samedi 10 octobre 2009

كان عالم الأساطير والإشاعات نشطا عندما كان المغاربة يستهلكون الفكر الغيبي


المؤرخ مصطفى بوعزيز
كان عالم الأساطير والإشاعات نشطا عندما كان المغاربة يستهلكون الفكر الغيبي




اعتبر المؤرخ مصطفى بوعزيز، الإشاعة عنصرا من عناصر تدعيم النفوذ السلطوي أو وسيلة لتحطيم وتشهويه وإضعاف صورة شخص ما.
كما حدد مصطفى بوعزيز موقف المؤرخ المحترف اتجاه الإشاعة، فإما يفندها ويعيد الحقيقة التاريخية كما كانت، عندما لا تتحول الإشاعة إلى حدث تاريخي، أو يفسر الإشاعة باستعماله السيكولوجيا الجماعية، إذا تحولت إلى حدث تاريخي.


- هل يمكن أن ترتبط الإشاعة الخاصة بالملوك بظروف تاريخية معينة؟
+ الإشاعة سلاح، لكونها جزء من العلاقات الاجتماعية وكل علاقة اجتماعية إلا وهي شكل من أشكال علاقات السلطة. وفي هذا الجانب، تعد الإشاعة سلاحا في إطار الصراع من أجل السلطة، وليس بالضرورة السلطة السياسية، بل كل السلط، فبالأحرى السلطة السياسية وفضلا عن كونها سلاح، فهي أداة للتواصل كذلك. والتواصل عنصر من عناصر خلق صورة في جوانبها الإيجابية وجوانبها الكاريزمية.
إذن، الإشاعة عنصر من عناصر تدعيم نفوذ أو سلطة، كما يمكن أن تكون وسيلة لتحطيم أو تشويه أو إضعاف صورة ما.
من هنا، يتبين بالواضح أهمية وخطورة الإشاعة، لذلك فارتباط الإشاعة بالسلطة كان ولا زال ارتباطا مباشرا وبما أن السياسة والتاريخ مرتبطان كذلك بالزمن، فالإشاعة كذلك مرتبطة بالتاريخ. والمؤرخ، في إطار ممارسة عمله، يصادف الإشاعة وعليه أن يحللها حسب أدواته المنهجية.


- هل للفترة التاريخية ظروف موضوعية لنسج الأسطورة؟
+ نعم، للفترة التاريخية ظروف موضوعية لنسج الأسطورة، لأن الإشاعة نبتة وهذه النبتة تحتاج إلى تربة صالحة وكذلك إلى مناخ وعناية، لهذا لكل إشاعة ظرفية وهذه الظرفية هي شروط التنشئة والتطور، لكنها نابتة في الأرض والأرض هي الواقع الثقافي والاجتماعي الذي يتجاوز الظرفية.
وبالنسبة لنا نحن المؤرخين، يعد مصطلح الظرفية مصطلحا دقيقا، فهو محصور بفترة زمنية لها خصائص معينة، يجب الإحاطة بها وهذه الفترة هي حلقة لصيرورة يطبعها الواقع الاجتماعي الثقافي الذي هو أعمق من الظرفية.


- إذن، هل الإشاعة تتجاوز الظرفية الزمنية؟
+ لا تتجاوز الإشاعة الظرفية الزمنية وإنما تنبت الإشاعة في ظرفية معينة أو تساعدها على النمو ولكنها تنبت داخل ثقافة والثقافة هي التي تتجاوز الظرفية.
إذن قبل عملية الإنبات، هناك تربة تزرع فيها البذرة، وعملية الإنبات مرتبطة بالظرفية، لأنها هي التي تساعد على الإنبات.


- تاريخيا، كيف يمكن أن نعرف الإشاعة أو الأسطورة التي تنسج حول الملوك؟
+ يعيش كل ملك من الملوك سواء داخل المغرب أو خارجه، واقعا سوسيولوجيا وثقافيا وظرفيات معينة وقد يصادف حكم هذا الملك انتشار إشاعة معينة وقد لا يصادف ذلك. وهذه الإشاعة قد تكون لصالحه وقد تكون ضده، إذ ليس من الضروري أن تنطلق الإشاعة من السلطان لخدمة السلطان، فقد تنطلق من خارج دائرة السلطان وتحاول الإساءة إليه وقد تحقق هدفها أو العكس وقد تنطلق الإشاعة من السلطان فتحقق هدفها أو تخطئ هدفها وتتحول إلى نقيضه.
كما أن كل الحكام، سواء في الشرق أو في الغرب، هم عرضة للإشاعة أو نسج أسطورة خيالية عنهم، لأن الإشاعة هي المستوى الأول في الحرب الكلامية. وحاليا يسمى هذا الأمر بالخبر الزائف في الصحافة العصرية الذي يستهدف إرباك الخصم المباشر أو الخصوم المفترضين، لكن مع تطور وسائل الإعلام بشكل مذهل، قد يروج خبر ما، ثم يفند بعد ساعة من الزمن أو أسبوعا نظرا لحركية الأمور. أما سابقا ونظرا لكون وسائل الإعلام، لم تكن بهذا الحجم من التطور، حسب شبكة الإخبار والإخبار المضاد، كانت تستمر الإشاعة زمنا طويلا.
وكمثال على بعض الإشاعات التي راجت من قبل، وباعتباري أستاذا مختصا في التاريخ المعاصر، سأقتصر على بعض الإشاعات التي راجت في عهد السلطان مولاي عبد العزيز والتي كانت تهدف إلى الإساءة إليه، فهذا السلطان الشاب الذي بدأ حكمه رسميا سنة 1894، إلا أنه كان قاصرا حيث كان تحت وصاية "با حماد" إلى سنة 1900، حيث تولى هذا الأخير تدبير مقاليد الحكم بعد وفاة " با حماد" إذ حكم مولاي العزيز من سنة 1990 إلى حدود 1908، وهذه الفترة تميزت بظرفية عصيبة، تنعث "بالفوضى المغربية"، كان الحكم في موقع ضعف والتكالب الأجنبي بلغ مداه، ثم الارتباك الذي عرفته البنيات المغربية، وكان السلطان مولاي عبد العزيز أمام إشكالية كبيرة وهي التي كانت تسمى إشكالية الإصلاح. لهذا حاول السلطان مولاي عبد العزيز إصلاح كل هذه المشاكل وفق النموذج الغربي، فقام بمجموعة من الإجراءات، كتقليص عدد الوزراءإلى 4 فقط، كما قام بثورة في ميدان الضرائب حيث جمع كل الضرائب في ضريبة واحدة سميت بضريبة الترتيب وألغى كل الوسطاء وعين موظفين بأجور، كل هذه الإصلاحات قام بها باعتماده على مستشار إنجليزي اسمه " ماكلين".
وفي ظل هذه الإصلاحات التي قام بها مولاي عبد العزيز، قامت ضده كل الإطارات التقليدية وخلقوا أزمة فعلية، بإطلاق إشاعات من شأن أنه طفل صغير مولوع بالآلات الجديدة مثل الدراجة، آلة التصوير... وهذه الإشاعة ظلت حية زمنا طويلا إلى حدود اليوم، وهناك بعض الباحثين من يعتبرون أنه يجب إعادة الاعتبار للسلطان مولاي عبد العزيز.
أما في إطار ما قام به من إصلاحات، فقد نختلف معه في سياسة التحديث وتبني الحداثة في المغرب دون استحضار خصوصية البيئة المغربية، لكن ذلك لا يعطي الحق في ترويج إشاعات تسيء له. ولحد الآن لم نستطع بعد قرن من الزمن إعادة الاعتبار لشخصية عبد العزيز نظرا لقوة الإشاعة التي أطلقت ضده، لأنه مس مصالح فئات عريضة.
كذلك في عهد الراحل محمد الخامس، انتشرت بشكل كبير إشاعة رؤية محمد الخامس في القمر والهدف من هذه الإشاعة هو إدخال محمد الخامس مرحلة القداسة، ذلك أن القمر ينتمي إلى السماء والسماء هي الله، ولكي يصل الإنسان أن يرى في القمر بهذا الشكل، يعني أنه اختاره الله، وبالتالي خرج من فئة بني البشر إلى فئة بني البشر المختارين.
هذه الإشاعة أطلقتها الحركة الوطنية ضد الفرنسيين، وبالرغم من العقلانية التي يمتاز بها الفرنسيين، إلا أن هذه الإشاعة انتصرت وأعطت أكلها وكانت عنصر تجنيد كما أعطت نفسا للملك محمد الخامس، الذي لم يكن على علم بهذه الإشاعة، حيث أطلقت وهو في المنفى.
إذن انطلاقا من سرد هذين المثالين، يتضح أن الإشاعة التي روجت لمحمد الخامس، رفعت من شأنه إلى درجة القداسة، في حين الإشاعة التي روجت ضد مولاي عبد العزيز حطت من شأنه إلى مستوى الطفولة المضطربة.


- في أي المجمعات تنشط الإشاعة أو الأسطورة أكثر؟
+ الإشاعة موجودة في جميع المجتمعات، لكن شكلها تعطيه ثقافة ذلك المجتمع، فمثلا الإشاعة الأخيرة التي عرفتها الساحة السياسية الفرنسية، أخذت شكل المخابرات، لأن هناك زوايا مظلمة تتحكم في عالم الاستخبار وعبر تلك الزوايا المظلمة يمكن دس بعض الأمور الكاذبة. إذن كل ما يسمى في العالم العصري بالفضائح "les scandales"، تنشط فيها الإشاعة. ثم هناك مجتمعات لا تأخذ فيها الإشاعة هذا الشكل، بل تأخذ مسالك البنيات العقلية الموجودة، و بنيات هذه المجتمعات المتخلفة هي بنيات المقدس التي قد تخلق شخصيات خرافية، ليس بالضرورة للإساءة مثل: "عائشة قنديشة" أو شخصيات حقيقية، ضخم دورها مثل شخصية عنتر بن شداد أو شخصية علي بن طالب.
كما أن محمد الخامس تعرض لإشاعات مسيئة أطلقتها الإقامة العامة الفرنسية ضده حول ممتلكاته مثلا وكان الهدف من ذلك هو المس بكاريزمية شخصه والاحترام الذي يكنه المغاربة له، وذلك منذ خطاب طنجة لسنة 1947، حيث أصبح محمد الخامس في الواجهة على مستوى الصراع الوطني، آنذاك كثر انتشار الإشاعات من طرف المستعمر والطرف المساند له، مثل قصة الكلاوي، لكن هذه الإشاعات لم تبلغ هدفها، حيث سرعان ما اختفت.
أما بخصوص الراحل الحسن الثاني فقد كان كذلك عرضة لمجموعة من الإشاعات والأساطير مثل الإشاعة التي راجت حول زواجه بامرأة إيطالية أو ما تم ترويجه في الأوساط الشعبية كونه يملك خاتما يحميه من أية إساءة.


- هل استفاد الحسن الثاني من ترويج مثل هذه الإشاعات؟
+ جزء منها قد أفادته في مسيرته وجزء آخر لم يستفد منه الراحل الحسن الثاني، وذلك حسب المتلقي، فعندما كان المغاربة يستهلكون الفكر الغيبي، زادت تلك الإشاعات والأساطير من هيبة الملك الراحل الحسن الثاني. ولكن منذ السبعينيات تغيرت صورة المؤسسة الملكية بعد الانقلابين وبعد الحركات الاجتماعية التي شهدها المغرب في السبعينيات، لهذا أصبحت الملكية مجبرة على إعطاء صورة عصرية للمغرب.


- هل للسرد التاريخي طقوس معينة في نسج الأساطير والإشاعات حول الملوك؟
+ مصطلح السرد التاريخي، مصطلح غامض، لهذا نحن المؤرخون نستعمل الخطاب التاريخي، أما السرد فهو موجود، لكن ليس بالضروري أن تكون له علاقة بالمؤرخين، حيث يحق للكل الحديث عن التاريخ أو كتابة التاريخ كشاهد أو هاو أو مهتم بالإخبار، فالسرد من هذا المنطلق يبقى بعيدا عن الصرامة العلمية، يروج للإشاعات، لأنه لا يملك التقويم والحذر الذي يمكنه من رواية الحدث كما هو، وهناك من كتب وروى أنه بالفعل رأى محمد الخامس في القمر وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث سرد أن جريدة ألمانية صورت الحدث كما هو.
إذن يمكن لبعض الكتابات السردية لغير المتخصصين أن تروج لبعض الإشاعات وأن تعمل في اتجاه ديمومتها.
لكن بالنسبة للمؤرخ المحترف، فهو بين موقفين اتجاه الإشاعة، أما الموقف الأول فهو الإشاعة التي لم تتحول إلى حدث تاريخي، لأنه لم يكن لها وقع كبير، هذه الإشاعة يفندها المؤرخ ويعيد الحقيقة التاريخية كما كانت، بينما الإشاعة التي تحولت إلى واقع تاريخي، مثل رؤية محمد الخامس في القمر، حيث يعتقد مجموعة من الناس أنهم رأوه فعلا، لكن على المؤرخ، في هذا الإطار، أن يفسر كيف تم ذلك باستعمال مناهج و أحداث تمنحها لنا العلوم الاجتماعية، وهي أدوات الإيحاء la suggetion وقد أخذنا هذه الأساليب من علم السيكولوجيا وأدخلناها في إطار السيكولوجيا الجماعية وهذا علم قائم بذاته حاليا، ومن هنا ثبت أنه يمكن أن يتهيأ للأفراد وللجماعات أن ترى صورا، خصوصا من طرف من يمتلك سلطة معينة "سلطة رمزية أو روحية أو علمية" آنذاك يتحول هذا الأمر إلى واقع عن طريق التهيئ.


- هل الغموض الذي يلف القصور والهالة المرتبطة بالملوك لها شروط موضوعية في توليد الإشاعات والأساطير؟
+ بخصوص سؤالك، فقد أصبح، منذ القرن الخامس عشر، لهذه الظاهرة اسم هو الماكيافيلية، نسبة إلى ماكيافيل، حيث في كتابه "الأمير" يربي الأمير الإيطالي ويعطيه نصائح تتمحور حول تمكينه من أسالب تمنحه النفوذ على رعيته، ومن ضمن هذه النصائح، نصائح التوهيم و نصائح الاستدراج.


- هل تبت تاريخيا رغبة الملوك في ترويج الإشاعات عنهم؟
+ قبل الإجابة عن هذا السؤال، لابد من الاتفاق حول عدم السقوط في التعميم، لأن التعميم سيؤدي بالضرورة إلى استخلاص خلاصات خاطئة، لهذا لابد من إدخال أداة الشرط" قد"، حيث قد تكون الأوضاع السياسية لبلد ما غير مستقرة ويصعب إدارتها فيتم اللجوء إلى الإشاعة قصد إلهاء الرأي العام لهذا تعتبر الإشاعة سلاح من الأسلحة التي تستعمل في هذا المضمار.
أما جوابا عن سؤالك، فقد تبت أنه في مراحل ما قبل الحداثة، كانت الإشاعة أداة من أدوات إدارة وتدبير الشأن العام. فكم من شخص تقلد مناصب مهمة بإشاعة وكم من شخص كان يمتلك المقدرة الكافية لتقلد منصب ما وقضي عليه بإشاعة.
ولكن في إطار الانتقال إلى المجتمع العصري ثم المجتمع الحداثي، تقلص نفوذ الإشاعة.


- هل سبق لحاكم ما أن حارب أو حاكم مروجي الإشاعة أو الأسطورة؟
+ في هذا الصدد، سأذكر حكاية وقعت قريبا دون ذكر أسماء أبطالها، لأن جزء منهم لا زال على قيد الحياة. مباشرة بعد استقلال المغرب، كان المحيطون بالملك يوشون ببعضهم البعض، حيث جاءت مجموعة إلى الملك محمد الخامس ووشت بمجموعة من أعمدة المقاومة، باعتبارهم ضد الملك، ويتآمرون عليه، فغضب محمد الخامس واستدعى من تم الوشاية بهم للتحقيق معهم في الوقت الذي لا زال من وشوا بهم حاضرون لا يفصلهم عن الآخرين سوى ستار، لكنهم فندوا ما قيل عنهم رادين الأمور إلى نصابها. بعد ذلك، قام محمد الخامس برفع الستار متسائلا عما قالوه فكان رد فعلهم أنهم تملصوا من قولهم قائلين : " هذا ما سمعناه". ورغم اكتشاف الحقيقة لم يقم محمد الخامس بمعاقبتهم.


- في رأيكم لماذا لم يقم محمد الخامس بمحاكمة هؤلاء؟
+ هذا الأمر مرتبط بالحقل السياسي، فليس من الضروري معاقبة الفاعل وإخراجه من دائرة الفعل لأنه يصبح بعد قيامه بذلك، محط إضعاف يمكن التحكم فيه واستعباده.


- أين يمكن أن تصنف زمنيا ترويج الأسطورة أو الإشاعة هل بعد وفاة الحاكم أم أثناء فترة حكمه؟
+ بخصوص سؤالك ليس هناك جواب مطلق، فقد يتم ترويج الإشاعة في الفترتين معا، وقد تنشط الإشاعة في إحدى الفترتين فقط، لأن المتحكم في الإشاعة هو الظرفية. وكمثال على ذلك البيضة التي تحمل في جوفها مواد قد تتحول إلى كتكت لكن بشرط وجود دجاجة تقوم بعملية الحضانة فتتم عملية إخراج كتكت وقد لا تنجح هذه العملية فيصيب البيضة التعفن.
لهذا فإمكانية ترويج الإشاعة قبل الوفاة أو بعدها أمر متوقع لكن ما يقوي الإشاعة أكثر أو يعطيها القدرة عن الانتشار هو المجتمع المحافظ التقليدي، لأن فضاء العقلنة فيه محدود والإيمان بالجانب الشفوي للثقافة والغيبيات حاضر بقوة أما المجتمع الحداثي الذي يتميز بالعقلنة والتدوين والتحقيق لا تنعدم فيه الإشاعة، لكن فضاؤها يبقى محدودا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire