجاوز عفا عنه الزمان، ولا يخدم مصلحة البلاد، إن كان في اعتقاد أصحابه أنهم يعملون لأجل هذه المصلحة. إن وجود صحافة قوية وحرة ومستقلة عن أي تأثير لدواليب الدولة وأجهزتها البوليسية، مفخرة مهما كانت الأخطاء المهنية التي قد يقع فيها بعض الإعلاميين. وإن ما اعتبرته أجهزة المخزن مؤخرا أخطاء صحفية، وتدخلت لزجرها مباشرة، يجعلنا موضوع سخرية العالم.


- كيف تقيمون الوضع الصحافي بالمغرب خلال هذه السنة؟
+إنها سنة انتكاسة كبيرة في حرية الصحافة، صنعتها أجهزة المخزن لتهدم الصروح الوهمية لحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير المتبجح بها في الأبواق الرسمية للمخزن. ورغم كوننا في جماعة العدل والإحسان نعيش أزمة الصحافة منذ عقود من الزمن، ولم نشعر في لحظة ما بتحسن الوضع، أو تراجع الدولة عن مخزنيتها، وقمعها، لكنها بالنسبة لغيرنا ممن سمح لهم بهامش ضيق للتنفس سنة انتكاسة. وقد يعزي البعض وضعنا إلى علو سقف خطابنا السياسي، وهو حكم يتنافى مع شعارات الديمقراطية والحداثة التي ترفعها الدولة. ولم نكن وحدنا في الحصار، بل هي سياسة الدولة تجاه كل منبر من شأنه أن يلقى تجاوب الشارع المغربي. وهكذا يصنع المخزن مشهدا إعلاميا متحكما فيه، على غرار ما فعل في المشهد السياسي، وفي المجال الاقتصادي...

"التامك" كان محميا من طرف "الديستي" و"لادجيد"



Reda TAOUJNI
رضا الطاوجني رئيس "جمعية الصحراء المغربية" لـ "المشعل"
"التامك" كان محميا من طرف "الديستي" و"لادجيد"




سبق لرضا الطاوجني أن اتهم علي سالم التامك بتعامله مع المخابرات المغربية، قبل ارتمائه في أحضان المخابرات الجزائرية، استنادا إلى معلومات ومعطيات جمعها من مصادر وصفها بالموثوقة وجيدة الاطلاع من "قلب الدار"، كما عاين أكثر من مرة تردد عناصر "الديستي" على سجن سلا، حيث كان التامك معتقلا قصد الالتقاء به، وأسرت له جهات ذات صلة بـ "لادجيد" بطريقة حبية أن يترك التامك يقوم بمهمته دون شوشرة.
"المشعل" أجرت حوارا مع الطاوجني، لإجلاء بعض جوانب تداعيات تصرفات علي سالم التامك ومجموعته الأخيرة، وكانت الحصيلة كما يلي:


- كرئيس لـ "جمعية الصحراء المغربية"، كيف تُقيّم ما قام به علي سالم التامك ومجموعته؟
+ في الحقيقة إن ما يقوم به التامك، وما قام به منذ مدة، رفقة مجموعة من الانفصاليين المنعوتين بـ "بوليساريو الداخل" هو استفزاز مفضوح، لا يمكن السكوت عنه بأي حال من الأحوال.

- في نظرك، هل تحركات هؤلاء وغيرهم من الانفصاليين تسيء للمغرب؟
+ طبعا إن علي سالم التامك ومجموعته، وكل من يسير على دربهم يسيء للوطن وللمغاربة. إنهم يتعاونون في واضحة النهار وعلى مرأى الجميع مع الدولة الجزائرية. وتعاونهم المبيت هذا أضحى الآن تعاونا "رسميا"، حيث بدؤوا في طور "شرعنته" تحت مظلة حقوق الإنسان وحرية التعبير، للمزيد من إحراج المغرب وافتعال مشاكل جانبية من شأنها أن تحجب أحيانا جوهر القضية. إن هؤلاء وغيرهم لا يخفون هذا التعاون الوقح مع الجزائر التي لا تتستر بدورها عن أهدافها المتمحورة حول ضرب استقرار المغرب والنيل منه ليفسح لها المجال في الريادة بالمنطقة.

- هناك من أضحى يعتبر أن "الوحدة الترابية" ليست من الخطوط الحمراء فحسب، وإنما من المقدسات، وكل من مسّ بها وجبت محاكمته بالخيانة العظمى، ما قولك بهذا الخصوص؟
+ فعلا، الوحدة الترابية من المقدسات في الفترة الحالية التي تجتازها بلادنا. فالمغرب، حكومة وشعبا، ضحى كثيرا وأدى الثمن غالبا، إن على المستوى البشري أو المستوى المادي والمعنوي، من أجل استكمال وحدته الترابية، لكنه موازاة مع ذلك، أخذ على عاتقه السير على درب الديمقراطية التي تستوجب الإقرار بحقوق الإنسان واحترامها وحمايتها وصيانتها، ومنها حرية التعبير، لكن عندما تصبح مصالح الوطن العليا مهددة، كما هو الحال في نازلة علي سالم التامك ومن معه من الانفصاليين الذين يعتبرون عملاء بلد أجنبي، وجب التدخل بصرامة، وعلى الدولة أن تتحمل مسؤوليتها قصد التصدي للخونة وتقديمهم إلى العدالة من أجل محاكمتهم. وهذا أمر عادي وطبيعي في جميع الدول.

- هناك من يقول إن علي سالم التامك ومجموعته ممولون من طرف الجزائر والبوليساريو، فما قولك أنت؟
+ ما يجب معرفته هو أن جبهة البوليساريو، ما هي إلا مجرد أداة طيعة بين يدي الجزائر لتكريس مخططها العدائي والتوسعي ضد بلادنا على أرض الواقع وبالوكالة. وعلي سالم التامك وأصدقاؤه لا يسترون تعاونهم مع الجزائر ولا يخفونه، ومن الطبيعي أن تكون هذه الأخيرة سخية معهم ماداموا يخدمون مخططاتها.

- ماذا يمثل علي سالم التامك بالنسبة للجزائر والبوليساريو، وبالنسبة للمغرب؟
+ بالنسبة للجزائر وجبهة البوليساريو، يمثل التامك و"بوليساريو الداخل" عموما ورقة مرحلية ضد المغرب، وعندما ستصبح هذه الورقة بدون فائدة وجدوى ضمن قواعد اللعبة سيتم التخلي عنها، هذا كل ما في الأمر. أما بالنسبة للمغرب، فإن علي سالم التامك، كان بالأمس القريب، متعاونا نجيبا ومجتهدا مع الاستخبارات المغربية قبل أن تتوتر العلاقة بين الطرفين، لأن المتعاون النجيب أصبح جشعا ومصدر إزعاج كبير، فتم التخلي عن تعاونه وخدماته، وهذا أمر يعرفه الكثيرون منذ مدة.

- هل ثمة علاقة بين مجموعة علي سالم التامك والمخابرات المغربية؟
+ حسب علمي إن العلاقة بين هذه المجموعة والمخابرات المغربية عرفت توترات قوية خلال الشهور الأخيرة، قبل انقطاع الخيط بينهما.

- هل كان علي سالم التامك يتعاون فعلا مع المخابرات المغربية؟
+ إنه ليس رأيي الشخصي فقط، لكن يمكنني أن أدلي ببرهان مادي في هذا الصدد. عندما كان التامك معتقلا سنة 2002 بالمركب السجني بمدينة سلا، عملت مصالح "الديستي" في عهد العنيكري على جلبه، وقد صنعت منه نموذجا لانفصاليي الداخل، آنذاك كان الوحيد الذي يدلي بتصريحات ويجري حوارات عبر وسائل الإعلام المغربية. وقد أُريد من وراء هذا التصرف إظهار مساحة حرية والتعبير والرأي المتاحة بالمغرب، لدرجة السماح للانفصاليين بالتحرك بكل حرية كما يحلو لهم. لكن التامك شكل شركا وفخا بالنسبة للكثير من الشباب "الانفصاليين" أو الموالين لهم، وبذلك تمكّن التامك من التعرف على مخططاتهم ومشاريعهم، وكل هذا كان يصل، بشكل أو بآخر إلى رجال الجنرال حميدو لعنيكري عندما كان قائما على "الديستي" ثم الأمن الوطني. لكن لا يجب نسيان، أن علي سالم التامك كان يدلي أيضا بمعلومات خاطئة أو مغلوطة لإظهار أنه عميل نجيب ومجتهد، الشيء الذي أدى إلى قذف العديد من الشباب الأبرياء في جحيم الاستنطاقات بمخافر الشرطة، في ظروف قاسية وهمجية أحيانا. وربما يكون بعضهم قد قذف به إلى السجن ظلما وعدوانا، ارتكازا على معلومات مغلوطة كان وراءها علي سالم التامك.
وفي السنوات الأخيرة تعاون مع "لادجيد" إلى حدود شهر مارس من هذه السنة (2009)، إذ قُطعت العلاقة به نظرا لجشعه ووفرة طلباته، فاختار الارتماء، روحا وجسدا، في أحضان المخابرات الجزائرية.

- كيف تمكنت جمعية الصحراء المغربية من فضح علي سالم التامك ومجموعته؟
+ لقد عملنا على هذا الملف منذ سنوات، واكتشفنا بعض حيثياته عندما كان علي سالم التامك معتقلا بالمركب السجني سلا ("الزاكي")، آنذاك توفرت لدينا معطيات، وقد لاحظنا أن عناصر من "الديستي" كانوا يزورنه بالسجن، وعلمنا بعد ذلك، من مصدر موثوق من قلب الدار، أنه استفاد من راتب شهري يبلغ 4500 درهم إضافة إلى امتيازات أخرى. وفي سنة 2008، عندما كنا نتصدى لهذا الشخص (علي سالم التامك) الذي نعتبره خائنا، كانت مفاجأتنا كبيرة عندما أسرّ لنا بعض عناصر "لادجيد" بتركه يقوم بمهمته.

- هل تتابع جمعية الصحراء المغربية تحركات الانفصاليين بالداخل والخارج؟ كيف؟ ولماذا؟
+ من الطبيعي جد أن تعمل جمعيتنا على تتبع حركات وسكنات الانفصاليين، سواء بالداخل أو بالخارج، لتتمكن من التصدي لهم، وهو ما يقومون به هم أيضا. ألسنا في حرب أكثر ضراوة من حرب الميدان الواضحة المعالم؟

- هل قدّم علي سالم التامك خدمات للمخابرات؟
+ لقد قيل لي في لقاءات عابرة وحبية مع بعض عناصر "لادجيد" إنّه قدم خدمات "جليلة"، مكنت المخابرات من اختراق بعض الأوساط الانفصالية.

- هناك من يقول إن جهة رسمية هي التي أوحت إلى جمعية الصحراء المغربية، بالمطالبة بمحاكمة علي سالم التامك ومجموعته، بتهمة الخيانة؟
+ قطعا لا، إنه مجرد افتراء، لقد طالبنا بهذا الأمر منذ سنوات، لكن علي سالم التامك كان محميا وقتئذ من طرف "الديستي" وبعدها من طرف "لادجيد".



- حسب الكثيرين يشكل "بوليساريو الداخل" طابورا خامسا، كيف يجب التصدي لهذا الوضع في نظرك، إن صح هذا الأمر؟
+ أعتقد أن وجود انفصاليي الداخل بين ظهرانينا أمر إيجابي بالنسبة للمغرب وبالنسبة لديمقراطيته، شريطة أن لا تربطهم أية علاقة بالجزائر أو بجبهة البوليساريو أو أي بلد أجنبي يكّن العداء لبلادنا. يمكنهم التعبير عن آرائهم ومواقفهم وأفكارهم الانفصالية في ظل احترام القوانين الجاري بها العمل في المغرب. لكن موازاة مع هذا يجب أن تتوفر بلادنا على مجتمع مدني "وحدوي" نشيط وفاعل حتى يظهر للجميع أن الانفصاليين لا يمثلون إلا أقلية لا تكاد تبين، وهذا أمر فشلت فيه الدولة فشلا ذريعا ولم تتمكن من تحقيقه حتى الآن.

- كيف تقيم وتقرأ تزامن اجتماع اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة مع تحركات علي سالم التامك ومجموعته؟
+ لا يجب أن يخفى علينا أن الجزائر تتوفر على أجندة دقيقة، قصيرة المدى، هدفها استفزاز المغرب، ووسيلة تفعيلها هم عناصر ما يسمى "بوليساريو الداخل" (انفصاليي الداخل)، لذا فمن الطبيعي جدا توقع ما يقومون به، بل إنه أمر منتظر، وإذا كان المسؤولون يعتبرونه مفاجأة أو أمرا غير منتظر، فهذا خطأ كبير ينم عن عدم تتبع الأحداث وتداعياتها على أرض الواقع.

- لكن، هل هذه التحركات من شأنها التأثير على مجرى المفاوضات؟
+ بإيجاز شديد، يمكن تلخيص مشروع الجزائر فيما يلي: لقد انقضّت الجزائر على الفرصة المتاحة لها، والمتمثلة في اختيار المغرب للديمقراطية مهما كان الأمر، واستغلت الظروف لإنشاء شبكة من انفصاليي الداخل، وحاولت تقويتهم على الصعيد الدولي عبر شبكات الدعاية التي تطلبت ملايين الدولارات، كما عملت على تشجيع حدوث تصادمات ومواجهات بين قوات حفظ الأمن وانفصاليي الداخل بالأقاليم الصحراوية، بغية أن تظهر بعض تجليات قمعهم لاستغلال الأمر في المنتديات والمؤسسات الدولية، سعيا وراء توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" وإقحامها في قضايا حقوق الإنسان من جهة، ومن جهة أخرى دفع انفصاليي الداخل إلى الانتفاضة تحت ستار مظاهرات سلمية للتعبير عن الرأي حتى تعم الفوضى ويصعب التحكم في الوضع؛ هذا ما تبينه أجندة الجزائر، وذلك أيضا هو مشروعها على المدى القصير حاليا.
لكن الحمد لله، لقد ظل هذا المخطط على الأوراق فقط، وبالمناسبة أقول إنه خلال الأسابيع القليلة المقبلة سيكون تحرك المجتمع المدني قويا على مستوى الدفاع عن مغربية الصحراء.

- نعم، ولكن كيف تُقيّم وضع المغرب في اللجنة الرابعة حاليا؟
+ في الواقع أنا مرتاح بهذا الخصوص على المستوى الديبلوماسي وأثق بالمجهودات المبذولة إلى حد الآن، لكن مشكلة المغرب في هذا المضمار تكمن في سلبية مجتمعنا المدني (الأحزاب السياسية ـ المركزيات النقابية ـ الجمعيات...) والتي تجعله غير فاعل وغير مساير وغير حاضر على أرض الواقع بنفس القوة والهالة التي يتحرك بها الانفصاليون بتوجيه وتدبير جزائريين.



mardi 13 octobre 2009

الجيش الذي نريده


الصورة:الغماري رفقة ولد القابلة

2009 / 2 / 21
محمد الغماري / أستاذ جامعي خبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية
الجيش الذي نريده



محمد الغماري، من المغاربة الأوائل الذين اهتموا بالدارسات الاستراتيجية، حاصل على الدكتوراه من جامعة باريس 2 في بداية السبعينات، صادف صعوبات جمة، رغم أنه لا انتماء سياسي له، في أبحاثه ومحاولاته لتنشيط خلية تهتم بالدراسات الاستراتيجية بالمغرب، أجرينا معه هذا الحوار لتسليط الضوء، بعيون خبير مختص، على مجموعة من القضايا والإشكاليات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، على رأسها: أي جيش يريد الملك وأي جيش يريده الشعب؟

الجيش الذي يريده الملك

- ما الجيش الذي يريده الملك محمد السادس؟

+ إن الملك محمد السادس يريد جيش دفاع فقط، إذ لا يفكر قط في أية مواجهة من أي نوع كانت، مغربيا ولا مغاربيا، ولا أيضا على مستوى الوطن العربي،.. وإسبانيا على يقين تام أن المغرب لم يكن يتحرك عسكريا بخصوص سبتة ومليلية، ورغم ذلك اتخذ الجيش الاسباني كل الاحتياطات اللازمة.
أتذكر أن بعض الاسبان حضروا ندوة سنة 1988 بمدينة "تولوز" الفرنسية، التي شارك فيها العديد من مستشاري الحلف الأطلسي وأساتذة باحثون ناشطون بمراكز الدراسات الاستشارية، وقد قال أحد الضباط الاسبان إن جيشهم مستعد للحرب في أي وقت، وأضاف لو تحرك المغرب عسكريا من أجل سبتة ومليلية سنحتل طنجة وتطوان، الخطة جاهزة.
هذا ما أكده لي كذلك أستاذ فرنسي للدراسات الاستراتيجية، إذ صرح لي "لو تحرك المغرب عسكريا ستقوم الحرب، سيما أن القوات البرية الاسبانية متشددة بهذا الخصوص، وهي التي فرضت زيارة الملك الاسباني للمدينتين المحتلتين لإظهار أنه لا نقاش حول تحرير المدينتين السليبتين، وبالنسبة لهم (الجيش البري) تمثل كل من سبتة ومليلية نصف السيادة الاسبانية.
وهذه أمور نحن ساكتون عنها رغم أن اسبانيا تقتني أسلحة قوية منذ سنتين أو ثلاثة، هناك 8 أو 9 صواريخ بالجزيرة الخضراء موجهة نحو المغرب، هذا على المستوى الظاهر أما الخفي فلا يعلمه إلا الله.
الملك محمد السادس يريد جيشا يضمن الأمن والاستقرار ويحارب ما يسمى بـ "الإرهاب" استنادا إلى المفهوم الأمريكي والأوروبي، وأن لا يدفعه (الجيش) للحروب ويترك جميع القضايا الخارجية للدبلوماسية.


- ما هو الجيش الذي يريده الشعب المغربي؟

+ الشعب المغربي يريد جيشا نشطا يرفع التحديات، يحرر سبتة ومليلية، ويساهم على مستوى الوطن العربي، يكون جيشا بناءا وابتكاريا، يشترك في التنمية ويحترم الشعب، وإذا كان كذلك، سيكون جيشا محبوبا لدى الشعب كما كان الأمر في بداية الاستقلال قبل تدخل القوات المسلحة في قمع المظاهرات وإفشال الإضرابات حيث صار يتألق في هذه القضايا أكثر ما يظهر في الدفاع عن الوطن.


- هل المغاربة غاضبون على قادة الجيش، سيما الضباط الكبار؟

+ فعلا المجتمع غاضب على الضباط، قادة الجيش المغربي، وأسباب الغضب كثيرة ومشروعة، فالكثير من هؤلاء الضباط استفادوا ولازالوا يستفيدون من امتيازات، لا تعد ولا تحصى، ليست لها مبررات واضحة ومقنعة..
فلا المغرب تحرر من آثار الاستعمار، ولا الجيش له علاقات احترام وتقدير بالنسبة للشعب، وكلما خرج الجيش للشعب ظهر بحقده عليه. كما أن الجيش لم يساهم في قضايا الأمة العربية، سيما بعد الذي وقع في العراق والشرق الأوسط وفلسطين..
ماذا يفعل جيشنا؟ لا أحد سيفيد المغاربة بهذا الخصوص. الشيء الذي نسمعه عن الجيش بكثرة هو الامتيازات المتزايدة، هذا في وقت تعيش فيه البلاد ركودا يكاد يكون قاتلا، كل الطبقات والفئات الاجتماعية تعاني، إلا فئة الضباط الكبار، الذين يعيشون في بحبوحة حتى في ظل أسوأ الأزمات الخانقة، وهذا أمر يخلق شعورا من "التقزز الاجتماعي".



- هل نقول إن خَلف الجنرالات المتقاعدين في مستوى تعويضهم، سيما و أن أغلبهم لهم تتح له فرصة خوض حروب ميدانية؟

+ رغم أن تعليم الجنرالات الكبار الذين بلغوا سن التقاعد جد متواضع، إلا أنهم يتوفرون على تجربة، في حين أن الضباط الشباب يتوفرون على تكوين لا بأس به لكن تنقصهم التجربة. التجربة الوحيدة التي كانت في السنوات الأخيرة، أي منذ 30 عاما، هي حرب الصحراء التي لم يشارك فيها كل الضباط، وهي بحد ذاتها ليست تجربة كبيرة. ذلك لأن الجيش المغربي كان في وضع متناقض، ذهب إلى الصحراء بتكوينه الكلاسيكي التقليدي لمواجهة حرب غير تقليدية وغير كلاسيكية، إذ كانت حربا ثورية وحرب عصابات، وبالتالي لم يطبق ضباطنا ما في جعبتهم من خبرة، ولم يكن جيشنا قادرا على أن يطورها ولا أن يسيطر أو يستوعب ما كان يقوم به الخصم في البداية. لهذا صادف عناصر القوات المسلحة الملكية صعوبات جمّة، لهذا السبب ولأسباب أخرى، ظلت تجربة حرب الصحراء ناقصة وضعيفة، سواء من الناحية الاستراتيجية العسكرية أو من حيث التنظير، وأيضا من ناحية استيعاب تقنيات الخصم، وبالتالي برزت فراغات كثيرة جدا.
في الواقع لو كانت القيادة واعية، لكان من الممكن ملء هذه الفراغات قبل أن ينصرف كبار الجنرالات، وذلك بالانفتاح على البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية، وعلى الجامعات وتنظيم لقاءات مع ضباط كبار متقاعدين من دول أخرى والذين استمروا في عطاءاتهم رغم تقاعدهم، في المؤسسات والأكاديميات العسكرية ومراكز البحث، وبالتالي فإنهم ظلوا يؤطرون ولو أنهم نزعوا البذلة العسكرية، وهذا أمر غير موجود في المغرب.
لذلك تبدو القطيعة بين الأجيال خطيرة عندنا في المغرب بخصوص الخلف، وأعتقد أن المرحلة الانتقالية ستكون صعبة بالنسبة للجيش المغربي.


- هل الجيش يتوفر على ضباط قادرين على تعويض الشيوخ؟

+ أعتقد أن مشكل الخلف مطروح بالمغرب في مختلف الميادين، هل هو قادر على تعويض من هم أكثر تجربة ومراسا منه، علما أنه لا وجود لأجهزة تنسيقية فكرت مسبقا في إعداد هذا الخلف كما هو الحال في بلدان أخرى.
علما أيضا أن المؤسسة العسكرية تتوفر على أطر مكونة تكوينا جيدا في الداخل والخارج، كما تطرح إشكالية تنافر العقليات بين الجيل القديم الذي لا يعترف إلا بالرتبة العسكرية والجيل الجديد الذي يولي أهمية أكثر للتكوين العلمي. هذا في ظل سيادة سلوك وجو قمعيين، غير أن هؤلاء لا تأثير لهم ولا يمكن أن يساهموا في أي تغيير باعتبار أن كل تغيير داخل المؤسسة يجب أن يقرر من طرف الملك وحده دون سواه.


الثالوت الذهبي


- من أين أتت فكرة نعت الثالوث، بنسليمان وبناني وعروب، بـ "المثلث الذهبي"؟

+ نظرا للنفوذ الكبير الذي يحظون به وسط الجيش، واستمرار قربهم من الملك، وهم الذين على اضطلاع دائم بمختلف الأسرار، إنهم رجال ثقة الملك، إذ لا يوجد من ينافسهم بهذا الخصوص، سيما من بين الضباط السامين الآخرين، ومن سوّلت له نفسه القيام بذلك، سيفشل لا محالة، وقد يتوقف مشواره على حين غرّة من حيث لا يدري، يكفي أن يفكر في الأمر لتظهر النتيجة.


- تناسلت أخبار وأقوال تفيد أن الملك محمد السادس غاضب على الجنرال حسني بنسليمان، حيث ينتظر الفرصة السانحة للتخلص منه، لكن حصل العكس، أي أن الجنرال القوّي ظل رجل ثقة الملك الذي يتشبث به، لماذا في نظركم؟

+ لازال الجنرال حسني بنسليمان رجل ثقة الملك محمد السادس، والتأويلات المعاكسة للواقع كانت سريعة ولم تعمّر طويلا، وقبل ثلاث سنوات كنت قد أدليت برأي بيّنت فيه أن الجنرال حسني بنسليمان قوّي جدا، لأنه، أوّلا، يمتاز بخلفية علاقات عائلية صلبة ومتينة، وأغلب أفراد أسرته لهم نفوذ قوي، يحتلون مواقع مهمة.
ثانيا، ظل هذا الجنرال دائما رجل ثقة، لأن الدرك يلعب دورا حيويا ببلادنا، ولا يمكن أن يترك زمامه بيد ضابط مشكوك فيه أو غامض، علما أن الملك الراحل الحسن الثاني، هو الذي رسخه في مكانه ووصّى عليه.
ولربما إن ما أوهم الكثير من الناس، بروز انتقادات متعددة ومختلفة في فترة زمنية وجيزة، لكن قوّته اتسعت خلافا لما كان منتظرا من طرف العامّة، حيث ظن هؤلاء أن الملك غضب على الجنرال بفعل تلك الانتقادات، في حين حدث العكس، وقد ظل الجنرال حسني بنسليمان رجل النظام الأول، لأن الملك في حاجة للدرك وحسني بنسليمان يعرف الدرك جيدا، ويحيط به مجموعة من الضباط يصلون باسمه.
كذلك هناك ضباط آخرون خارج الدرك، منهم على الأقل عشرة، وصلوا إلى رتبة كولونيل ماجور وكولونيل بفضل الجنرال حسني بنسليمان، فكيف للملك أن يتخلى عنه والحالة هذه؟
أما كون الجنرال تجاوز سن التقاعد، فهذا أمر ليس ذا أهمية في الشؤون السياسية التي هي غير ملزمة بالمقتضيات والمساطر الإدارية.


- في هذا الصدد، يقول رأي إن استمرار بعض الضباط السامين في مواقعهم جاء لضرورة تمتيعهم بحصانة الموقع تجنبا لأية مساءلة بعد الإحالة على التقاعد، فما رأيكم في هذا؟

+ المشكل مطروح بالنسبة للجنرال حسني بنسليمان بالذات أكثر من غيره، وأرى أنه لذلك تشبّت به الملك، وقد أخطأ من اعتقد أن تورطه النسبي في جملة من القضايا الشائكة سبب يدفع الملك للتخلص منه، وإنما العكس هو الصحيح.
إذن لا يمكن التخلص من الجنرال حسني بنسليمان، لأن الملك، والنظام السياسي عموما سيضر نفسه بنفسه في هذه الحالة، وهذا ما غاب عن الكثيرين الذين ركزوا على الشجرة ولم يأبهوا للغابة.


- لكن ألا تعتقدون أن استمرار بعض الجنرالات بمواقعهم سيسيئون للمغرب والمغاربة؟

+ فعلا إنهم سيسيئون للبلاد لأنهم أضحوا رجال أعمال، سيما الذين حظوا منهم بنفوذ في الصحراء، لقد أصبحوا أثرياء كبار، فهؤلاء – عندما أوقف المغرب اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي – كانوا يتوفرون على الحرية الكاملة لبيع السمك في أعالي البحار للأوروبيين.
فالنظام السياسي دأب على منح الامتيازات الكثيرة للضباط السامين لفصل روابطهم مع الشعب ومع الوطن، فهم يعتبرون أنفسهم ضباط الملك، لا غير، وقد بيّن التاريخ أنهم يباعون ويشترون لأنهم يقومون بأعمال تتنافى كليا مع مهامهم العسكرية. فمن الناحية القانونية يمنع على الضباط أن يزاولوا نشاطا تجاريا أو وظيفة أخرى، علما أن هؤلاء الضباط هم الذين يعوّل عليهم النظام، لأن لهم نفوذا وسط الشعب، وعلما أيضا أن النظام يخاف من الضباط الذين يحظون باحترام الشعب، هؤلاء يمكنهم أن يفكّروا في الإصلاح والتغيير، أما المرتشون فلا خوف منهم إطلاقا. أفتح قوسا، في هذا الصدد لأقول، قبل الإنقلاب العسكري الأول، لم يكن الكولونيل اعبابو من المقربين للملك ولم يكن يتفاهم مع الجنرالات، وكان قد احتل فيلا في ملكية أحد الفرنسيين بشاطئ شمال المغرب، وعند عودته اشتكى الفرنسي للملك، فقال له: كم ثمن الفيلا؟ فمنحه شيكا بأربعين مليون وقتئذ، وبعد ذلك علّق صاحب الفيلا قائلا : "لا يمكن للمغرب أن يعرف انقلابا لأن ضباطه مرتشون"، ومع ذلك ظل عبابو حالة خاصة.


- يقال إن الجنرال عبد الحق القادري، رغم أنه أحيل على التقاعد ظلت كلمته مسموعة لدى الملك و"المثلث الذهبي"، ما تعليقكم بهذا الخصوص؟

+ للحقيقة والتاريخ وجب الاعتراف أن عبد الحق القادري، هو الوحيد، الذي رغب في انفتاح المؤسسة العسكرية على البحث والدراسات العليا وعلى الجامعات. وفعلا شرع في السير على هذا الدرب، لكن المشروع أجهض مبكرا وكانت مفاجأة لأنه كان ضمن المخابرات العسكرية في البداية، وقد شجع الضباط على متابعة دراستهم في الجامعات، وفي عهده وصل المسجلون في السلك الثالث إلى أكثر من 1500 طالب من الضباط، وقد أطرت مجموعة منهم في جامعة فاس، وكان ضمنهم ابن أخت عبد الحق القادري. وقد رغب هذا الأخير في إنشاء خلية للبحث في القضايا الإستراتيجية تضم الضباط الباحثين وأساتذة وباحثين مدنيين، وفعلا وضعت اللائحة وكنت على رأس القائمة المقترحة، فإذا بالجنرال عبد الحق القادري يحال على التقاعد.
وأظن أن ضباطا سامين رفضوا هذا الاقتراح وحاربوه وقالوا للملك إن هذا المسار سيؤدي بنا إلى ما قد لا يحمد عقباه.


الخبرة و التجربة والتكوين


- ظل التكوين العسكري عندنا قائما على تلقين العداء للمدنيين، وهذا ما كرسته مقولة "السيفيل الكلب"، والحالة هذه، ألا تعتبرون أنه حان الوقت لإدراج تربية حقوق الإنسان وحقوق المواطنة واحترامها ضمن برامج التكوين العسكري؟.

+ لقد أضحى ذلك ضروريا، حيث يجب الإقرار بالتربية على حقوق الإنسان واحترامها في صفوف الجيش، سيما في مرحلة التكوين. خصوصا وأن انتهاكات حقوق الإنسان بالمؤسسة العسكرية أضحت ممارسة عادية، بل قد يبدو لغير العسكري أن النظام العسكري قائم على الدوس على تلك الحقوق ومفهومها وفلسفتها، ويمكن ملاحظة أن الجندي أو الضابط عندما يتكلم عبر الهاتف مع ضابط أكبر منه تظهر عليه علامات الخضوع والانبطاح، ناهيك لو كان يكلمه مباشرة، كأن حياته بيده، وهذا أمر لا يشرف الجيش رغم كل تبريرات الطاعة والصرامة والانصياع للأوامر.
يجب إدماج التربية على حقوق الإنسان في جميع مراحل التكوين وعلى كل المستويات بخصوص ضباط الصف والضباط ومؤسسات التكوين العليا. وهذا أمر يستوجب رجة كبيرة، حيث يبدو أنه كلما صعدت في سلم الرتب العسكرية زاد عدم احترام حقوق الإنسان، وازداد أيضا الارتباط بالعقلية القديمة.


- إلى أي حد يمكن اعتبار المناورات فرصة للتكوين ولتراكم التجربة؟

+ مهما يكن من أمر تبقى المناورات غير كافية لتكوين الجيش، لأن جيشنا جيش دولة نامية متواضعة، وعناصره تشارك في مناورات مع جيش يمتلك تكنولوجيا "آخر تقليعة" لا نملكها، حتى لو فهمنا ما يقوم به وعاينا تصرفاته وطريقته في التخطيط والإعداد، فليست لنا الوسائل لكي نكرر التجربة بالاعتماد على النفس.


- ماذا يستفيد الجيش المغربي من تدخلاته خارج الحدود، سواء بافريقيا أو غيرها، وتحضرني الآن حالة كوسوفو ومالي والكونغو وغيرها؟


+ في الواقع إن تدخلات من هذا القبيل لا دور لها في التكوين الفعلي، إنها تساهم فقط في تلميع سمعة النظام السياسي وصورته بالخارج. التجربة الفعلية تكون بالمساهمة في الحروب وعلى أرض المعركة.
على سبيل المثال لا الحصر، التقيت بعض الضباط الذين شاركوا في التجريدة المغربية التي قاتلت بالجولان وصرحوا لي أنهم لا يعرفون ما الحرب رغم توفرهم على أقدمية تفوق 10 سنوات وقتئذ.


- هل هناك صراع بين الضباط الذين خضعوا للتكوين الفرانكوفوني وآخرين تكوّنوا في المدرسة الأنكلوساكسونية؟

+ الضباط الجدد تلقوا تكوينهم بالولايات المتحدة الأمريكية، علما أن الملك شجع ذلك نتيجة مليه لأمريكا، كيف ذلك؟ لأن من قضى 6 أشهر في أمريكا يحصل على ترقية تساوي تكوين مدّته سنتين في بلد آخر. علما أن أمريكا تحترم المكوّنين أقل من الدول الأخرى.
إلا أنه ليس هناك صراع بين الفئتين، وإنما هناك ائتلاف كل مجموعة على حدة.


الإصلاح والتغيير


- هل أضحى من الضروري حاليا إحداث تغييرات وإصلاحات في المؤسسة العسكرية؟

+ ظل جيشنا بمثابة صندوق أسود لا نعرف عما ينطوي، يبدو لنا شكله من الخارج متينا لكننا لا نعرف شيئا عن محتواه، علما أن المؤسسة العسكرية بدورها تحرص على أن لا نعلم عنها شيئا، وكلما عرضت هذه الجهة أو تلك معرفة المزيد عن هذه المؤسسة "البكماء" يؤول هذا المطلب كأنه تدخل سافر وجرأة وقحة، لأن في نظر القيمين على جيشنا من الضرورة أن يظل كل ما هو يتعلق به سريا، وهذا أمر لم يعد معقولا البتة، إذ كيف لجهاز يتطلب أكبر المصاريف المقتطعة من أموال الشعب، تسلم إليه على طبق من ذهب، دون مراقبة برلمانية ولقاداته امتيازات قد لا يتصورها المرء ولا يستسيغها عقل سليم، لا يستفيد من مثلها باقي المغاربة؟ كيف لهذه المؤسسة أن تبقى سرا مكنونا لا نعرف عنه شيئا؟ ماذا تفعل؟ وفي ما يفكر القيمون عليها؟ وكيف يتصور هؤلاء، المغاربة ويتعاملون معهم؟ وهل الجيش معنا كشعب أم ضدنا؟ خصوصا وان قضية الصحراء ما زالت قائمة وسبتة ومليلية مازالتا تحت وطأة الاستعمار.
حتى إن لم تكن هناك حرب، علينا دائما الاستعداد لوضع خطة استراتيجية لتحرير تلك المناطق حتى لا نفاجأ كما حدث سنة 1975 بخصوص الصحراء عندما وقع جيشنا في حيص بيص، وكان آنذاك الراحل الحسن الثاني قد استدعى سريا أميرالا فرنسيا هو مدير مدرسة عسكرية لإلقاء محاضرات في كيفية مواجهة حرب العصابات، وقد علمت بهذا عندما كنت بالديار الفرنسية. فمن باستطاعته التأكيد الآن أن إسبانيا لا تستعد للحرب؟ في الواقع إنها تستعد ليس لمواجهة المغرب فقط، وإنما المغرب العربي، وهذا ما ينادي به الحزب "الشعبي" اليميني الذي يقول إن على اسبانيا التحكم في القوة العسكرية لمواجهة المغرب العربي حتى يتم تأسيسه فعليا، وبالتالي الرجوع إلى اعتماد الخطة الملكية العتيقة المبلورة في القرن الخامس عشر والقائلة بوجوب طرد المسلمين وتتبع خطاهم إلى حد التحكم في شمال إفريقيا، هذه كانت وصية الملكة "اليزابيت الكاتوليكية" إذ قالت :"[...] إذا لم يعمل أحفادي بفحوى هذه الوصية فأنا بريئة منهم ولا يستحقون الحكم".
وهنا يبدو الخلل الكبير الذي مازالت المؤسسة العسكرية تعيشه عندنا، وهذا ما يؤكد أيضا أنها في حاجة إلى تغيير وإصلاح جديين.


- هل تعتبرون أن من بين المشاكل المطروحة داخل المؤسسة العسكرية تصارع العقليات بين الأجيال؟

+ لابد أن هناك صراعات وتشنجات من هذا القبيل، غير أن عقلية الجيش بالنسبة للمجتمع المدني مختلفة كليا، فضباطه الكبار وقادته يؤمنون إيمانا راسخا، بأن المؤسسة العسكرية تعتبر أهم جهاز بالبلاد، لأنها الركيزة الأساسية للنظام السياسي، وعليه يعتمد هذا الأخير، وهي ضامنة استقلال المغرب.. هذه العقلية راسخة في صفوف الجيش الذي لا يقبل أن تقارن به أية شريحة في المجتمع، فالجيش فوق الكل والجميع، إنه تابع للملك ومع الملك فقط، وبالتالي لا مسؤولية له أمام أي كان إلا الملك.


كثرة الجنرالات


- يقال إنه كلما كثر عدد الجنرالات، كلما تعددت وتناسلت المشاكل؟

+ إن المجموعة التي تتكوّن من الضباط السامين (جنرال، كولونيل ماجور، كولونيل) كثيرة العناصر بالمغرب بالنسبة لحجم بلادنا وكذلك بالنسبة لدور المؤسسة العسكرية. ففي الدول التي عرفت حروبا كبيرة، كان عدد هؤلاء الضباط مهما آنذاك، نظرا للدور الذي كان يلعبه هؤلاء، كانت الترقية تسير بوتيرة سريعة، أما في وقت السلم، فإن الدول العظمى قلصت هذا العدد من الجنرالات، رغم أنها تتوفر على عدّة مدارس ومعاهد عليا للتكوين العسكري، حيث إن أغلب الضباط يحالون على التقاعد قبل الوصول إلى رتبة جنرال، علما أن الذين حظوا بها وصلوا إليها في آخر مشوارهم وليس في سنّ مبكّر.
وكثرة هؤلاء الضباط تؤدي إلى بروز صراعات ومجموعات متناقضة فيما بينها، رغم ظهور نوع من الانسجام في المؤسسة العسكرية عند الطوارئ أو الأزمات السياسية والاجتماعية، كما هو معروف لدى مختلف الجيوش بصفة عامة، ولكن مع كثرة الضباط السامين تبرز خلافات ونزاعات منذ مدّة في صفوف الجيش المغربي، بل منذ نشأته في منتصف الخمسينات.


- لماذا يتميز جيشنا بكثرة الضباط السامين؟

+ السبب واضح جدا، فالنظام السياسي يهمه أن يتوفر على فئة قوّية ضمن الجيش تدعمه، وبالتالي فكلما تبرع بجملة من الترقيات على مجموعة من الضباط، كلما ظهرت فئة أخرى لها نفوذها، وبالتالي يستمع لمن لهم أكبر نفوذ. غير أن بعضهم يشعرون بنوع من الميز، فقبل سنتين تمت ترقية مجموعة من الضباط، وظهرت لجميع المتتبعين أنها ترقية سريعة جدا، ولربما متسرعة، في نفس الوقت كان ضباط آخرون، أقدم من هؤلاء المستفيدين من الترقية المتسرعة لكنهم لم يحصلوا عليها. في مثل هذه الحالات يلجأ النظام، بعد حين، إلى نوع من التعويض لإسكات الغاضبين وذلك باللجوء إلى منح المزيد من الامتيازات. لكن هناك فئة من الضباط تستفيد دائما من الترقيات بفضل روابطهم العائلية أو جهات تدعهم دائما في الخفاء.
كما أن هناك مناصب في المؤسسة العسكرية توزع كذلك على المحظوظين وذوي النفوذ، في حين يظل باقي الضباط السامين في الثكنات أو في مناصب هامشية.
ومن المعروف أن عناصر من المثلث الذهبي والضباط السامين الوازنين، كل منهم يدعم مجموعته. فالجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني لهما نفوذ قوّي ويدعمان، كل واحد منهما على حدة، جماعة من الضباط الشبّان، وهؤلاء هم الذين يصلون إلى درجة كولونيل ماجور بسرعة، وأحيانا كثيرة قبل أشخاص ولوجوا سلك الجندية قبلهم بسبع سنوات أو أكثر، وهناك حالات متعددة من هذا القبيل.
أصبح الجيش المغربي مكوّنا حاليا من فئات، فئة لها علاقة بالملك، وفئات أقل قربا منه، علما أن الأسرة الملكية تخترق المؤسسة العسكرية، كما أن هناك مجموعة من الأمراء لهم رتب عالية بالجيش، ثم إن الملك محمد السادس، حينما كان وليا للعهد خلف الجنرال مولاي حفيظ العلوي واضطلع بالتنسيق بين مكاتب ومصالح القوات المسلحة، وفي هذه الفترة ربط علاقات مع بعض الضباط، منهم حميدو العنيكري، وغيرهم ممن كانوا غير معروفين.
إن النزاعات بين مختلف هذه الفئات داخل الجيش، ليست نزاعات سياسية أو مرتبطة بتصورات ورؤى استراتيجية، وإنما تظل مجرد صراعات شخصية ونزاعات نفوذ لتحسين وضعيتها، وبالتالي نصيبها من كعكة الامتيازات.
وفي البداية، كانت النزعة القبلية، إلى حد ما تلعب دورها في هذه النزاعات.


- إذن، في هذا الصدد تلعب لجنة الترقية دورا أساسيا، علما أن عمودها الفقري مكوّن من الثالوت: بنسليمان – بناني – عروب، أليس كذلك؟


+ فعلا، القرار بهذا الخصوص يظل بيد الملك لكنه يسمع كثيرا لهذا الثلاثي.

استمرار تحمل الشعب امتيازات الجنرالات دون الاستفادة منهم

- هل ظل الجنرالات والضباط السامون مستفيدين من كل الامتيازات رغم إحالتهم على التقاعد؟
+ نعم، هناك جملة من الأشياء تبقى بين أيديهم، علما أن معاشهم يصل بالنسبة للجنرال 10 ملايين سنتيم، فحتى الذين لم ير فيهم الملك فائدة كبيرة منحت لهم ضيعات كبيرة تتجاوز مساحتها 100 هكتار، وفيلات يقطنون بها كأنهم محتاجون.
واستفاد المحبوبون منهم من مقالع الرمال التي تذر عليهم بين 40 إلى 50 مليون شهريا.
يظل الضباط السامون يتمتعون بكل الامتيازات، خلافا لباقي موظفي الدولة.


- في الدول الأخرى تظل الاستفادة من الضباط السامين بعد إحالتهم على ا لتقاعد كأساتذة أو باحثين أو مستشارين، فماذا بالنسبة لضباط المغرب بهذا الخصوص؟

+ الضباط السامون المغاربة الذين أحيلوا على التقاعد يتم الاستغناء عن خدماتهم فيما بعد، ليتفرعوا للتجارة وتسيير الأعمال، لا اهتمام لهم بالثقافة والبحث وتقديم الاقتراحات، ولا أحد منهم تستفيد منه الدولة أو البلاد، خلافا لما يقع في الدول الأخرى، ففي لبنان مثلا أعرف بعض الجنرالات الذين أحيلوا على التقاعد، ومع ذلك يواصلون أبحاثهم، نجدهم في مختلف الندوات، بل منهم بعض الكتاب الكبار، وكذلك الشأن بالدول الأوروبية.

نفط الجزائر هو مغربي أصلا..اعتقاد لا يمكن تجاوزه أو تجاهله




2008 / 9 / 30
أنور مالك/ كاتب صحفي و ضابط سابق جزائري مقيم بفرنسا
نفط الجزائر هو مغربي أصلا..اعتقاد لا يمكن تجاوزه أو تجاهله


يقر أنور مالك أن النفط الذي تستغله الجزائر مستخرج من أرض مغربية ألحقتها فرنسا بالجزائر في إطار وهمها الرامي إلى جعل الجزائر مقاطعة فرنسية أبدية. كما يرشح ظهور أكثر من 15 دولة مستقبلا بالمغرب العربي، تساعد على ظهورها الظروف الداخلية وتداعيات المناخ الدولي ونزعه الانفصال التي ستحل علينا بالكوارث إن لم يتم تدارك الأمر بالوحدة التفاهم الداخلي بين شعوب المنطقة وبالاستفادة الجماعية من الثروات المغاربية.



- يعتقد الكثير من المغاربة أن الجزائر غنية بنفط تعود ملكية ترابه إلى المغرب والمغاربة أصلا، ما رأيك في هذا الأمر؟


+ قبل الخوض في هذا الموضوع الخطير للغاية في منطقتنا المغاربية، يجب أن نشير إلى بعض الأمور الهامة، لقد خلف الإحتلال الفرنسي ألغاما بعدما طرد عسكريا من الجزائر عام 1962، بينها الألغام المضادة للأفراد التي أطاحت بأبرياء على مدار سنوات طويلة، لكن توجد ألغام أخرى يعتبر مفعولها أكثر من التدمير الشامل، حيث لا يمكن تجاوزها أبدا، وستبقى مصدر الفتن والصراعات، لقد خلفوا لنا "معاهدة إيفيان" التي أبرمت وحررت بنودها بحنكة من طرف خبراء فرنسيين صحبة وفد جزائري محدود الرؤية والأفق، إذ لم يكن لهم هَمٌّ حينها سوى الاستقلال وريع الحكم وثروة الثورة، حتى صارت هذه المعاهدة تلوي عنق حقوقنا، كالمطالبة بالتعويض والاعتذار لضحايا همجية الاحتلال من مجازر بشعة وتعذيب ونفي وتخريب وتجارب نووية... الخ، وأمر آخر هو أن الاستعمار الفرنسي استوطن قرنا و32 سنة، أي أنه دخل في زمن القبيلة وخرج في زمن الدولة، فصنع أجيالا لها خصوصياتها وتطلعاتها المستمدة من رؤاه، لها تأثيرها البالغ في تسيير شؤون المنطقة... إذا أخذنا بعين الاعتبار ما ذكرنا نستطيع أن نفهم حقيقة ما عليه أمر المغرب العربي، الذي سيظل محل الطمع الأجنبي لاعتبارات استراتيجية واقتصادية، بسبب الاستعمار والعقلية القابلة للوصاية مما جعل المنطقة المغاربية تسير في طريق التفتيت والتقسيم، وأرشح ظهور أكثر من 15 دولة مستقبلا، تساعد على ظهورها الظروف الداخلية والمعطيات الدولية ونزعة البوليساريو المشبوهة التي ستحل علينا بالكوارث، إن لم يتم تدارك ذلك بالوحدة والتفاهم الداخلي بين هذه الشعوب وبالاستفادة الجماعية من الثروة المغاربية ...
نعود لسؤالكم لنؤكد أن هذا الاعتقاد موجود بالفعل ولا يمكن تجاوزه أو تجاهله، ونقر نحن بصراحة أن الحدود الموجودة الآن هي من مخلفات الاحتلال الفرنسي الذي راعى في ترسيمها مصالحه، حيث كان موهوما بأن الجزائر مقاطعة فرنسية أبدية، لذلك وضع الحدود وكيفها حسب أطماعه، فابتلع كل ما فيه من خيرات وثروات باطنية، وإن كنت على يقين بأن المستعمر يطمع في شمال إفريقيا كلها، واستقلال المغرب وتونس إستراتيجية مرحلية إتخذها المستعمر الغاشم للتفرغ النهائي لما هو أهم ويتمثل في قلب المغرب العربي ألا وهو الجزائر، ومن بعد يسهل احتواء الأطراف والأجنحة الأخرى.
أنا أرفض مصطلحات التفرقة، هذا جزائري وذاك مغربي والآخر تونسي، أنا أرى المغرب العربي كُلاًّ لا يتجزأ، ومن حق كل مغاربي العيش الآمن الرغيد في كنف دولة واحدة تمتد من طاء طنجة الى طاء طرابلس، ولكن بسبب أنظمة البغض المفروضة علينا بالسلاح صرنا إلى حال بائس، فقد صار كل نظام يغذي النعرات التي تخدم أجندته وحساباته، فالنظام العسكري الجزائري خلق جبهة البوليساريو، يمدها بالسلاح والمال والنفوذ على حساب شعبه الجائع، وذلك لطعن المغرب في الظهر ليوقف زحفه نحو الصحراء الشرقية أو نحو تحرير سبتة ومليلية... المغرب بدوره وجه صفعات للجزائر ولا يزال يبحث عن الضربة القاضية، ولن يجد أكثر وأفضل من المطالبة بحقوقه المشروعة في ترسيم الحدود التاريخية، وأنا على يقين أن كفته ستكون راجحة لاعتبارات عديدة أهمها عدم وجود اتفاق نهائي لترسيم الحدود بين الجانبين، فضلا على أن اتفاقية الجزيرة الخضراء عام 1906 والتي اعترفت بها الأمم المتحدة عام 1945، تقر صراحة بمغربية ولاية تندوف، بحيث لا تملك الجزائر ما يفيد عكس المطلب المغربي أو دحضه، لهذا لا يمكن أن تقبل بوصول القضية إلى التحكيم الدولي وستظل تراهن على منفذ دولة صحراوية بمحاذاة تندوف.
إن الحدود هي لب الصراع القائم اليوم وبدعم أجنبي سواء عن طريق الميراث الاستعماري أو بتغذية القوى الأجنبية المتسابقة على خيرات أمتنا، إذا كانت قضية الحدود بين الجزائر والمغرب قائمة، فتوجد قضية أخرى مع تونس ستنفجر حتما يوما ما... هكذا يمكن التأكيد على أن الشمال الإفريقي عموما مقبل على هزات عنيفة لا تحمد عقباها، مادامت ثروات النفط تسيل الدم واللعاب، فحيثما يكون النفط كنا نرى الاحتلال، واليوم نجد ما يسمى بالإرهاب، وغدا بلا شك سنعيش الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية... أقول إن الحدود الموجودة اليوم هي إستعمارية، وترسيمها وفق أجندة الخارج سيعيد الاستعمار من النافذة، وترك الحبل على الغارب سيعيده من السقف، أما الهروب إلى الأمام سينبته كالفطر من الأرض، إن لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان، وطبعا فإن الشعوب هي التي ستؤدي الثمن في الأخير.


- في اعتقادكم هل مطالبة المغاربة بالصحراء الشرقية وبنفطها حاليا، قضية يمكن الدفاع عنها دوليا وعربيا؟

+ إن مثل هذا الإجراء يجب أن نتحدث عن نتائجه في إطار المحيط الدولي ولعبة المصالح التي صارت تخضع لها الهيئات الأممية، فالدفاع عن أي مطلب مرهون بمصالح القوى العظمى التي تتحكم في كل شيء ولا تقبل بما يناهض مطامعها والأمور عندها تخضع لمنطق الربح والخسارة، فقد حاربوا إيران بالأمس بواسطة صدام حسين، ثم حكموا الموالين لها على العراق ومكنوهم من عنق حليف الأمس... وموضوع الحدود التي خلفها الإستعمار الفرنسي ترتبط أساسا بمراجعة الذاكرة التاريخية لدى المجتمع الغربي عموما والفرنسي الرسمي بصفة أخص، هذه المراجعة يجب أن تفضي للتجريم والإدانة المطلقة له، ويكفي أن ما يتعلق بالحدود من وثائق ومستندات مازالت موجودة بالأرشيف الفرنسي، فترى هل من الممكن أن يفتح خزائنه وفيها ما يدين فرنسا ويوهنها؟
طبعا هذا لن يتحقق أبدا ونحن نعيش الذل والهوان، وإن تقدم المغرب رسميا فان الأمر سيراوح مكانه ويستنزف الطاقات والثروات، وستكون كل الأطراف محل إبتزاز، وسيشعل المنطقة المغاربية بالفتن والعداء، وسيدفعها أكثر من ذي قبل نحو التفتت لدويلات يسهل احتواؤها... أنا على يقين لو يتم تصعيد الصراع بين الجزائر والمغرب، نحو مؤشرات أخرى إلى جانب البوليساريو وتداعياتها كغلق الحدود البرية، سنستيقظ على قوات أممية كاليونيفيل التي تقض مضاجعنا، أو أفريكوم التي عجزوا عن تبرير تواجدها في الشمال الإفريقي بدعوى الإرهاب، ربما، حرب الأشقاء على الصحراء ونفطها أفضل سبب لهذا الغزو...


- ألا تعتبرون أن فرنسا أخطأت بتسليم أرض لغير أصحابها بعد خروجها من الجزائر؟ وبالتالي ألم يحن الوقت لمطالبة فرنسا بالاعتراف بهذا الخطأ التاريخي؟

+ فرنسا ارتكبت الخطأ الذي لا يغتفر لما قامت باحتلال الشعوب المغاربية، ولا تزال تخطئ في عدم الاعتراف بجرائمها، وكذلك في دعمها للأنظمة الشمولية بالمغرب العربي، التي تخدم بامتياز أجندتها وتحمي نفوذها في المنطقة، فقد ارتكبت فرنسا المذابح وقتلت الأبرياء وأبادت العزل، بل واصلت ذلك الجرم في الجزائر عن طريق دعمها المطلق للجنرالات المتخرجين من مدارسها الحربية، حيث تلقى هؤلاء صكا على بياض في انقلابهم على الشرعية والديمقراطية عام 1992، وتسبب ذلك الانقلاب المشؤوم في حرب أهلية أودت بحياة أكثر من 250 ألف قتيل وآلاف المفقودين والمعطوبين وملايير الدولارات من الخسائر... فرنسا التي أحجمت بتبجح وغطرسة عن الاعتذار ولو كان لفظيا عن مجازرها وجرائمها، هل من الممكن ان تعتذر عن حدود رسمتها أو خيرات نهبتها؟
فرنسا لن تعتذر في ظل الظرف الحالي والمعطيات الدولية الموجودة، بل ستترك الصراع يتأجج وبدعم من وراء الستار، لمخبريها أو جنودها الذين للأسف هم من بني جلدتنا، أقول إنها ستدعم هذا في الليل وتؤازر ذاك في القيلولة... سيبقى في نظري الإعتذار مؤجلا والمطلب قائما لكن وفق أولويات كبرى تبدأ بتنظيف البيت الداخلي، منها محاكمة ومحاسبة كل من أجرم في حق شعوبنا...
بالنسبة لقضية الحدود فهي مسألة مبرمجة في أجندة فرنسا وستفجرها في وقتها، حينما يبدو لها بأن مصالحها مهددة فعليا، فإذا كانت مستهدفة مثلا من الطرف الجزائري فإنها ستنحاز للجانب المغربي، وإن هددت من طرف المغرب فإنها ستؤازر الأطروحات الجزائرية، وفي ظل ذلك سيظل الشعبان الجزائري والمغربي يعيشان في ظل صراعات تظهر في كل حول بثوب جديد ومعطيات متناقضة، وهو ما يهدد المستقبل بلا شك ويضعه على المحك، لذلك أقول بصراحة إن الاعتذار يرتبط بالتاريخ الاستعماري، وما رسم الحدود إلا عنوان في فهرس جرائم فرنسا في بلادنا...


- كانت فرنسا، قبل اضطرارها لمغادرة الجزائر بفعل كفاح الشعب الجزائري، قد اقترحت على الملك الراحل محمد الخامس التفاوض بخصوص الحدود الشرقية، لكن الملك رفض طعن الثورة الجزائرية من الخلف، وفضل حل إشكالية الحدود الجزائرية بعد الاستقلال، لو كان الملك وافق على التفاوض مع فرنسا، هل كان من الممكن استعادة الصحراء الشرقية؟

+ لكل زمن حساباته ومنطقه وتصوراته ومعاييره حتى وإن كان بقى ثابتا فهو يتجدد حسب تقلبات الحياة ومسلمات التطور البشري، واليوم يجب أن لا نستمر في الحديث عن الفرضيات التي لم ولن تفيدنا في شيء، والقول لو إن الملك الراحل محمد الخامس فعل كذا أو قرر كذا هو تطاول على معطيات مرحلتين مختلفتين في الزمان والواقع والكيفية، وهو من الأبواب التي يلج منها شيطان الفتنة، والاعتداء غير المبرر على التاريخ الناصع لمنطقتنا المغاربية، فرنسا لما طردت من الجزائر عسكريا بقيت سياسيا تتحكم في رقاب البلاد والعباد، بحيث كانت جريحة في روحها وكيانها والفضل كل الفضل يعود للأحرار من الفقراء والفلاحين والبسطاء، ولكن هؤلاء تم إقصاؤهم بسبب ضباط فرنسا الذين تسللوا للحكم بطريقة مشبوهة، وواصلوا رسالة الاحتلال حتى وصلت الجزائر إلى ما لا يحمد عقباه... أقول إن ما يحدث وما سوف يقع مستقبلا هو الخطر بعينه، والحل الآن سهل وفي متناول كل الأطراف المخلصة، ويبدأ بوضع حد لمهزلة البوليساريو وتمكين الشعوب المغاربية من وحدتها في إطار يخدم بجدية مصالحها وليس مصالح ما وراء البحار... وأغتنم الفرصة لأبوح لك بسر نقله لي احد أعوان الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث أكد لي أنه سمع الرئيس يتحدث عن أن الخطر الكبير يكمن في الصحراء الشرقية التي لا تملك الجزائر ما تحاجج به المغرب حولها لو وصل الأمر إلى الهيئات الأممية، أما الصحراء الغربية فأمرها هين وقد تم حله بمجرد اتصال هاتفي بينه وبين الملك الراحل الحسن الثاني، ليضيف صاحبي إن بومدين كان على يقين من أن ملف الصحراء الغربية سيعيش قرونا وليس سنوات، ولو حدث أن تحققت دولة البوليساريو والتي ستكون تحت الوصاية الجزائرية بطريقة غير مباشرة، سيسعى نظام بومدين إلى وحدة تتمثل في إعلان البوليساريو انضمامها للجزائر وفق استفتاء شعبي متفق مسبقا على نتائجه، حيث أكد لهم بومدين ساخرا أن الصحراء وقبائلها تصلح للبدو الرحل ولا يمكن أن تتحقق فيها معطيات الدولة...
حقيقة أن ما يحدث اليوم هو الانتقام المتبادل الذي يتجلى في صورة الفعل ورد الفعل، فالجزائر تنتقم من المغرب على خلفية حرب الرمال والحدود بتدعيم البوليساريو سياسيا وماليا، حيث أدى نظام بومدين إلى طرد حوالي 50 ألف مغربي يقيمون بطريقة شرعية، بينهم الكثير من الجزائريين المتحدرة أصول أجدادهم من المغرب، والمغرب يرد على ذلك أيضا بطرقه المختلفة والخاصة، وقد استمر ذلك حتى وصل إلى تبادل التهم سواء كانت بدعم مما يسمى بالإرهاب أو القواعد الخلفية المفترضة، كذلك الأمر بالنسبة المخدرات والتهريب... الخ.
إن العداء القائم اليوم بين الأنظمة، هو الذي احرق الحرث والنسل، وللأسف فقد مَسَّ الكثيرين من أبناء الجيل الجديد الذين إنخدعوا بالشعارات وبالتاريخ المزيف للحقائق القائمة بين الشعبين، وصلت حد الإعتداء على الذاكرة التاريخية والنضال المشترك في محاربة ودحض المحتل الغاشم، وهو ما يبشر بالخراب حقيقة، وبما أني كنت ضابطا في المؤسسة العسكرية الجزائرية حدثت معنا أشياء تثير العجب، فقد كنا نتلقى التعليمات الفوقية من طرف جنرالات الجيش وبينها التي وقعها وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، وكانت تحض بإلحاح شديد على ضرورة زرع الحقد في الوسط العسكري وخاصة وسط الضباط ضد المملكة المغربية، بل ذهبت إلى حد التأكيد على تصويره كشيطان خطره على الجزائر يتجاوز بكثير خطر اسرائيل، وهو ما رفضته مرة لما تعلق الأمر بتشويه التاريخ وقد كلفني الثمن غاليا، فهل في ظل وضع متأزم يورث بطرق مشبوهة يمكن بناء إتحاد مغاربي كما يزعمون؟ أعتقد أن صب البنزين على النار بالطرق التي اشرنا إليها سيدمر منطقة المغرب العربي بلا أدنى شك أو تردد...


- ألم يسبق لسكان مناطق الصحراء الشرقية (كتوات والقنادسة..) أن طالبوا بالرجوع إلى المغرب؟

+ نعم لقد حدث ما أشرتم إليه ولا يزال هذا الأمر موجودا في كثير من الأعراش التي تتوزع المنطقة المعنية، والكل يذكر ما حدث عام 1957 لما استقبل الملك محمد الخامس وفدا يمثل سكان الصحراء الشرقية، حيث ترأسه شيخ الزاوية القندوسية الشيخ محمد الطاهر رفقة علال الفاسي وقد طالبوا بضرورة تحرير الصحراء الشرقية من الاستعمار كباقي التراب المغربي... هنا يجب أن نقر بشيء مهم وهو أن مشكلة الحدود قائمة وهي بمثابة أمر واقع لا يختلف فيه اثنان، خاصة أنه لا يوجد أي إتفاق موقع ومعترف به ومصادق عليه لحل هذا الإشكال بصفة نهائية، وإن كان هناك اتفاق 15 يونيو 1972 لكنه لم يكن في المستوى المطلوب لأنه مرتبط أساسا بظروف كانت قائمة، وعملية الهروب إلى الأمام التي تجري اليوم لا تزيد الوضع إلا تأزما، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد: ماهي مترتبات موضوع الصحراء الشرقية على الوضع المغاربي؟ لو طرح هذا السؤال أيضا حول قضية الصحراء الغربية ومن طرف نظام بومدين الذي له الدور البارز في خلق جبهة البوليساريو، ما وصل الحال بنا إلى هذا الوضع المتعفن مغاربيا... أمر آخر يجب أن نتحدث عنه ويتعلق بالنزعات الانفصالية الموجودة الآن في المغرب العربي، وهذه النزعات من بينها ما جاءت بطرق مشبوهة، وأخرى بسبب الوضع الاجتماعي المتردي والتوزيع غير العادل للثروة، ولكل حركة طبعا مبرراتها ووسائلها وشعاراتها التي تتخذ غالبا من الهوية مرجعا وتقفز متغاضية عن الدوافع الحقيقية لتكوينها وحركيتها... وأكثر من ذلك لو فتح الباب لأغلبية الشباب الجزائري - مثلا - للتنازل عن الجنسية الجزائرية مقابل جنسية أخرى ولو كانت مرتبطة بمستعمر الأمس، ما ترددوا لحظة في الموافقة عليها دونما شروط مسبقة، والسبب وراء تدهور الوطنية والقيم ليست العمالة أو الخيانة كما يزعمون بل انتقاما من وضعهم البائس، فالشاب الذي يغامر في أعماق البحر بحياته، أو يبدل دينه بالتنصير، لن يتأخر أبدا في التنازل عن وطنه مقابل خبز صغاره... أقولها بصراحة وأدعو كل الأطراف إلى تدارك الأمر، إن المنطقة المغاربية مقبلة على هزات خطيرة للغاية ستدمر ميراث الشهداء والأحرار، وأحمل هنا المسؤولية كاملة للبوليساريو والعسكر الذين يقفون وراءهم وحتى المخزن الذي لم يكن في مستوى الحفاظ على مكتسبات التاريخ.


- أنتم كمهتم بقضايا دول المغرب العربي عن قرب ومنذ سنوات، هل من المشروع المطالبة بالصحراء الشرقية؟

+ يحق لكل شعب أن يطالب بما يراه حقه المشروع، ومن حق المغرب أن يفعل ذلك، وليس من صلاحيتي أن احجر على هذا أو ذاك، وفي اعتقادي أن قضية الحدود ستظل عالقة، والجزائر تملك من القوة المادية والفضل للنفط طبعا مما يجعلها في وضع أفضل من الجار الشقيق المغرب، هذا الأخير الذي يعيش بين مطرقة احتلال الإسبان لسبتة ومليلية، وبين سندان جبهة البوليساريو التي تنزفه سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا وعسكريا ، والفضل بلا شك يعود لوقوف الجزائر وراء الستار... وإن كانت الجزائر بدورها تعاني من مشاكل داخلية عميقة قد تصل بها إلى التفتت وتفاقم النزاعات الانفصالية في مختلف ربوعها، لكنها كما قلنا تتوفر على مستوى مادي يحفظ لها ماء الوجه... وبهذه المناسبة أدعو الجزائر الرسمية وليست الشعبية إلى مراجعة موقفها الجامد والمتحجر والمهدد لوحدة شعوبنا المغاربية تجاه قضية الصحراء الغربية وتواجد البوليساريو كمنظمة مسلحة على ترابها، ولا داعي للتغني والتبجح بالشرعية الدولية، التي ليست موجودة إلا في الخيال، وتكفي حاليا الغطرسة الأمريكية في بلادنا العربية، هذه الشرعية ستنقلب بلا شك يوما على الجزائر وتدعم الحركات الانفصالية وتفرض مراجعة الحدود، وفي أقل تقدير قد تقاسم ثروة النفط مع المغرب، حينها ماذا سيكون موقف الجنرالات من هذه الشرعية المتبجح بها؟
ليس من المصلحة إطلاقا استمرار الحرب بين المغرب والجزائر، والتي لن تتوقف عند موضوع الصحراء، بل ستصل إلى دعم متبادل للانفصاليين ودعواتهم الشاذة، وهذا ما يجر علينا الوبال، إذ أرى من الضروري طرح هذه الأسئلة وترك الإجابة عليها في عنق الجميع: ماذا لو ساند المغرب دعوة حركة فرحات مهني الانفصالية التي تطالب بما يسمى الحكم الذاتي في بلاد القبائل؟
ماذا أيضا لو ساند المغرب من قبل التنظيمات المسلحة الجزائرية خلال الحرب الأهلية؟ وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة سعي أطراف، وبإيعاز ما نحو تأكيد الدور المغربي في دعم الجماعات المسلحة، وجاء ذلك على لسان أحد أمرائها، وهو زعم باطل يراد منه تَعَفُّن الوضع وأيضا تبييض التاريخ الدموي لأطراف النزاع في الجزائر... أؤكد أنه لو فعل المغرب ذلك لسقط النظام في رمش العين، أقول ذلك وقد عايشت الحرب الأهلية من داخل المؤسسة العسكرية...
إن الإقبال على أي فعل يلزمه دراسة معمقة بخصوص تداعياته وعواقبه، فلو طالب المغرب بالصحراء الشرقية، فترى ماذا سيترتب عن هذا السعي مغاربيا؟


- هل يقبل سكان المنطقة ذلك بلا أدنى تردد أو ضغوطات عليا؟

+ وإذا قبل السكان، هل سيرضخ النظام الجزائري المسيطر على كل شيء في البلاد لمثل هذه الأطروحات، هو الذي يرى المغرب بعين العدو الذي لا خير يرجى منه؟
أكيد أن التداعيات خطيرة للغاية وتهدد المنطقة برمتها، لأنها قد تصل بها إلى حروب رمال أخرى، لكن هذه المرة سيكون الثمن من الدم والألم... الحل حاليا بيد الأنظمة الحاكمة، ويجب أن تتفق في ما بينها كما اتفقت بصورة مثيرة وقياسية على ما يسمى بالحرب على الإرهاب، ويوجد إرهاب آخر يهددنا أكثر من تنظيم القاعدة ومن حالفه، هؤلاء الذين يخدمون بإمتياز الأجندة الأمريكية في المناطق الغنية بالنفط... سؤال آخر كيف سيكون الرد الغربي على هذه المطالب ومؤسساته وشركاته البترولية تمرح في الصحراء؟
إن النظام الجزائري قد حاول بطريقة غبية إبعاد قضية الصحراء الشرقية أو الحدود من حلبة الصراع عن طريق إختراع وخلق البوليساريو وتفجير المنطقة المغاربية ، ولكن التداعيات لا تقف عند هذا الحل الظالم والترقيعي الذي عفن الأمور أكثر، وكان يمكن تداركها عن طريق إتفاق تاريخي بين الطرفين وترسيم الحدود بصفة نهائية، أقول هذا وأنا على يقين أنه لا حل إلا في وحدة مغاربية شاملة، ترمى بكل الخلافات الإقليمية إلى الزبالة، غير أن الحال فرض استجلاء بعض الحلول وفق منطق الأمر الواقع الذي به نحاول رد الخطر الداهم ليس إلا...
وأغتنم هذه الفرصة الطيبة لأدعو المجتمع المدني الجزائري إلى التحرك من أجل فتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر، وهو ما يخدم مصلحة الشعبين وليس كما يروج النظام، المعروف بالبهتان والكذب والزور عبر تاريخه الطويل، فالعالم يتجه نحو عصرنة التكتلات والوحدة التي هي منطق القوة والوجود، لكن الشعوب العربية تتجه نحو التفتت والإنقسام والسبب مؤامرات من الخارج ينفذها حكامنا

الشرطة في خدمة المواطنين بالمغرب 2



الشرطة في خدمة المواطنين بالمغرب





حوار مع ندية ياسين نجلة المرشد العام لجماعة العدل والإحسان




2007 / 1 / 13

إننا ندعو إلى بناء صرح على أسس جديدة تماما لا إلى ترميم أطلال مقنّعة


ندية ياسين، ناشطة سياسية، متعلمة ولبقة الحديث. هي من الوجوه البارزة لجماعة العدل والإحسان، الأكثر قدرة على تفسير أطروحات الجماعة بلغة العصر وبوضوح وشفافية النهج الأنكلوساكسوني، كلمات قليلة، لكن دقيقة من أجل طرح القضايا الكبرى جدا، يبدو أنها تعتمد خطة "الكلمات التي تفجر الدماغ وتصيب المقصد بدقة".
إنها ظلت واضحة ومباشرة في تصريحاتها سواء بالداخل أو الخارج. وتعتبر أن جماعة العدل والإحسان "العدو الداخلي للمخزن"، وبهذا المنظور يتعامل معها حسب الظروف وميزان القوى المتقلب، فالجماعة تعتبر ممنوعة أو مرخصة حسب الحالات والمحطات.
تنتمي ندية ياسين للجيل الثاني من أبناء جماعة العدل والإحسان، تلقت تعليما غربيا لكن تكوينها لم يؤثر على عقيدتها وقوة إيمانها وقناعاتها الراسخة، إنها تستشهد بالآيات القرآنية وفي نفس الوقت، وربما في نفس الحملة تستشهد كذلك بأقوال علماء ومفكرين غربيين غير مسلمين. تفتح معها أسبوعية "المشعل" حوارا بدون قيود
لطرح جملة من القضايا والإشكاليات


- شنت وتشن السلطات المغربية حملة على جماعة العدل والإحسان، فما هي تأثيرات هذه الحملة على تنظيم الجماعة؟

+ بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسوله الكريم.
هناك قاعدة سياسية عامة تجعل القمع في صالح المجني عليه دائما. لكن النظام المغربي المتردي المنحل، المتفكك، لا يتقن معرفة هذه القواعد، كما أنه لا يستفيد من دروس التاريخ سواء منها القديمة أو الحديثة، الخاصة أو العامة. هذه القاعدة تكون أقوى و أدق إن تعلق الأمر بجماعة متصلة بجذور الشعب العريقة وهويته الدفينة، و لا تدعو إلا إلى كل خير وصواب. الخير كل الخير أن تحرر الرقاب من وطأة الجهل بالله و الجهل بما كرمنا الله به من حقوق عامة و خاصة. وأكبر ظلم وقع على الأمة بعد انقطاعها عن معاني الآخرة، هو استعبادها من طرف حكامها باسم القرآن و الدين، و نحن نريد أن نحرر الإرادات والهمم بقراءة صائبة متحررة من تأويلات سياسية انتهازية، تخدم فقط مصالح نخب توالت عبر التاريخ على سفك الدماء وسرقة الثروات. قضيتنا إذن قضية مصيرية لن يقضي عليها أي تعسف وأي اضطهاد. كفاية..!


- ما هو موقع سفريات قياديي الجماعة إلى الخارج في إطار إستراتيجية جماعتكم؟


+ إن السؤال الذي يجب طرحه هو: "ما السر في الاهتمام المفاجئ بسفريات قياديي الجماعة؟"، إذ لم تذكر هذه السفريات إلا بعد الترويج الكاذب الذي صاحب سفري إلى الولايات المتحدة، حيث قيل إنني ذهبت لطرح فكرة الجمهورية، بينما الأمر لم يكن كذلك أبدا. لقد ألقيت خطابي هناك في إطار جامعة مستقلة تماما عن السياسة الرسمية الأمريكية، وهمي مثل هم قياديي جماعة العدل والإحسان، هو التواصل المستمر مع جميع من يرغب في تفصيل فكر عميق، يحتاج إلى توضيح وتبسيط. إن إيماننا عميق بعالمية دعوة ترتكز على مبدأين مؤسسين للإسلام : مبدأ العدل ومبدأ الإحسان؛ فالعدل يقتضي رؤية سياسية واضحة، والإحسان يقتضي تربية مستمرة وتأطيرا لمن ينتمي إلى مدرستنا. هذا هو سر سفريات قياديي العدل والإحسان، فالانفتاح على الآخر قد يؤدي إلى أوضاع عالمية تجنح إلى السلم والسلام والحوار عوض العنف والاستبداد والإرهاب.


- تتهمكم بعض الأوساط بأنكم تتقربون أكثر من الغرب، هل هو خيار أم تكتيك سياسي؟

+ نحن لا نتقرب لا إلى الغرب ولا إلى الشرق، بل نخاطب الإنسان كيفما كانت هويته. أما عملنا السياسي فهو وطني صرف، اخترنا فيه الشفافية المطلقة والتنظيم الجمعوي القانوني الذي لا يقبل أي تمويل خارجي. فعن أي تقرب تتكلم هذه "الأوساط" وعن أي أوساط نتكلم؟ أتلك "الأوساط"
التي لم يعد لها وسيلة إلا أن تقذفنا بأشنع الجرائم المعنوية والربط بيننا وبين أوساط هي أقرب إليها منا، ألا وهي أوساط المخدرات، الحسية منها والمعنوية. القذف سلاح الضعيف والقافلة تمر وتترك "لأوساط" في مائهم العكر وأكاذيبهم التي لم تعد تقنع الشعب الذي أفاق، نرجو الله أن يتم عليه نعمة اليقظة.


- تعتبر جماعة العدل والإحسان أمريكا شيطانا، فكيف ترونها الآن؟

+ ليست لدينا رؤية ثنائية للعالم بل نرى أن هناك أقدارا وأن من الجهاد دفع قدر بقدر. فأمريكا هي التي تروج إلى نظرة عدوانية تبسيطية للغاية وتصنف العالم إلى شياطين وملائكة، فشيطان كله من انتقد حماقة سياسة "بوش"، وملك من فتح له الأحضان وآبار النفط. إننا مع الحكمة وقول الكلمة التي لا تخشى إلا الله، ولا تحمل أي عدوان مجاني متهور. كلمتنا متصلة بالحق سبحانه وتعالى ولا نغير الكلمة والموقف حسب الرياح الوضعية، فالظلم ظلم والعدل عدل وعلى أمريكا أن تفهم أن هناك قوانين تاريخية لن تتجاوزها كما تفعل الآن دون أن تؤدي ثمنها عاجلا أم آجلا. إن كنت تقصد مرة أخرى زياراتي للجامعات الأمريكية، فانتقاد السياسة الحمقاء لدولة ما، لا يعني معاداة شعبها والحقد على المجتمع المدني لتلك الدولة. نحن نؤمن أن الحوار مع الشعوب قد يؤدي إلى مستقبل أقل قتامة من المنتظر.


- تتهمون من طرف الخصوم والسلطة بمزايدتكم بعدم قبول الدخول في اللعبة تحت ذريعة البقاء في المعارضة لكسب تعاطف أوسع فئات الشعب، ما رأيك في هذا؟
+ لقد ألفنا أقفاص الاتهام جماعة وأفرادا، ولن تزحزحنا الاتهامات عن رأينا في نظام لا يمكن أن ننخرط فيه أبدا، لعدم توفره على أدنى مصداقية ولا على أية ضمانة لتغيير سلوكه الأطوقراطي الفاسد النخبوي المتردي. إننا ندعو إلى بناء صرح على أسس جديدة تماما لا إلى ترميم أطلال مقنعة.

- يرتكز خطكم التنظيمي على تربية الناشئة، فهل يدخل هذا الاهتمام في إطار إستراتيجية فرض مفهومكم للدولة و السلطة من الأسفل؟

+ إننا فعلا جماعة تتوب إلى الله، وتريد أن تحيي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي ردمت تحت أنقاض حكم قضى على الأفراد وعلى الشعوب. إن التربية هي وحدها الكفيلة بإعادة الفرد إلى معنى العدل والإحسان، حيث لم تقم دولة المدينة من أجل الحكم ولكنها أقيمت من أجل صيانة الفرد من الاستبداد والانحرافات الناتجين عن الجهل والجهالة. الحكم أداة مهمة فعالة، إن كانت همم الأفراد مستعدة ومعدة لتغيير يولد إرادة الارتقاء البشري عند الفرد ويضمن الكرامة والعدالة للمجتمع. امتلاك حكم يُفرض على أفراد لا همة لهم لا يؤدي إلا إلى الطريق المسدود .


- أضحى من الواضح أن جماعة العدل و الإحسان تولي أهمية خاصة للعمل الاجتماعي ، هل تألقها في هذا المجال أقلق السلطات، بمعنى آخر ، هل تفوقت على الدولة في تدبير الشأن الاجتماعي؟

+ إن نظرنا إلى الأمر من جهة الإمكانيات فيبدو سخيفا أن يقلق نشاط اجتماعي تطوعي، عماده الوقت والنفس والجهد ، دولة بكل إمكانياتها وأجهزتها.
أما إن نظرنا إليه من جهة فلسفة المخزن ومبادئه، فطبيعي أن تزعج فعالية حضورنا الاجتماعي نظاما سمته الاستبداد والاحتكار، خاصة إذا كان يختزل كل سياسته التنموية في مجال الترقيع الاجتماعي وحملات التضامن عوض بناء اقتصاد قوي ومنافس.


- أصبحت قاعدة الجماعة تضم أكثر من مليوني عضو أو منخرط، ألا يشكل هذا المد السبب الرئيسي لمضايقة جماعة العدل و الإحسان؟

+ من أين لك بهذه الأرقام ؟ على كل حال، الحق والقوة لا توزن بالكم بل بالكيف. ألم يكن إبراهيم عليه السلام يساوي أمة ؟ إن الكم لا يفزع الدولة كما يفزعها الكيف، فما بالك إن اجتمعا والتقيا مع إرادة شعبية تتوق للخلاص من نظام مصاص للدماء؟


- أصبحت أمريكا تدفع في اتجاه دعم بعض الحركات الإسلامية كوسيلة للضغط على الأنظمة العربية و الإسلامية، هل يمكن اعتبار جماعة العدل والإحسان ورقة تستعملها أمريكا لبلوغ هذا الهدف؟

+ أظن أن أمريكا لا تتردد في استعمال أية ورقة تضمن لها حظا أدنى من مصالحها. غير أن "الأوساط " التي تروج مثل هذه الفكرة لا تعلم أننا آخر ورقة قد تختارها أمريكا لإرساء شرقها الأوسط الكبير. ولكن مادامت واقعية واحتياط أمريكا مبنيين على دراسات وتوقعات ممنهجة، فلا يمكنها إلا أن تعتبرنا عنصرا سياسيا مؤثرا لا يمكن تجاوزه في حساباتها الامبريالية. هذا إن دل على شيء، فإنه يدل على شعبيتنا المحققة لا على قصة غرام ما بيننا وبين بوش وأمريكاه.

- بعض الجهات تنتظر نهاية 2006 لتأكيد مدى صدق تحقيق الرؤيا، علما أن عدداً من تصريحات مسؤولي الجماعة أكدوا أن المقصود لم يكن هو المروج له، ما هو تعليقك؟

+ الرؤيا جزء من النبوة التي نريد أن نعيد الارتباط بروحها، وإن كانت صالحة فهي رسالة من الغيب كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالآذان مثلا جاء أمره عبر رؤيا صحابي جليل. ما تريده جماعة العدل والإحسان بالاهتمام بالرؤيا، هو رفع الحصار على مفهوم الغيب الذي أصبحت الأمة تستحيي من ذكره تحت وطأة المادية المطلقة المهيمنة عليها في إطار نحلة الغالب. إننا نقبل بشارات ربنا ونصدع بها ولا نرتكز أبدا عليها حتى نقوم بفعل أو نحجم عنه. بدأ مسارنا منذ سنين عديدة وسيستمر، وما للرؤيا فيه إلا دور الخيط الرابط بيننا وبين عالم لا نلمسه الآن ولكننا نؤمن به. وإننا نعجب من تعجب مسلمين من مكانة الرؤيا في دينهم. أما النخبة التي لا تستطيع أن ترى العالم إلا بأعين أسيادها أفلا تعلم أن كواليس الغرب تعج بالإطلاع إلى عالم الغيب من نوافذ الشعوذة والتبصر، وأن الكثير من السياسيين والمفكرين يعيشون ازدواجية مرضية بإنكارهم الرسمي لهذا العالم والاعتماد عليه في الخفاء. نحن لا نعيش هذه الازدواجية ولكننا نعتمد على الله لا على الرؤيا، وإن كنا نؤمن بأنها حاملة لتنبؤات وبشارات قد تكون كما هي وقد تؤول، وهذا لا يغير من عزيمتنا وانجماعنا على الله شيئا. شعارنا اللهم قد بلغنا.


- معروف عن ندية ياسين تصريحاتها الجريئة بخصوص جملة من القضايا الشائكة و الحساسة، فهل فعلا هي تصريحات نابعة من قناعات أم مجرد ردود فعل تصريحات فرضتها الظرفية؟

+ لقد ألصقت دائما بالمرأة نعوت بأنها متقلبة الأطوار ومزاجية السلوك والاختيارات، أو بلفظ يحبه الوهابيون" ناقصة عقل ودين". نحن في جماعة العدل والإحسان نريد أن نرفع هذا الظلم الواقع على المرأة من خلال هذه النعوت التنقيصية بقراءة شمولية لتعاليم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وبفهم يتفادى الزنازين الإيديولوجية التي وضعتنا فيها القراءات السطحية أو النفعية المكرسة لتنقيص كل مستضعف وخاصة المرأة. هذا يدرك أيضا بالثبات على الموقف نساء ورجالا، وما أنا إلا نتيجة عمل تربوي متعدد الأبعاد، يجعل من المرأة عنصرا مشاركا وبعيدا تماما عن نموذج المرأة المتقلبة الأطوار، المنسحبة المنهزمة المسلوبة الإرادة. ومن جهة أخرى فإن انتماءنا لجماعة العدل والإحسان مرادف لاعتناق سلوك، بعيد تمام البعد عن ردود الفعل والغثائية الفكرية. إنني آسفة إن كان البعض يحبذ أن يضع بعض المواقف الجريئة على حساب نقص في العقل أو في الدين كي يطمئن ويغط في نوم مريح للضمير.


- ما هي السيناريوهات المحتملة لمآل محاكمتك؟

+ أظن أن النعوت المذكورة في السؤال السابق تلائم الدولة المغربية تماما ، حيث أنها متقلبة الأطوار ولا يعلم مسار اختياراتها السياسوية إلا علام الغيوب. وقد يستعملون ورقة محاكمتي غدا كما أنهم قد يقبرونها إلى الأبد.


- بادر الملك محمد السادس إلى فتح جملة من الأوراش استحسنها وثمنها الكثير من المتتبعين للشأن المغربي، فهل من شأن هذه المبادرات الملكية إخراج البلاد من عنق الزجاجة؟


+ لا يحتاج المغرب إلى ورشات هي أقرب إلى العمل الاجتماعي و الصدقة منها إلى سياسات تنموية حقيقية. هذه المبادرات لا تتناسب مع احتياجات البلاد الضخمة المعقدة، خاصة و أنها تتخذ في مناخ سياسي يتصف بالرشوة و نهب الأموال المخصصة لتلك الورشات كما تقول.


- بعد 7 سنوات من حكم الملك محمد السادس ازدادت المشاكل و المعضلات الاجتماعية استفحالا، فهل السياسة المعتمدة فشلت أم هناك أولويات أخرى جعلت الاهتمام بهذه القضايا في المصاف الثاني؟

+ إن السؤال الذي يجب طرحه هو: هل هناك أصلا سياسة معتمدة كما تقول ؟ وأية أولوية تغفر للمغرب ما آل إليه من انحطاط اقتصادي ويأس لدى شبابه المتعلق مبدئيا بالمستقبل، إذ لا يحلم إلا بالفرار من واقعه المتدهور بشهادة الجميع. لقد كان من تخصص الملك الراحل رحمه الله أن يبتدع الأولويات و القضايا التي تعطي أملا على المدى البعيد و تشغل الاهتمام لمدة طويلة، والكل يعلم الآن ما آلت إليه القضية التي استنزفت كل طاقة المغرب و جهده باسم الأولويات.


- هل صحيح أن حزب العدالة والتنمية سيكتسح الاستحقاقات القادمة بمباركة من الدولة؟
+ أظن أن كل المؤشرات تقول ذلك و أن من طبع النظام أن يبحث عن دماء جديدة تمنحه نفسا إلى أجل مسمى.


- لو طلب من الجماعة المساهمة في صياغة مشروع الدستور ما هي أهم التعديلات التي ترينها ضرورية؟

+ لن تساهم الجماعة في أي مشروع من هذا النوع إن لم تكن لديها ضمانات كافية لإرادة تغيير حقيقي، وليس فقط وضع مساحيق تستر بشاعة احتكار السلطة. لقد سبق و أن تم تعديل الدستور لأسباب كانت دائما في صالح الحاكم، و من المفيد أن نذكر أن الدستور منح في ظرف سياسي حتم على النظام منحه. هو إن شئت تكتيكا للبقاء و ليس تجليا لإيمان بمبدأ . فهو سياج إضافي، وليس فضاءا للحرية.


- كيف تقيم جماعة العدل والإحسان تدبير النظام لملف الصحراء، لاسيما فيما يرتبط بالحكم الذاتي؟

+ إنه ملف شائك للغاية، وقد أدلى والدي برأيه في الموضوع في "مذكرة إلى من يهمه الأمر"، وأقل ما يمكن أن يقال إنه ملف أبدى فيه المخزن سوء تدبير منقطع النظير. أما الجماعة فليست في موقع يسمح لها بإبداء أي رأي في أمر يهم الشعب الصحراوي بداية.


- أضحى من المعروف أنه كلما تسربت أخبار عن الوضعية الصحية للشيخ عبد السلام ياسين، تتناسل أسئلة وادعاءات بخصوص خلفه، واستمرارية الجماعة على نفس النهج الذي خطه لها مؤسسها، فهل فعلا كلما أصيب الشيخ المرشد بوعكة صحية يظهر ارتباك في صفوف الجماعة؟ علما أن كل قياديي الجماعة أجمعوا على الإقرار بأن قضية الخلافة حسمت الآن؟

+ بخصوص صحة المرشد، أعجب من المستوى المتدني الذي وصلت إليه صحافة من نوع معين في فضائنا الإعلامي، صحافة على صورة المستوى الحضيضي الذي بلغه هذا البلد،
إذ بلغ بها احتقار قرائها إلى درجة عدم احترام عقولهم وترويج أكاذيب تناقض كل ما يعرفه الجميع عن نشاط وحيوية المرشد وتماسك صف الجماعة. محسوبون على هذه المهنة الشريفة، يتمنون (أو يراد لهم أن يتمنوا أمورا فيخيل لهم أنها حقيقة. لقد أضحى الأمر هستيريا مرضية عند البعض.
صحة المرشد بخير والحمد لله، ومشكل الخلافة غير مطروح عندنا ولا يشكل لنا أي مشكل،
لأننا ببساطة جماعة تشتغل بمؤسسات في إطار ديمقراطية حقة، ولا نطمح لإعادة إنتاج نموذج ظللنا ننتقده بشدة منذ 3 عقود.


- ما هو تعليقك بخصوص:

- مدونة الأسرة : تغيير يدل على أن المشكلة كانت
مشكلة خيار سياسي لا مشكلة مرجعية دينية.
- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : فكرة محمد يونس الذي اقترح حلا ترقيعيا لما أفسدته
السياسات الرسمية الفاشلة.
- هيئة الإنصاف و المصالحة : قرص أسبيرين سرعان ما ينجلي مفعوله و نعود إلى
آلم الداء المزمن
- الاستحقاقات المقبلة : فصل جديد من مسرحية قديمة
- حقوق الإنسان : بدون تعليق
- الميثاق الأخلاقي لفدرالية الناشرين : بدون تعليق
- القانون الجديد للصحافة : بدون تعليق

حوار مع عبد الرحيم مهتاد/ لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين



حوار مع عبد الرحيم مهتاد/ لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين


2008 / 7 / 12

ما لعنيكري ورجاله إلا "العبد المأمور"



كل فضائح التعذيب الكبرى في عهد محمد السادس ارتبطت باسم الجنرال حميدو لعنيكري الذي بدأت سيرورة الاندحار عندما لم يعد يتحكم في المعلومة الأمنية منذ أن سُحِبَ بساط مديرية الحفاظ على التراب الوطني من تحت قدميه وتعيين ياسين المنصوري على رأس مديرية الوثائق والمستندات بعد عزل عدد من رجال الجنرال المقربين.
في هذا الاطار دردشنا مع عبد الرحيم مهتاد حول إشكالية : هل حان الوقت لمحاكمة حميدو لعنيكري؟


- ما رأيكم في قدوم أكثر من جمعية على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة وربما العقاب؟

+ في الحقيقة هناك عدة اعتبارات وحسابات منها ما هو قديم ويرجع إلى تولي هذا المسؤول عدة مسؤوليات وفي أوقات حرجة من تاريخ المغرب، ومنها ما هو حاضر وهو إشرافه على القوات المساعدة التي غالبا ما تكون وراء جميع عمليات التدخل من أجل تفريق التظاهرات السلمية والتي تكتسي طابعا من العنف والضرب بشكل عشوائي في مجملها، وإذا كان القانون المغربي يحمي كل رجل سلطة ترتب عند تدخله للقيام بمهامه أي ضرر للمواطنين (وخصوصا حين تفريق التظاهرات) ويقيه من كل متابعة قضائية، فإن هذا لا يخول له استغلال هذه الحماية ليقوم بإلحاق الأضرار والمصائب بسلامة المواطنين وممتلكاتهم، وبما أن القانون يحمي هؤلاء فإنه من الصعب جدا تحديد المسؤوليات أو تحقيق متابعة أو حتى مساءلة كيفما كان نوعها وطبيعتها، وما خلصت إليه هيأة الإنصاف والمصالحة من تخريجة في هذا الموضوع وهي تعمل على طي صفحة الماضي يطرح أكثر من تساؤل .


- اعتبارا لما اقترفه رجال القوات المساعدة من تجاوزات، هل أضحت مساءلة ومحاكمة القائمين عليهم ضرورة ملحة لتجنب ما لا يحمد عقباه؟


+ من الصعب القول بهذا، لأن المسؤولية الجنائية فردية، وكيف يمكن محاكمة المتورطين أو مساءلتهم ولا يمكن تحديدهم كأشخاص بأعينهم، وإلا سنكون أمام محاكمة أجهزة الدولة أو تحميل المسؤولية لمن أعطى الأوامر بالتدخل، ويبدو أن هناك مشكلة كبيرة سوف تجعل من القضاء عاجزا عن قول كلمته في الموضوع.


- هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي مازال لا يسعفه على ذلك؟

+ فقبل أن نتحدث عن استعداد القضاء المغربي من عدم استعداده لقبول مثل هذه الدعاوى والبت فيها، أذكر مرة أخرى أن فصولا من القانون المعتمدة من طرف القضاء تمتع هاته القوات بعدم المتابعة، وكيف يرجى من القضاء قول كلمته في موضوع محسوم سلفا، ورفض دعوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي رفعتها ضد لعنيكري خير شاهد.


- كيف تقرؤون تصاعد تجاوزات رجال لعنيكري كلما تعلق الأمر باحتجاجات ووقفات تحرج النظام والحكومة؟

+ اعتقد أن هناك عددا من القوات الأخرى تشارك في فض التظاهرات وجميع أشكال الاحتجاج الأخرى، وإن كانت عناصر القوات المساعدة معروفون بشدتهم وبطشهم ( وهذا راجع إلى طبيعة هاته القوات ومستويات أفرادها الثقافية وطبيعة تكونيهم) وتدخلاتهم في عدد من الأحداث السابقة (20 يونيو بالبيضاء سنة 1980 وأحداث 1984 بالشمال....)، وقبل ذلك جعلت المواطن المغربي ينعتهم بأسماء خاصة ويجعل من واقعهم وهندامهم نكتا سارت بدربها الركبان، وبروزهم في الفترة الأخيرة راجع إلى كون المفتش العام لهذه القوات قد ورد اسمه أكثر من مرة بخصوص مسؤوليته في عدد من الأحداث حتى أوردته بعض الجمعيات ضمن الأربعين شخصية حكومية مغربية التي تجب مساءلتها.


- ما هي دوافع تجاوزت رجال لعنيكري؟

+ لا أفهم كيف يتم اختزال الأمر في القوات المساعدة وحميدو لعنيكري، فنحن في جمعية النصير وخلال عدد من الوقفات التي تم منعها وتفريقها، كنا نرى أجهزة أخرى إلى جانب القوات المساعدة وكل واحد منهم يقول (ما أنا إلا عبد المأمور)، وعليه، فإنني أعتقد أنه لو جيء بأي موظف دولة وأعطي الأوامر من أجل إخلاء المكان وتفريق المتظاهرين أو المحتجين، لكانت النتيجة واحدة، فالأمر أننا أمام أناس تم اختيارهم بعناية ودقة، ودربوا على استعمال السلاح، واعدوا للقيام بهذه الأعمال، ويبقى السؤال، هل هؤلاء الناس متشبعون بثقافة حقوق الإنسان، أم أنهم جردوا من كل حس إنساني وتحولوا إلى أدوات تنفيذية مجردة لا تستجيب إلا لأوامر رؤسائها؟ وهذا ما نلحظه من خلال تدخلاتهم الميدانية، فما تتناقله عدسات المصورين وكاميراتهم غني عن كل تعليق.


- هل يمكن اعتبار ما اقترفه رجال القوات المساعدة تحت إمرة حميدو لعنيكري بمثابة انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في العهد الجديد؟

+ لا أعتقد أن الأمر كذلك، فما تقوم به هذه القوات سواء بقيت تحت إمرة حميدو لعنيكري أو تحت إمرة أي كان، لا يخرج عن إطار المهام، فكثيرا ما تشمل تدخلاتهم العنيفة حتى المواطنين العاديين بمجرد الشبهة أنهم من المتظاهرين، ويبقى الأمل في أن تتغير العقلية في التعاطي مع مثل هذه التظاهرات والاحتجاجات السلمية.


- ألا تعتبرون استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟

+هنا وجب طرح السؤال التالي، كم من متضرر من تدخلات هذه القوات مقارنة مع ساكنة المغرب؟ فالذين يعرفون حقيقة هذا الأمر هم الذين اعتادوا على تنظيم الوقفات والاحتجاجات والمظاهرات السلمية وهم قلة، أما الأغلبية الساحقة فشعارهم في الحياة (المخزن ما كيلعابش والله يحفظنا منو)، ومنهم من لا يشارك حتى في تظاهرة سلمية من أجل قضية عادلة وطنية كانت أو قومية، سواء دعت إلى هذه التظاهرة بعض القوى الحية في البلاد أو كانت من تأطير ودعوة الدولة، أما أن تتخلى الدولة على من تراهم صالحين لها وأوفياء لسياساتها ومخلصين لها، فهذا من سابع المستحيلات، ومذكرة البحث الدولية التي أطلقها القاضي الفرنسي مؤخرا،لم تراوح باب مكتبه وقس على ذلك أمورا أخرى.

إدريس ولد القابلة
okdriss@gmail.com

حوار مع علي الم التامك


من غير المعقول ان يبقى الموقف من قضية الصحراء الغربية
هو القاعدة المحددة للعلاقات المغربية مع المحيط الدولي





كان من المنتظر أن تؤدي مشاركة المغربي في احتفالات ثورة الفاتح شتنبر ليبيا بوفد رفيع المستوى وبتجريدة عسكرية في الاستعراض إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية الليبية وعودة سفير "الجمهورية العظمة" إلى الرباط لاستئناف مهامه، إلا أن ما حدث بالمنصة الشرفية بالساحة الخضراء طرابلس، يوم الاستعراض العسكري، قلب الأمور رأسا على عقب بفعل التخطيط للحضور المبيت لقادة البوليساريو في هذا الاحتفال الرسمي خلافا لنا سبق أن تم الاتفاق عليه مبكرا.
وتزامن احتفال ليبيا الذكرى الأربعين لتربع العقيد معمر القذافي على "عرش الجماهيرية العظمى" مع احتضان طرابلس لقمة استثنائية للاتحاد الإفريقي.
وقد طرأ هذا الحادث في خضم تداعيات تصريح معمر القذافي بخصوص "استقلال دارفور"، والذي أثار موجة من التساؤلات حول تصرفات الرئيس الليبي ونهج تعامله مع القضايا الدولية والخارجية.
فهل المغرب، والحالة هاته، مطالب الآن بمراجعة سياسته الإفريقية بعد أن تأكد وجوده الفاعل والمؤثر بها، خصوصا وأن الخطوات المحققة في السنوات الأخيرة أبانت بوضوح أن مبادرة الحكم الذاتي أخذت تلح على ضرورة اعتماد التموقع الهجومي ديبلوماسيا على الصعيد الإقليمي والقاري؟

سؤال/ كيف تقرأوون موقف ليبيا المزدوج بدعم البوليساريو دون التفريط في العلاقات المغربية ؟

إذا أردنا أن نلامس الموقف الليبي ومدى انسجامه، فيفترض بنا أن نستحضر الموقف التاريخي من قضية الصحراء الغربية, فهو موقف ظل يتقاطع جوهريا مع توجه الأمم المتحدة و الإتحاد الإفريقي الداعي إلى تمتيع الشعب الصحراوي بحقه قي تقرير المصير.والجديد حاليا ان ليبيا ترأس الإتحاد الإفريقي الذي يضم الدولة الصحراوية باعتبارها عضوا فيه ومن بين الدول المؤسسة له, إذ تتم دعوتها لحضور جميع لقاءات و قمم الإتحاد إسوة بباقي أعضائه, وهذا ما حدث مؤخرا في الاجتماع الاستثنائي للمنظمة الإفريقية في ليبيا والمتزامن مع حدث الاحتفالات بالذكرى الأربعين للفاتح من سبتمبر حيث وجهت فيه الدعوة رسميا للرئيس محمد عبد العزيزلحضورها وبالمناسبة وشح بوسام الذكرى 40 للثورة الليبية من قبل الرئيس الليبي والذي عبر تعقيبا على كلمة محمد عبد العزيز عن تأييده للحل الديمقراطي والحر لحل مشكلة الصحراء وذلك بفسح المجال للصحراويين للتعبير عن ارادتهم

وأعتقد أنه من غير المعقول ان يبقى الموقف من قضية الصحراء الغربية هو القاعدة المحددة للعلاقات المغربية مع المحيط الدولي ، و إخضاع هذه المسألة لمنطق مقايضة غير متزنة تكون أقرب الى الابتزاز والمزاجية من مقاربة منسجمة كما وقع مع فنزويلا وإيران والجزائر والاتحاد الإفريقي سابقا... وربما بهذا الربط اللاواقعي من الممكن ان تتأثر ارتباطات المغرب بمعظم دول العالم لأن الأمم المتحدة بالنهاية تقر بأن البوليساريو هو الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الصحراوي وأن قضية الصحراء الغربية لا تحل إلى عبر الاستشارة الديمقراطية وذلك باستفتاء تقرير المصير والواقع كما يقال لايرتفع .

سؤال/ إلى أي حد يستفيد البوليساريو من سياسة الكرسي الفارغ بخصوص الإتحاد الإفريقي؟

جواب/ أعتقد أننا في لحظة مفصلية من النزاع الصحراوي المغربي ،ويفترض بنا على الأقل من باب الأمانة والمسؤولية التاريخية أن نضبط جهازنا المفاهيمي ومناسبة هذا الكلام هو القول بتواجد جبهة البوليساريو في الإتحاد الإفريقي وهذا مجانب للواقع على اعتبار ان من يكتسب العضوية في هذه المنظمة القارية هي الدولة الصحراوية منذ سنة 1982وتعترف بها أزيد من 82 دولة ومن تمة فالموضوع لا ينظر له بمدى استفادة جبهة البوليساريو من سياسة الكرسي الفارغ كما تفضلتم ولكن بنظرة أكثر واقعية تطرح في الاعتبار ان النزاع عمرأكثر من ثلاثين سنة ويقف عقبة فعلية أمام تحقيق تطلعات الشعوب المغاربية,وقد أن الأوان للإقرار بأنها قضية تؤطرفي خانة تصفية الاستعمار,ولا يمكن معالجتها إلا من خلال الصيغة الإجرائية المحددة في أدبيات الأمم المتحدة وهي إعمال مبدأ تقرير المصير,وذاتها الغاية الجوهرية المسطرة حسب القرارات الاخيرة لمجلس الأمن الدولي للمفاوضات التي تجري بين الطرفين.

سؤال/ هل الجلوس بجانب الانفصاليين في المنظمات الإقليمية أو الحضور إلى جانبهم في المحافل الدولية يفسر اعترافا أو حقلا للمواجهة؟

جواب/ إشكالية الاعتراف لم تعد مطروحة ,فقد كان المغرب في السابق يحاول أن يجعل الموقف ملتبسا بخصوص التعاطي مع حقيقة الطرف الآخر من المعادلة,وذلك بمفاهيم وبمضامين تعكس رؤيته للمشكل كالقول بأن الصراع مغربي جزائري ومليشيات من الأجناس الهجينة وكراكيز والملف المغلق والأطراف بدلا من الطرفين ومذاكرات ومشاورات بدلا من مفاوضات والاستفتاء التأكيدي ...وغيرها من الأوصاف التي استنفدت أغراضها .

واليوم كما بالأمس قرارات الأمم المتحدة تؤكد بوضوح على طرفي النزاع وهما المملكة المغربية وجبهة البوليساريو,والمفاوضات حاليا تتم بينهما على أعلى المستويات.
وبالتالي يجب أن ننأى بأنفسنا عن شحن الأجواء بما يمكنه أن يهمش أويحيد ثقافة الحوار والتواصل البناء الذي يجب أن يكون الوسيلة الوحيدة للتعبير عن المواقف والدفاع عن مشروعيتها أما تفادي الحضور في احتفالات ليبيا بمشاركة رؤساء وملوك الدول من كل القارات بدعوى تواجد زعيم البوليساريو فتلك مبررات وشعارات يتمترس وراءها المغرب والتي تترجم حقيقة واحدة تختزن مدلولين أولهما عجز المغرب وضعف حجته وثانيهما الحقيقة المادية والقانونية والسياسية للدولة الصحراوية.

حاوره إدريس ولد القابلة

samedi 10 octobre 2009

سفر الملك الطويل مثير للاستغراب ويفتح باب التأويلات



Khalid JAMII


الصحافي خالد الجامعي
سفر الملك الطويل مثير للاستغراب ويفتح باب التأويلات



استرعت مسألة أسفار الملك الطويلة، إلى الخارج، دون منح تفسيرات "رسمية" اهتمام الكثيرين، بل وخاضت فيها وسائل إعلام أجنبية، ذهب بعضها إلى حد القول بـ "زهد" محمد السادس في الحكم، أما جرائد مغربية، فقالت "فقط" إن الملك يغضب كثيرا، وبالتالي يُسافر كثيرا.. في الواقع لا يُمكن رصد كل ما قيل ويُقال، عن أسفار الملك الطويلة الغامضة.
الصحافي خالد الجامعي، لديه تفسيراته الخاصة للموضوع، فهو لا يتفق مع الكثير مما يُقال بهذا الصدد. بمناسبة السفر الطويل الأخير، الغامض بدوره، للملك محمد السادس، إلى فرنسا، اتصلنا به، فكان معه هذا الحوار.

حاوره مصطفى حيران




غادر الملك محمد السادس مؤخرا البلاد إلى فرنسا، في سفر سيدوم شهرا، كيف يبدو لك هذا المستجد؟
أجده أمرا مفاجئا جدا، ذلك أن قائدا في بلاد مثل بلادنا، لا يسافر إلى الخارج لمدة شهر كامل، غير أن هذا لا يمنع من القول، إن للملك أسبابه التي دفعته إلى ذلك..

أسباب من مثل ماذا في رأيك؟
لستُ أدري.. لا يمكنني قول تفسيرات غير دقيقة بهذا الصدد، هناك العديد من الاحتمالات، قد تكون ذات طابع صحي، أو للقاء شخصيات سياسية، لا أدري ما هو السبب بالتحديد، غير أنني لا أعتقد أن الملك شخص غير مبالي، حتى يترك البلاد لمدة شهر كامل، دون سبب معقول.

هل تجد عدم الإعلان رسميا عن هذه الزيارة، سيما في ظرفية سياسية مطبوعة بعدة اعتبارات، منها مثلا الظرفية الانتخابية.. أمرا عاديا؟
إن اللوم الذي يُمكن أن نُبديه بهذا الصدد، يتمثل في نقص التواصل، ذلك لأن القول بأن الملك ذاهب في عطلة راحة لمدة شهر، لا يُمكن إلا أن يزرع شكوكا عديدة، حيث سيطرح الناس الكثير من الأسئلة..

أسئلة من مثل ماذا؟
لستُ أدري، فكل واحد سيخترع سؤاله الخاص، ذلك أنه حينما لا يتم تحديد الأمور، يصبح المجال مفتوحا، لعدة أسئلة ومثلها من الأجوبة، وهو ما يسميه الفقهاء القُدامى: التأويلات.. أي فتح باب التأويل، كل واحد يُدلي بتفسيره الخاص للموقف، كأن يقول أحدهم: الملك سافر لأنه لا يُريد أن يكون في البلاد خلال الظرفية الانتخابية، ويقول آخر: إنه مريض وذهب للعلاج، وآخر سيقول: ذهب للقاء ابن عمه الأمير مولاي هشام، إلى آخره، كل واحد يخترع التأويل الذي يناسبه، لذا أعتقد أن هناك خطأ في عملية التواصل.

دفع البعض بشكل غير رسمي، بهذا التفسير القائل إن وجود الملك ليس ضروريا إلى هذا الحد، باعتبار أنه يمكن أن يشرف على أمور الحكم من مقر سفره، ما رأيك؟
فعلا، إن هناك اليوم وسائل اتصال، سيما تلك التي يُطلق عليها اسم "الخطوط المُؤمَّنة" يُمكن عبرها القيام ببعض الأمور المستعجلة، فضلا عن أن مكان السفر، لا يبعد بأكثر من مسافة ثلاث ساعات جوا. إن الأمر المهم بصدد سفر الملك، يتمثل في أنه كلما سافر يحدث شيء مهم في هذا البلد.

؟ماذا تقصد بذلك

لا شك أنك تتذكر أن أحد أسفار الملك، تزامن مع إلقاء القبض على خلية إرهابية، كما قيل عبر وسائل الإعلام، كما أن أحداث "سيدي إفني" تصادفت للغرابة مع سفر طويل آخر للملك، ومُحاكمات الصحف والصحافيين، اقترنت أيضا بنفس الظرفية.. ففي كل مرة سافر فيها الملك حدث بـ "الصدفة" أمر هام في البلد، والحال أنه كلما تكرر الأمر مرة ومرتين أو أكثر، يكون حينها الموقف مدعاة للتساؤل والاستغراب، كأن نتساءل مثلا: أليس هناك أناس يستغلون غياب الملك "باش يديرو شي كعيات".

أليس الأمر بالأحرى، مُخطط له بدعوى إبعاد المسؤولية عن الملك، بالقول إنه كان غائبا، ما رأيك؟
لا أعتقد ذلك، أميل بالأحرى إلى التفسير القائل، بوجود أناس يستغلون غياب الملك، ممن يصدق عليهم المثل القائل: "واش كا تعرف العلم؟ كَاليهوم كانعرف نزيد فيه"..

ماذا يُمكن أن يقع في نظرك خلال السفر الجديد الطويل للملك؟
لا أحد في هذه البلاد، يُمكنه أن يقول ما الذي سيقع، ذلك أننا عند هذا المستوى، ندخل في نطاق اللامُتوقع، لذا أعتقد أن مدة شهر من السفر تُعتبر طويلة جدا.
لاحظنا أن محمد السادس كثير السفر إلى الخارج، بدون تبريرات، مثل القيام بمهام رسمية وما شابه، وهو ما يتعارض مع ما كان عليه الأمر أيام الحسن الثاني، ما رأيك؟
على ذكر الحسن الثاني فقد كان مسكونا بهاجس الانقلابات.

تقصد أنه كان خائفا على عرشه؟
نعم.

وابنه لا يعرف نفس الخوف؟
نعم، ليس لديه ذلك الخوف، أما الحسن الثاني، فكان يعتقد أنه إذا ما غادر البلاد، سيقع شيء ما، والمُلاحظ اليوم أن الملك يُغادر البلاد في سفر لمدة نصف شهر أو شهر أو أكثر، ولا يحدث ما كان يخشاه الحسن الثاني، وهذا مؤشر على وجود الاستقرار.. شخصيا لا أرى ما يبرر عدم سفر الملك، فعلى كل حال، لا يُمكن أن نقول له لماذا تسافر أو لا تُسافر، إن ما يهمني، أن تكون الأمور على ما يُرام في البلاد، غير أن هذا لا يمنع من القول أيضا، إن وظيفة ملك ليست هينة، حيث يجب عليه أن يظل مُعبئا أربعة وعشرين ساعة على أربعة وعشرين.

ألا ترى أن قضية سفريات الملك يلفها الكثير من الغموض؟
أعتقد أن هذا الأمر يجد أبعاده فيما هو سياسي، وبالتالي ضرورة مُراجعة الدستور المُنظم لأمور البلاد، كأن يتم التنصيص، على أن الوزير الأول هو الذي يترأس المجلس الوزاري، ويتوفر على السلطات التنفيذية، التي تجعل الأمور تسير بشكل عادي، ذلك لأن الأمر يتعلق بأمور الحكم، وهي كما تعلم جِدٌّ وليست هزلا.

بالعودة إلى التفسيرات التي مُنحت لسفر الملك، قيل إنه غاضب من الخلافات الحزبية حول البند السادس من قانون الأحزاب، وإنه ذهب في سفر طويل، تعبيرا عن غضبه ذاك، ما رأيك؟
إذا كان هذا صحيحا، فإن هذا يمكن أن نصفه بـ "لعب الدراري الصغار".. لا أعتقد أن الملك "يغضب ويهز حوايجو ويمشي".. لا يجب أن نُبالغ بهذا الصدد، أنا لا أعتقد بصحة هذا الطرح.. إذا كان الملك يُريد أن يغضب فيُمكنه فعل ذلك في المغرب، وليس في الخارج، كأن يُقفل عليه بابه، ويقول "مابغيت نشوف كمارت حتى شي واحد".

خلال سفر سابق للملك بالخارج، كان هناك مَن كتب في الصحافة الأجنبية، مثل الصحافي الاسباني "بيدرو كناليس" أن محمد السادس يُريد التخلي عن الحكم، ما رأيك في هذا الطرح؟
أنا لا أعتقد بصحة مثل هذا الطرح.. فعلى كل حال، يتعلق الأمر بالمُلك وليس بشيء يسهل التخلي عنه، إن لدينا ملكا قام باختيار مُعين، سواء كنا مُتفقين أو غير مُتفقين معه، وأنا من هؤلاء الأخيرين.. يمارس كامل سلطاته التنفيذية والتشريعية، غير أن هذا لا يُبيح النظر فقط، إلى جوانب بعينها مثل مسألة السفر، ويجب ألا ننسى أن الملك حينما يكون في المغرب يُسافر كثيرا، عبر أنحاء البلاد، لذا لا يصح القول، حينما يُسافر لمدة شهر إنها نهاية العالم. كل ما يمكن أن نقوله، هو يجب أن يكون هؤلاء الذين يُشرفون على الأمور في غياب الملك، رجالا، وأعتقد من زاوية مُعينة، أن عدم وجود الملك في لحظة إجراء الانتخابات، أمر ينطوي على جانب إيجابي.

لقد كان البعض ينتظر أن يُلقي الملك خطابا، يحث فيه الناس على المشاركة في العملية الانتخابية، وهو ما لم يحصل، ما رأيك؟
لا أعتقد أنه سيكون أمرا إيجابيا، أن يقول الملك للناس اذهبوا لتصوتوا أو لا تُصوتوا، ويجب أن نتذكر أنه حينما حث الناخبين على التصويت، من خلال خطاب رسمي، حدث العكس، حيث سُجلت نسبة تصويت ضعيفة جدا، لقد كان ممكنا أن يتم تفسير ذلك على أساس أنه تصويت ضد الملك، لذا أعتقد أن الملك فعل الصواب، بعدم حث الناس على التصويت، ذلك أنه يجب أن يدع المسألة الانتخابية بين المُتبارين، ومنها أن مسألة الدعوة للمشاركة في التصويت شأن حزبيٌّ وليس ملكياً، وفي تقديري، ويمكن أن أكون مُخطئا بهذا الصدد، فإن نسبة المشاركة في اقتراع 12 يونيو ستكون ضعيفة جدا، فلنتصور أن الملك قال للناس صوتوا، ولم يفعلوا، ففي هذه الحالة سيُؤخذ الأمر، باعتباره استفتاءا على الملك. لذا فإنه كان قرارا عقلانيا في نظري عدم توجيه الملك خطابا للناخبين لحثهم على المشاركة في الانتخابات.

لكننا على كل حال، في بلد يسود فيه الملك ويحكم، وبالتالي لا يمكن القول إن الانتخابات شأن للأحزاب فقط، ما رأيك؟
يجب ألا نُبالغ بهذا الصدد، فالبلاد يسيرها الأمنيون، إن الأمر المهم، هو أن تكون مسألة الأمن مُتحققة حين يُسافر الملك، فالحاصل في هذه البلاد أن التسيير الأمني لا يد للحكومة فيه، فليس عباس الفاسي أو زيد أو عمر، من الحكومة، هو الذي يُشرف على المسائل الأمنية.

مَن يسير الجانب الأمني في نظرك؟
إنه وزير الداخلية، وهو وزير سيادي كما تعرف، كما أن هناك مدير "دي. إيس. تي" ومدير "لادجيد" ورئيس الدرك، وجنرالات الجيش إلى آخره، إنهم هم الذين يسيرون الأمور الأمنية.
هل تريد أن تقول بأن هؤلاء هم الذين يتحكمون في الأمور خلال غياب الملك؟
لا، يصح القول بالأحرى، إنهم هم الذين يُؤمِّنون المسألة الأمنية، بمعنى أنهم يؤدون مهام أمنية، وهم على تواصل دائم مع الملك خلال سفره، عبر وسائل الاتصال.

حسب هذا الطرح هل نعتبر كما قال البعض، أن الملك هو الذي منح الأمر بمعاقبة مُتظاهري "سيدي إفني"؟
لم أقل هذا في كلامي، لا أعتقد أن الأمر تم كما ذكرت في سؤالك، ما حدث أنه منح ضوءا أخضر لعملية أمنية، غير أن مُنفذيها بالغوا في تطبيقها، وهو ما يُحيل على مقولة "هذاك لي كيعرف يزيد فالعِلم"..

غير أن هذا لا يمنع من أنه كان هناك أمر بضرب الناس، أليس كذلك؟
لا، الأمر صدر بتأمين الأمن، غير أن الذين نفذوا الأمر اشتطوا في استعمال الصلاحيات المُخولة لهم، فأنا لا أعتقد أن الملك قال لرجال الأمن "خربوا بيوت عباد الله، واسرقوا متاعهم، واغتصبوا نساءهم"..

آخر كلمة بصدد سفر الملك إلى فرنسا؟
أتمنى أن يُمضي عطلة سعيدة (يضحك) وأن يعود سالما.

حاوره مصطفى حيران

نتهم البصري



Benabdeslam

لا زال الجدال قائم بخصوص حصيلة سنوات الجمر والرصاص ومسؤولية الوزير المخلوع، إدريس البصري فيها، لاسيما وأنه كان الرجل الثاني في المغرب بعد الحسن الثاني، خلال ربع قرن.
وقد قدر البعض ضحايا المرحلة التي تقلد خلالها المسؤولية بالمئات تارة وبالآلاف تارة أخرى، وظل التساؤل قائما: ما هي حصيلة القتلى ومجهولي المصير ما بين 1974 و 1999 وما هي طبيعة مسؤوليته فيها؟ لمحاولة الجواب على هاذين السؤالين استضافة جريدة "المشعل" محمد الصباح رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف و بنعبد السلام عبد الإله، عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وأجرت معه الحوار التالي:


بنعبد السلام عبد الإله (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)
إدريس البصري نفذ باجتهاد وإبداع انتهاكات حقوق الإنسان


- قيل الكثير عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وقدمت هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرها النهائي للملك في نظركم، هل الأرقام المعلن عنها قريبة أم بعيدة عن حقيقة ما جرى فعلا؟
+ المسألة الأولى التي وجب التأكيد عليها، هي أن النتائج التي حملها التقرير الأخير لهيئة الإنصاف والمصالحة كشفت على شيء أساسي وهو أن الأرقام السابقة التي أعلنت عنها السلطات العمومية والمؤسسة التشريعية، كانت معطيات خاطئة وبالتالي اتضح أنها كانت تغالط الرأي العام وتنفي حقيقة ما جرى وتتستر على عدد الضحايا والقتلى والجرحى والفداحات المقترفة. إذن هذه من الإيجابيات الواجب التذكير بها.
والمسألة الثانية هي أنه في تقديرنا، نعتقد أن التقرير لم يول الاهتمام اللازم والمفترض بأحداث الريف، إذ قفزت الهيئة على المذابح التي كانت منطقة الريف مسرحا لها والتي كانت بشعة وتجاوزت كل الحدود. أما بخصوص أحداث الدار البيضاء، عندما نحاول تتبع تسلسل الوقائع وآليات التدخل والعتاد المستعمل ومدة المواجهة والأسلحة المستخدمة يتبين بجلاء أن الأرقام المعلن عنها في التقرير لا تعكس الحقيقة وبعيدة كثيرا عنها، ألم تستعمل طائرة الهيلكوبتر والدبابات في أحداث مارس 1965؟ وهل يمكن لمثل وسائل القتل هذه أن تخلف تلك الأرقام التي قدمتها الهيئة؟ ولذلك نعتقد، في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنها أرقام غير كاملة ولا تعكس الحقيقة، بل هي بعيدة عنها وبالتالي ما زال مطروحا تعميق البحث والتقصي والتحقيق في المجازر التي عرفتها الانتفاضات الشعبية على امتداد تاريخ المغرب الحديث، أي منذ 1956 إلى الآن.


- هل تعتقدون أن الأرقام المعلن عنها والمرتبطة بالمختفين الذين فقدوا حياتهم قريبة من الحقيقة أم أنها لازالت بعيدة عنها؟
+ للجواب على السؤال وجب التمييز بين الملفات، فهناك ملفات واضحة كملفات المجموعات المنظمة (المعتقلين والمختطفين الاتحاديين، المجموعات "السبعينية": اليسار، مجموعات الأصوليين) والأرقام المرتبطة بها مضبوطة، كما أن هناك وضوح نسبي فيما يخص الحالات الفردية، علما أنه لم يكن هناك اهتمام بأناس غير منتمين أو لا تربطهم صلة بالمجال السياسي أو الثقافي أو الجمعوي. لكن الأرقام المتعلقة بالأحداث الاجتماعية والانتفاضات الشعبية مازالت تثير نقاشا واسعا حول مدى عكسها للحقيقة، علما أن بعض هذه الأرقام لا أعتقد أنها بعيدة عن الحقيقة.


- من المعروف أن إدريس البصري تحمل المسؤولية منذ منتصف السبعينيات إلى حدود خلعه في نهاية التسعينيات، وخلال هذه المرحلة كان المغرب مسرحا لهزات اجتماعية وغليانا شعبيا ووجهت بقمع ممنهج واسع المدى في اعتقادكم، هل يمكن الاقتراب مما جرى، لاسيما فيما يخص الضحايا (القتلى ومجهولي المصير)؟
+ أولا، في تقديري أن الانتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب غير مرتبطة فقط بإدريس البصري باعتبار أنه لم يتحمل المسؤولية إلا في أواسط السبعينيات (كاتب عام ثم وزيرا للداخلية بعد رئاسته لبعض الأجهزة الأمنية الاستعلاماتية والاستخباراتية)، وبالتالي فهو مسؤول ضمن مسؤولين آخرين، طبعا تحت مسؤولية الملك الحسن الثاني، باعتباره المسؤول الأول ورئيس الدولة والذي سبق أن صرح في إحدى خطاباته بأنه يعرف ثمن الطماطم، وبالتالي كلما يجري ويدور بالمغرب، إذن يظل إدريس البصري مسؤولا ضمن مسؤولين آخرين خلال هذه الحقبة (1974 – 1999) وبالتالي لا يمكن اختزال المسؤولية فيه، هذه المسألة وجب التأكيد عليها علما أن إدريس البصري بصم مرحلته بأساليبه المختلفة من القمع المباشر والتنكيل والتقتيل من جهة ومن جهة أخرى التدجين والاستقطاب وشراء الذمم وتلغيم الأحزاب وغيرها.
كم أن المقابر الأولى التي تم كشفها، أزاحت الستار عن أعداد مهمة من الضحايا يتحمل بصددها إدريس البصري الجزء الكبير من المسؤولية فيها. وعند ذكر اسمه، نستحضر أحداث 1981 و 1984 و 1990، هذا إضافة للانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الصحراء والتي يتحمل فيها إدريس البصري حصة الأسد من المسؤولية باعتبار أنه كان مكلفا بملف الصحراء والأرقام المرتبطة بها لا يمكن ضبطها لما اتسم هذا الملف من سرية وهناك قوائم طويلة بخصوص الضحايا أعدتها لجنة التنسيق تشير إلى أعداد من المختطفين الصحراويين والذين لازال مصير الكثير منهم مجهولا، هذا إضافة إلى اللوائح التي أعدتها منظمة العفو الدولية والتي كشفت على 900 حالة، في وقت كانت لجنة التنسيق المغربية، المشكلة من الهيئة والجمعية والمنظمة المغربيتين لحقوق الإنسان وهيئة المحامين والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، قد حصرت الرقم في 622 مختف خلال تلك المرحلة.


- سبق لإحدى التقارير الصادرة عن جمعيتكم أن أشار إلى أن عدد القتلى في هذه المرحلة تجاوز 3000 حالة، واعتبارا للتراكمات التي حققتها الجمعية في تجميع ومركزة المعلومات، هل لازلتم تعتبرون أن رقم 3000 ضحية قريب من الحقيقة؟
+ لقد أعدت الجمعية ذلك التقرير على اعتبار أن أحداث الريف خلفت ما بين 1000 و 1500 ضحية، علما أن هناك من يذهب إلى أكثر من هذا. كما أن جملة من الأرقام ظل مسكوتا عنها، إضافة إلى ضحايا الأحداث الاجتماعية التي مازالت تنتظر الكشف باعتبار أن الأرقام المعلن عنها لازالت بعيدة عن الحقيقة لذا يبدو أن هذا الرقم قد يكون مبررا.


- انطلاقا من ممارستكم كحقوقيين وارتباط جمعيتكم بهذا المجال وتتبعها للانتهاكات وفتح أبواب مقراتها لكل المواطنين وتوصلها بالعديد من الشكايات هل يمكن القول إن إدريس البصري يتحمل مسؤولية بخصوص حالة الوفيات (غير المرتبطة بالمجال السياسي) خلال مرحلة ما بين 1974 و 1999؟
+ منذ أن شرعت الجمعية في انجاز تقارير سنوية ابتداء من 1995 فكرت في تخصيص ركن لمصادرة الحق في الحياة (الوفيات في مخافر الشرطة) والتي لا تمت بصلة بالمجال السياسي، وقد لاحظنا أن هناك مئات من حالات الوفاة بفعل ممارسة التعذيب، وفي هذا الصدد يتحمل إدريس البصري المسؤولية.


- عملت أسبوعية "المشعل" على رصد هذه الحالات عبر ما نشر في الصحافة وأعلن عنه في البيانات والبلاغات وتوصلت إلى تقدير تقريبي يناهز 5000 حالة وفاة ومجهولي المصير فيما بين منتصف السبعينيات ونهاية التسعينيات، بما في ذلك حالة الوفيات غير المرتبطة بالمجال السياسي، فما رأيكم في هذا التقدير؟
+ يمكنني أن أوافيكم بالأرقام الخاصة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتلك المتعلقة بالملفات المودعة لدى هيئة الإنصاف والمصالحة (والتي عالجت 22 ألف ملف وظلت 30 ألف ملف بدون معالجة لأنها أودعت خارج الأجل القانوني).
فنحن أمام 52 ألف ملف، علما أن الرقم متعلق بأناس تمكنوا من الوصول إلى الهيئة، فكم عدد الذين لم يتمكنوا من الوصول إليها؟ فهناك أشخاص اتصلوا بالجمعية وهم من عائلة أحد المفقودين وصرحوا أنهم توصلوا بجثمان ابن أو أب أو أخ ولم يكونوا على علم بضرورة وضع طلب لدى الهيئة. كما أن هناك بعض الأحداث التي مازالت لم نعرف عليها أي شيء، مثلا أحداث انتفاضة فلاحي أولاد خليفة بالغرب. فكم يمكن تقدير عدد الناس الذين لم يبلغوا عن انتهاكات أصابتهم أو أصابت أحد ذويهم؟


- هل رقم 5 آلاف قريب من الحقيقة؟
+ يبدو لي أن هذا الرقم مبالغ فيه شيئا ما باعتبار أن وزارة الداخلية ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة، لأنه خلال انتفاضات 1981 وغيرها تدخلت قوات الجيش والدرك الملكي.


- فهل سبق أن قامت جمعيتكم بجرد حصيلة المغاربة الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير أو نتيجة مواقفهم السياسية؟
+ من المعلوم أن مثل هذا العمل هو من الصعوبة بمكان، فنحن بالجمعية سبق لنا وأن وجهنا عددا من مذكرات للفروع للاهتمام بهذه الإشكالية وأمددناها باستمارات في الموضوع لكن بكل صراحة لم تول له الأهمية اللازمة. أنتم ترون أن الهيئة توصلت بأكثر من 50 ألف طلب ونحن في الجمعية من الصعب أن نصل إلى مثل هذا العدد لأننا لا نتوفر على الإمكانيات التي تتوفر عليها الدولة.


- طبعا إن إدريس البصري مرتبط بمنظومة وبنهج في الحكم والتدبير، وكان على امتداد 25 سنة الرجل الثاني بالمملكة بعد الملك الحسن الثاني، فأين تكمن مسؤوليته الشخصية في كل ما وقع من فظاعات؟
+ طبعا إدريس البصري هو رمز من رموز القمع وكلنا يعلم كونه كان يجمع بين وزارتين لا علاقة بينهما، الاتصال والإعلام من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر، فإن إدريس البصري كان منفذا أمينا لسياسة النظام، بل كان منفذا باجتهاد وإبداع لانتهاكات حقوق الإنسان ببلادنا.


- هل يمكن وصف جملة من الانتهاكات الجسيمة المقترفة بأنها تتصف بطابع جرائم ضد الإنسانية؟
+ طبعا ما جرى في الريف وفي الصحراء وأثناء الانتفاضات الشعبية هو من قبيل جرائم ضد الإنسانية – سواء من حيث الكثافة ومن حيث المنهجية، وفي بعض الأحيان استمرت الأحداث والمواجهة لأيام.


- لو افترضنا أن إدريس البصري سيحاكم على هذه الجرائم، ما هي التهم التي يمكن توجيهها له؟
+ أهم التهم...
(صمت برهة قبل أن يستأنف كلامه) ... هناك الاختطاف، القتل العمد مع سبق الإصرار وربما الإعدام خارج نطاق القانون والمحاكمات غير العادلة.


- هل هناك انتهاكات أو خروقات أو تجاوزات كبرى مورست في عهد إدريس البصري ولم يشر إليها الإعلام أو لم يتم الاهتمام بها بعد؟
+ أعتقد أن انتهاكات إدريس البصري التي تم الكشف عليها، هي أساسا تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، علما أن له يد طويلة في الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما أعتقد أن هناك ملفات كبيرة متعلقة بتبديد الثروة الوطنية ونهب المال العام لعب فيها إدريس البصري دورا كبيرا.

الأسطورة والكرامة والحلم ... انتشرت أساسا في زمن الأزمات


منى متزكي أستاذة جامعية
الأسطورة والكرامة والحلم ... انتشرت أساسا في زمن الأزمات




- هل سبق أن روج الملوك والسلاطين بالمغرب كرامات ورؤى؟
+ ارتبطت الأسطورة والكرامة والحلم.... باللاوعي في الذات عبر التاريخ، واستولت على مساحة اختلفت باختلاف واقع الحال، فانتشرت أساسا في زمن الأزمات المختلفة (مجاعات ، أوبئة، حروب مع الأجانب، صراعات من أجل السلطة ....)

- هل يمكن تحديد مفهوم الكرامات؟
+ كان للعديد من السلاطين والملوك دور في الترويج للأسطورة والكرامة، في فترات معينة، خصوصا في المرحلة المصطلح عليها في التحقيب التاريخي بالعصر الوسيط، حيث عرفت هذه المرحلة بفترة ازدهار الكرامة والترويج لها وانتشار الفكر الصوفي، أكبر مروج لها، بل إن العديد من الحكام وصلوا السلطة عن طريق الترويج لما نسب إليهم، أو إلى بطانتهم من كرامات

- هل يمكن استخدام ملوك العصر الحديث نفس الوسائل التي استعملها الملوك السابقون بخصوص الكرامات والرؤى؟
+ لا يخل عصر من عصور المغرب من الحديث والترويج ـ بصورة أو أخرى ـ للكرامات في علاقتها بالملوك. وأقرب مثال هو ما روج بخصوص فشل محاولة انقلاب الصخيرات وفشل محاولة انقلاب الطائرة الذي دبره الجنرال أوفقير، فالعديد من الناس تحدثوا عن وعي أو لا وعي عن كرامات الملك وعن انتمائه الشريف وأمور أخرى غيبية نسبوا إليها فشل المحاولتين

- هل تسيء الإشاعة للمؤسسة الملكية؟
+ أما بخصوص الإشاعة، وهل تسيء للمؤسسة المالكية؟ فاعتقد أن الأمر يعود إلى طبيعة الإشاعة، إذ هناك إشاعات يمكن أن تكون مسيئة وأخرى يمكن أن تخدم مصالح المؤسسة الملكية، وثالثة لا تضر ولا تنفع مباشرة، إلا أنها ترسخ حضور المؤسسة الملكية في الوعي واللاوعي لدى المغاربة