mercredi 17 mars 2010




الدكتور لحسن بروكسي لـ " الصحراء الأسبوعية"

الأحزاب السياسية لا يمكنها بلورة نظرية وتصور ورؤية حول «الجهوية المغربية»



هيأ لحسن بروكسي أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون العام حول موضوع "الإعداد الترابي بالمغرب وانعكاساته المؤسساتية والسياسية". قاده بحثه هذا إلى مقاربة نظرية وعملية للجهة والجهوية ببلادنا، من حيث هما وسيلة- وليستا غاية- لترسيخ الديمقراطية المغربية وتقعيدها، انطلاقا من هوية وخصوصيات المغرب. وبذلك يكون، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، قد تجاوز الطرح الذي يرى في الجهة والجهوية مجرد سبيل إخفاء أو إقبار لإشكاليتي المشاركة الديمقراطية الفعلية من جهة، ومن جهة أخرى اللامركزية السياسية الحقيقية؛ أي إشكالية التخلي عن صلاحيات، عن طيب خاطر، من طرف جهات وتسليمها لجهات أخرى.
تواصل "الصحراء الأسبوعية" حوارها مع الدكتور لحسن بروكسي لاستكمال ما بدأته معه في حوار سابق الذي أثار سجالا واسعا.



- كثر الحديث عن الجهوية دون ذكر إعداد التراب المحلي، فهل يمكن تصور جهوية بدون إعداد التراب؟


فعلا، إذ ارتباط الأمرين بغاية في الأهمية بالنسبة لبلادنا، وذلك لأن إعداد التراب المحلي يتحكم في الجهوية، أراد من أراد وكره من كره. وفي هذا الصدد، وجب التساؤل: ما هو مصير المخطط الوطني الذي أعدته الوزارة عندما كان اليازغي يدير شؤونها؟ ليس هناك أدنى حديث حاليا عن هذا المخطط، علما أن من مضامينه تحديد أهداف الجهة. وكذلك أين موقع وزارة التخطيط - وتحظرني الآن إشكاليات التخطيط القطاعي، وتخطيط إعداد التراب، وتخطيط التدخلات والتأثير على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي- في النطاق الجهوي؟ وأين الربط بين إشكالية إعداد التراب من جهة، والجهوية من جهة أخرى؟ فكيف يمكن الإقرار بتقطيع اقتصادي وإداري مجد وفعال، إن لم نحرص على الربط بين التخطيط القطاعي والإعداد الشمولي للتراب؟

- لكن موضوع الجهوية ليس جديدا بالمغرب؟
موضوع الجهوية ساهم في اهتمام واسع غير مسبوق لمختلف فضاءات المجتمع المدني والرأي العام، ما عدا الأحزاب السياسية، التي ما زالت خارج التغطية في هذا المضمار.
لقد أصبحت هذه الفئات تفكر في الموضوع بجدية لأنها أحست بأنه مرتبط بمستقبل المغرب في قرن العولمة. في واقع الأمر، وقع نوع من الارتباط الظاهري والباطني بين الجهة الصحراوية والجهات الأخرى غير الصحراوية، علما أن الرأي العام عموما يعتقد أن هذا الموضوع وسخونته مرتبطان بقضية الصحراء؛ إنه بمثابة تحصيل حاصل بالنسبة للشارع المغربي. لكن يبدو جليا أنه وقع شيء من الارتباط البين في الأذهان؛ إذ بدأت بعض الجهات وبعض الفئات تفكر في نماذج وقوالب من الجهوية الفيدرالية، بينما موضوع وتيمة وهاجس الجهوية، ظل دائما سائدا في المخططات والرؤى دون أن يعرف طريقه إلى التطبيق. لقد فكر المغرب في هذا الموضوع طويلا، ومنذ سنة 2010، في مسلسل آخر للجهة والجهوية، في وقت انتعشت فيه الديمقراطية مقارنة بالماضي.



- فهل هناك نوع من خلط الأوراق بهذا الخصوص؟
لقد أصبت بخصوص إثارة هذه الإشكالية المهمة جدا، وفي هذا السياق سبق لي أن أشرت إلى اللجنة الوزارية المختلطة لإعداد التراب الوطني (Comité Interministériel de l’aménagement du Territoire) المؤسسة بظهير سنة 1968، والتي يرأسها صاحب الجلالة، ويقوم بدور كاتبها العام وزير الداخلية. ليس هناك أدنى حديث يذكر عنها. وللإشارة، رغم أن هذه اللجنة لم تجتمع إلا مرتين، إلا أنها توفرت، منذ ذلك الوقت، على رؤية المغرب في 2000، وهي رؤية موجودة؛ فلماذا لا تحيا هذه اللجنة في سياق التفكير من أجل بلورة "جهوية مغربية".

- من الذي يعطي تصور ومضمون الجهوية (عقيدة الجهوية) بالمغرب؟
أولا وقبل كل شيء وجب وضع هذا السؤال أمام أعيننا؛ اعتبارا لأهميته القصوى، هل هي الأحزاب أو الإدارة أو جهة أخرى؟ يبدو لي أن الأحزاب السياسية لا يمكنها بلورة «عقيدة» (نظرية وتصور ورؤية) «الجهوية المغربية»؛ لأنها أحزاب مازالت "مخدوعة" ومسكونة برؤيتها. أما الإدارة المغربية، فإن رؤيتها في الموضوع لم ولن تخرج عن دائرة الرؤية الداخلية، صاحبة التقطيع الإداري والساهرة على الجهات. في حين أن وزارة المالية لن ينحرف اهتمامها عن إشكالية الضرائب والرسوم الجبائية، ولن تخرج رؤية وزارة الوظيفة العمومية عن دائرة إشكالية التمركز/ اللاتمركز. وهنا يبرز دور مؤسسة الوزير الأول كمنسق، وفي هذا السياق سيكون من الأحسن اعتبار "اللجنة الملكية للجهوية" مختبرا للاستماع لمختلف الرؤى والتصورات والحساسيات، قصد أن تتوفر لها معالم صورة واضحة وشاملة، وهذا سيساعدها – على أقل تقدير – في وضع أصبعها على الإشكاليات القائمة التي من الواجب الاهتمام بحلها.

- لكن، ماذا عن المجتمع المدني بهذا الخصوص؟
يضطلع المجتمع المدني هو كذلك بدور مهم في هذا المضمار، لأن له تصوراته بخصوص مصير الجهوية ببلادنا، علما أنه يشكل شرطا حيويا لضمان فعالية الجهة؛ لأنه هو الذي عليه تدبير المال والمشاريع؛ إذ إن الجهوية من المفروض أن توفر له إطارا واضح المعالم يتحرك فيه، ما دام أن (الجهوية) وجب أن تتمحور حول الإنسان وليس حول سواه، علاوة على أن المجتمع المدني، خلافا للأحزاب، لا توجهه أو"تؤطره" حسابات سياسية أو غيرها.
- وماذا بالنسبة للساحة السياسية؟
كذلك الأمر بالنسبة للساحة السياسية التي أصبحت تعرف شيئا من الوضوح، خلافا للسابق؛ بحيث نتوفر الآن على حزب إسلامي وحزب ليبرالي، وأحزاب ما بين هذا وذاك، ولم يعد هناك وضع «كومة من الأحزاب فوق بعضها البعض».
لقد أضحى نوع من اليقظة الثقافية أكثر من السابق، وكذلك توفرت أقلام وأبحاث وملفات صحافية، وحدث تحول جذري في قطاع الإعلام المغربي بشكل عام منذ سنة 2000. وقد لعبت هذه الصيرورة دورا مهما في تنمية الوعي. كل هذا جعل المغرب يلج دائرة مسلسل جديد من شأنه أن يؤهل بلادنا لمستقبل «2020»، مع التطور الديمقراطي والتطور الفكري في المنظومة الاجتماعية المغربية. وفي هذا المناخ، وضمن هذا المضمار، وجب أن تصب الجهة والجهوية، علما أن أوروبا تعيش أزمات منذ 2005 (أزمة مالية 2008، أزمة اقتصادية 2009، أزمة نقدية، أزمة اجتماعية)، وليس عبثا أن سعت القارة العجوز لوحدة أورومتوسطية، والجهة بالمغرب ستصب في هذا المناخ.


- في عهد الملك الراحل الحسن الثاني تم إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي، هل هناك من دور يمكن أن يلعبه في الجهوية؟
أولا لا يجب أن ننسى أن الجهة هي ترويج للمال والاقتصاد داخل مجالها الترابي، ولا بد وأن هناك ارتباطا وثيقا بين الهمّ الجهوي وهذا المجلس. ويمكن أن نتصور أن يكون "رئيس الجهة أو القائم عليها" أحد أعضائه، ما دام أن المراد ليس هو ترك الجهات تسبح، كل واحدة، في فلكها، ومادام أن عليها أن ترى النور في إطار رؤية تكاملية، ولا يمكنها أن تكون غير ذلك.
ويمكن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يلعب دور مستشار الحكومة فيما يتعلق بالاستثمارات مثلا؛ حيث ستكون النقابات ورجال الأعمال والاقتصاد، وكذا الباحثون أعضاء فيه. ويمكنه أن يضطلع بمهمة مستشار البرلمان، ولكن، هل قراراته ستلزم تلك الأطراف؟ هذا موضوع آخر، إلا أنه من الضروري أخد آرائه ووجهات نظره بعين الاعتبار، لاسيما وأن رؤيته من المفروض أن تكون رؤية المحترف في شؤون الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وفي نفس السياق، تبرز تساؤلات بخصوص دور المجلس الأعلى للحسابات، الذي وجب أن يكون قريبا من الجهة، والأبناك التي عليها أن تنعش الجهوية وامتصاص التوفير المحلي وتوجيهه للجهة التي من المنتظر منها تخفيف أعباء الدولة، خاصة الاجتماعية منها.
و في هذا الصدد، يبدو أن السيد عمر عزيمان يقف وحده أمام الآخرين، فهل عليه الاستماع إليهم أم ماذا؟ وما هو دوره؟
بينما لو كان السيد عمر عزيمان في اللجنة الوزارية المختلطة للإعداد التراب الوطني، أو مؤسسة أخرى، فستوفر له مظلة تقوي من موقعه وكذلك دوره.



- ما هي أهم المستجدات التي ستفرضها الجهوية؟
في اعتقادي أن أهم مستجد هو أن الجهوية من الناحية السياسية ستخلق سلطة ترابية (Pouvoir Territorial)، وهي سلطة قوية ومهمة. فهل يمكن الآن أن نتصور أن رؤساء الجهات أغلبهم من المعارضة، وهم يتوفرون على هذه السلطة الترابية؟ وفي هذا السياق يمكن القول، دون مجانية الصواب، إن الجهوية ستغير المسار الديمقراطي، كما أن البرلمان لا يمكنه أن يظل كما هو الآن.

- لكن ما هو البرلمان في تصور الجهوية؟ وهل قانون الجهات سيحسم فيه البرلمان؟
لا يمكن الجزم بهذا الخصوص، لكن كيف حسمت إيطاليا -على سبيل الاستئناس- هذا الأمر؟
لقد عدلت دستورها للإقرار بوجود الجهات بالبلاد، وأعطيت الصلاحية للبرلمان لتحديدها، وبالتالي اكتسب الإيطاليون الوقت الكافي، وأصبحت هذه المسؤولية على عاتق البرلمان.


- هل هناك من تعثرات محتملة وممكنة؟
هناك الكثير من التعثرات، لأن كل فئة تدافع عن "جهويتها" (رؤيتها للجهوية)، لذلك من الضروري أن نتوفر على رؤية شاملة. وفي هذا الصدد، يمكن للجنة الوزارية المختلطة، بعد إعادة إحيائها، أن تلعب دورا حيويا، لأن المسألة مرتبطة باختيار مصير البلاد، وهي قضية وجب وضعها فوق كل الاعتبارات وكل الحسابات، لاسيما وأن المستقبل، لا محالة صعب، ووجب أن تتوفر بلادنا على دولة قوية مدعمة ومساندة بديمقراطية حقة، ولا يجب أن تكون الجهوية تشكيكا في الدولة أو أن تساهم في خلق بارونات. ومما يجعل الأمر صعبا أكثر، أنه على الجهوية أن تنبثق من هويتنا؛ فالمغرب يتوفر على جذور إفريقية، وهو أحد مكونات المغرب الكبير ورأسه بأوروبا. كما أنه لا يوجد قاموس للجهوية أو للجهة يمكن الاغتراف منه، والسؤال هو: ماذا نريد أن نفعل بالمغرب؟

- وماذا عن رؤساء الجهة؟
في الحقيقة وجب طرح التساؤل التالي: من الجهة التي ستحدد مضمون "الجهوية المغربية"؟ وتتوقف على الجواب عن هذا التساؤل كل الأمور الأخرى. فإذا نظرنا مثلا إلى إشكالية الجهة، فمما لاشك فيه أن موقعهم هذا سيجعل منهم أشخاصا أقوياء، ربما أكثر من البرلمانيين (ممثلي الأمة).
وإذا انطلقنا من منظور الدولة البحث، يمكن القول إنها ستتخلى على جملة من صلاحياتها، وأن جهات أخرى ستتحمل المسؤولية. لكن لا ننسى أننا ملكية، علما أن المخزن لن يسمح أبدا بقيام بارونات. وقد يتم التفكير في اعتماد تصور يروم انتخاب رؤساء الجهات، ثم يتسلمون "ظهيرا شريفا" بعد الانتخابات لضمان الربط بين الجهوية والبلاط، مادمنا نعيش في إطار ملكية، ولكي لا يفكر البعض في الذهاب بعيدا.
ومن جهة أخرى، لا يجب أن ننسى أن الجهة ستشكل نقطة ارتكاز جيوسياسي، وهذا في حد ذاته أكبر إصلاح؛ إذ يمكن آنذاك إصلاح القضاء بسهولة، بل إحداث مختلف الإصلاحات والتغييرات الأخرى من أجل ضمان استقرار النظام والبلاد.


- استنادا إلى تجارب البلدان التي سبقتنا في هذا المجال، هل هناك صعوبات في بلورة رؤية للجهوية المراد إقرارها في المغرب؟
إن بلورة تصور حول الجهوية المناسبة للمغرب ليس عمل يسيرا؛ فإيطاليا مثلا لم تصل بعد إلى ذلك، رغم أنها بدأت منذ 1945 إلى الثمانينيات، وكذلك الأمر بالنسبة لإسبانيا وفرنسا. ومن المعلوم أن إشكالية الجهة والجهوية أسقطت الجنرال شارل دوغول من الحكم سنة 1968. إن انتكاسات وتأثيرات الجهوية ثقيلة جدا على مصير الشعوب والبلدان، اللهم إن كانت هذه الجهوية تقتصر على الجانب التقنوقراطي، ولا تخرج عن دائرته. إن كان الأمر كذلك بالمغرب، فسوف لن تخرج عن المفهوم "البصراوي" (نسبة إلى إدريس البصري) بخصوص الجهة والجهوية، ومن الخطأ الجسيم الظن أن الجهوية هي تقسيم كعكة على 4أو 6، هذا علاوة على أن المناخ الذي سنعيشه إلى حدود 2010 هو مناخ العولمة والانفتاح، وبالتالي سنكون ملزمين بقوانين خارجية.



حاوره إدريس ولد القابلة

mardi 5 janvier 2010

أمينتو ووراءها الخلية الاستخباراتية الجزائرية (الفرقة 192) مقرها ببن عكنون بالجزائر العاصمة



ذ.عبد الرحمن مكاوي / خبير في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية لـ "الصحراء الأسبوعية"

أمينتو ووراءها الخلية الاستخباراتية الجزائرية (الفرقة 192) مقرها ببن عكنون بالجزائر العاصمة

شكلت نازلة الانفصالية أمينتو حيدر مناسبة أخرى لكشف واقع الدبلوماسية المغربية التي مازالت تعاني من أجل الدفاع عن قضايا المغرب العادلة و المصيرية.
إن المتتبع للدبلوماسية المغربية بخصوص قضية الصحراء، قضية المغرب و المغاربة الأولى، الصحراء المغربية، يلاحظ بسهولة تكرار الأخطاء بشكل فج، بدءا من الصراع حول جزيرة ليلى و الأزمة الدبلوماسية مع السنغال و قطع العلاقة مع فينزولا و طرد السفير الإيراني وصولا إلى نهج التعاطي مع نازلة الانفصالية أمينتو حيدر.
و قد ساهمت تداعيات هذه النازلة إلى حد كبير في كشف جملة من القضايا لم يكن يعلمها إلا النزر من المغاربة رغم أن القضية تهمهم جميعا و تعتبر من أول الأولويات الآنية و الاستراتيجية.
لتسليط بعض الأضواء على خلفيات و انعكاسات هذه النازلة اتصلنا بالدكتور عبد الرحمان مكاوي فكانت الحصيلة كالتالي:


1 - شكلت عودة أميناتو حيدر صدمة للمغاربة، سيما و أنها لم تقدم أي تنازل كما تم الترويج لذلك، فكيف تقيمون هذه النازلة؟

اعتقد ان الدبلوماسية المغربية تقوم بمجهودات لشرح الفخ الذي نصبته الجزائر من خلال دفع أمينتو حيدر الى اتخاذ مواقف و مبادرات معادية للوحدة الترابية المغربية. فالمرأة معروفة بتفننها في الدعاية السياسية المعادية للمغرب ووراءها خلية جزائرية مكونة من ضباط مختصين في التشويش على بلدنا في المحافل الدولية و المعروفة بالفرقة 192 و التي مقرها بن عكنون الجزائر العاصمة.فوزير الخارجية و التعاون المغربي رفع جزئيا الغموض الذي لف عودة امينتو حيدر الى المغرب، الذي كان يهمنا هو : هل دخلت امينتو حيدر بجواز سفر مغربي؟ وهل كتبت اسم البلد الذي تنتمي اليه؟ و ما هي طبيعة الضغوط التي مورست على المغرب لإبرام هذه الصفقة؟. الظاهر ان امينتو حيدر هي التي تنازلت ووقع الاتفاق بتدخل فرنسي قوي في الموضوع، رغم انها ما زالت تكذب ابرام اي اتفاق بينها و بين الدولة المغربية. ان التدخل الفرنسي سحب البساط عن المشروع الجزائري لإقحام المغرب في حرب حقوقية اعلامية عالمية، مخطط كان يهدف الى مطالبة الدول العظمى الدائمة في مجلس الأمن منح اختصاصات الشرطة لقوات الأمم المتحدة في الصحراء (المينورسو) لحماية السكان الصحراويين و تقديم المغرب كدولة مارقة الى الرأي العام العالمي.


2 – هل من شأن تنازل الدولة المغربية عن موقفها الأصلي تشجيع انفصاليي الداخل على المزيد من إحراج المسؤولين المغاربة و المزيد من توريطهم؟

في رأيي الشخصي، ان الخطوط العريضة للمفاوضات التي جرت حول موضوع امينتو حيدر لم تعرف بعد، و لا يمكننا في هذه الآونة الكلام او الحديث عن التنازل او انهزام الدولة المغربية طالما ان المفاوضات كانت سرية تحت رعاية الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كيمون و تدخل عدة أطراف دولية. فالسياسة الخارجية تخضع للإستراتيجية خارجية تخدم مصالح المغرب و امنه القومي، فهي قابلة للمراجعة و التصحيح او التفعيل. فينبغي استقرار السياسة الخارجية و العمل على اصلاحها و صلابتها و تغيير السلوكيات الانفعالية و الغير المدروسة و التي كانت لها في الماضي نتائج سلبية على سمعة المغرب و كرامته، قرارات تحدث أضرارا متعددة و جانبية تمس أمننا القومي و موقعنا في النظام العالمي الذي اصبح قرية صغيرة.


3 - في نظركم، إلى ما يعود الارتباك الواضح في التعاطي الرسمي مع قضية الانفصالية أميناتو؟

لا يمكننا الكلام بمفهوم الارتباك في العلاقات الدولية للأمم، فاتخاذ القرارات تأخذ من أكثر من مصدر و تحتاج لوقت طويل لبلورة موقف رسمي للدولة، الغريب اننا نتكلم عن موقف الدولة و لا نتحدث عن مواقف الأحزاب و المجتمع المدني المغربي في الداخل و الخارج. و لقد سالت في باريز و أنا في المستشفى من طرف صحافيين فرنسيين متسائلين عن عدم تحرك الشعب المغربي لمواجهة هذه الهجمة الاعلامية الجزائرية الممولة من صندوق محاصيل شركة صونتراك. فالكل اصبح يعلم ان الجزائر و البوليساريو فشلتا في الحرب العسكرية ضد المغرب، حرب دامت 15 سنة متواصلة. فمنذ وقف اطلاق النار سنة 1991 قررت المؤسسة العسكرية الجزائرية تغيير منهجية وأدوات المواجهة و اطلقت الحرب الإعلامية و الحقوقية و الدبلوماسية و المخابراتية لمحاصرة المغرب و تصدير العنف الى الداخل، استراتيجية مدعومة من اليسار الأوربي و الأمريكي و الإفريقي، في هذا السياق أوتي بالرئيس بوتفليقة سنة 1999 من امارة ظبي لتطبيق هاته السياسة و هذه الحرب على المغرب.


4 – هل عودة هذه الأخيرة بالطريقة التي عادت بها تعتبر فشلا ذريعا للدبلوماسية و السياسة الخارجية المغربيتين، و على وجه الخصوص نهج التعاطي مع ملف الصحراء؟

اظن ان الخارجية المغربية كان لها اوراقا متعددة لمعالجة هذا الاستفزاز الجزائري منها المقاربة القانونية التي تتمثل في تقديم السيدة امينتو حيدر الى وكيل جلالة الملك بتهمة الإخلال بالنظام او إهانة موظفين او التخابر مع جهاز امني معادي للمغرب الى غير ذلك بكل شفافية و موضوعية و في اطار احترام حقوق الانسان و الحريات العامة، و حتى نظهر امام العالم اننا دولة الحق و القانون نسمح بحرية الرأي و الاعتقاد و نرد بالقانون على كل استفزازات او تجاوزات.

و في هذا السياق، ينبغي المراجعة الضرورية لبعض الجوانب في الدبلوماسية الرسمية سواء على مستوى الكلمة او الصورة او العناصر البشرية، فلو تحرك الشعب المغربي امام سفارات الجزائر او اسبانيا مثلا في مظاهرة مليونية لخافت اسبانيا و الجزائر على مصالحها في المغرب. لذا ينبغي التفكير في احداث لجنة التحقيق يأمر بها جلالة الملك او البرلمان، للوقوف على حقيقة الموضوع و مساءلة المسؤولين عن الأخطاء و الهفوات ان كانت هناك اخطاء. و في هذا السياق، ينبغي تكوين مجلس ملكي للدبلوماسية، يحدد السياسة الخارجية للمغرب و خطط تدبير نزاع الصحراء على المدى القصير و البعيد. مجلس ملكي يضم وزراء خارجية سابقين وأمناء الأحزاب السياسية و اعلاميين ورجال اعمال و حقوقيين و مختصين في العلاقات الدولية و المنازعات الإقليمية، انها خطوة ضرورية حتى يتفادى المغرب في المستقبل كل الأخطاء المجانية التي تخدم مخطط العدو.


5 – في اعتقادكم، ألا يستوجب التراجع عن الموقف الرسمي مساءلة اعتبارا لأن الأمر مرتبط بقضية ذات أولوية الأولويات؟

حقيقة ، ان قضية الصحراء المغربية مسألة ثابتة و ساكنة في قلب الشعب المغربي ووجدانه و يتساءل عن حقيقة ما جرى في غياب المعلومات الصحيحة و في تدخل وسائل اجنبية عالمية في الموضوع و التي هي معروفة بانحيازها الى الأطروحة الانفصالية. فعلى القائمين و المسؤولين على تطبيق القرار السياسي الدبلوماسي الاستراتيجي القيام بمجهودات جبارة لشرح القضية و عدم ترك الخصوم استغلالها لأهداف اخرى كإفشال المفاوضات الغير الرسمية، ينبغي معالجة هذا النقص في التسويق السياسي لمواقف المغرب التي يقف وراءها شعب بكامله. فالمسألة ليست قضية شخص او مؤسسة او وزارة او ...بل قضية الشعب المغربي بأكمله. و ينبغي التعامل مع نزاع الصحراء على هذا الأساس مستقبلا.


6 – كيف تفسرون تغييب نواب الأمة (البرلمان) من هذا الأمر؟

كان على وزير الخارجية و التعاون ان يقوم بشرح الموقف في بدايته امام لجنة الخارجية و الدفاع و الحدود في المجلسين، كما كان عليه ان يعطي اوامره لسفاراتنا في الخارج و خاصة اسبانيا و فرنسا و ايطاليا و الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الاسكندينافية بالتحرك سريعا لشرح السيناريو الجزائري و أبعاده من خلال تحريك الأداة المتمثلة في امينتو حيدر، كما كان على وزير الخارجية ان يلتقي بوسائل الاعلام المغربية و الأجنبية في 24 ساعة الأولى من انفجار المشكل الذي كان متوقعا حدوثه من سنين، لأن المعنية تسعى بكل الوسائل للدخول الى الجنة او الحصول على جائزة نوبل على حساب المغرب و التي تساوي مليون و نصف دولار. فالذي يهمها هو المال أساسا و الانتقام من المغرب من خلال طليقها الذي تشبث بمغربيته.


7 – بخصوص الأحزاب السياسية كيف تقرؤون تبعيتها المستسلمة و إن كان الأمر يهم موقفين متضاربين؟


ان الأحزاب السياسية في المغرب في اغلبها كما هو الشأن في الدول الديمقراطية تتابع القرارات المتخذة في الميدان الدبلوماسي، و في هذا الاطار لوحظ عدم تواصل وزارة الخارجية و التعاون مع هذه الأحزاب طيلة مدة الأزمة، اعتقادا منها انها الوحيدة القادرة على حلها و هذا كان خطأ تكتيكيا و منهجيا عكس ما فعلته الأحزاب السياسية الجزائرية ووسائل اعلامها التي رغم ازمتها مع مصر جندت كل الوسائل في الساعات الأولى من طرد امينتو حيدر الى جزر الكناري.


8 – في هذا المضمار طالب البعض باستقالة وزراء الخارجية والاتصال و العدل اعتبارا لتداعيات قضية أميناتو الموصوفة من طرفهم، بـ " سبة في حق الشعب المغربي و للصحراويين الوحدويين و لأرواح الشهداء"، فكيف تقرؤون هذا الموقف؟ و هل المطالبة باستقالة الوزراء المذكورين مبنية على أساس اعتبارا لكون الوزراء لا يستقيلون عندنا؟

لا ينبغي في نظري شخصنة الأخطاء الدبلوماسية و تحميل المسؤولية الى وزير واحد او قطاع واحد، فالأمر أبعد و أعمق من ذلك لان القرارات الدبلوماسية قرارات سيادية يتدخل فيها العديد من المسؤولين.قد تقع جميع البلدان في اخطاء دبلوماسية او قانونية او اعلامية و لكن الرأي المغربي العام لاحظ في الآونة الأخيرة شح و قلة المبادرات الدبلوماسية للدفاع عن وحدتنا الترابية و كثرة ردود الفعل و نقص في التعبئة الجماهيرية، فالإقالات لا تحل المشكل، فالذي يحل المشكل هو اعادة الاعتبار الى النخبة المغربية المهتمة و المعنية بالشؤون الخارجية للمغرب و تكليفها ببناء منظور و مشروع دبلوماسي حداثي يواكب الانتقال الديمقراطي الذي يقوده الملك محمد السادس. كما ينبغي تفعيل المجتمع المدني المغربي في الداخل و الخارج لمواجهة خصوم وحدة الترابية. ان الشعب المغربي هو شعب الجبارين، قادر على خلق المعجزات و مواجهة كل حصار و كل هيمنة و لا يركعه إلا الله الواحد القهار. فالمراجعة ضرورية بدون تصفية حسابات او شخصنة الملفات.

ذ.عبد الرحمن مكاوي ، أستاذ العلاقات الدولية/جامعة الحسن الثاني و خبير في الشؤون العسكرية و الإستراتيجية

samedi 2 janvier 2010

أسوأ أيام الملك الحسن الثاني



محمد لومة / أحد قدماء مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية
أسوأ أيام الملك الحسن الثاني



محمد لومة أحد قدامى مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، رحل إلى الشرق العربي لتلقي تكوين عسكري متقدم، سيما في تخصص "حرب العصابات"، تخرج من الكلية الحربية السورية في شتنبر 1971، ثم التحق بالعمل الفدائي يحمل معه هاجس تغيير النظام السياسي بالمغرب عن طريق القوة المسلحة.
أجرينا معه هذا الحوار للمزيد من تسليط الضوء على بعض الجوانب المعتمة من عملية الانقلاب الأولى الفاشلة، بوصفه ـ من جهة ـ كاتبا وباحثا تقصى أحداث هذه العملية واتصل بأعضائها المشاركين عن قرب، كما اطلع ـ من جهة أخرى ـ على جملة من الوثائق المتصلة بهذه النازلة.


- أين كنت يوم حدوث انقلاب 10 يوليوز 1971؟


+ مساء هذا اليوم المشؤوم كنت بأحد مرافق الكلية الحربية السورية في مدينة (حمص) حيث تلقيت دراساتي العسكرية للتخرج منها كمهندس عسكري، ففوجئت باقتحام القاعة من طرف مجموعة من الضباط السوريين الذين اتجهوا نحوي وهم يهتفون ببشاشة.. لقد كان هؤلاء القوم على مدى ثلاث سنوات قضيتها هناك، نموذجا للقسوة والصرامة تجاه كافة الطلبة الضباط، الذين سرعان ما أخرجوني إلى ساحة الكلية محمولا على الأكتاف وهم يرقصون ويغنون عاليا:
على دا العونا.. وُعَلى دَا العُونَا... إلخ.. مقطعا من الغنوة الشامية الشهيرة..

ثم أخبروني بعد ذلك بأن الوضع السياسي في المغرب قد تغير.. لم يكن بحوزتي جهاز راديو لمعرفة التفاصيل لكنهم تطوّعوا، فأحضروا الجهاز.. مؤكدين بإلحاح:
- أُولَكْ يا زلمي.. ضَبّْ أغْرَاضَك.. شُو نَاطِر..؟ (يا رجل.. تحرك.. إجمع أغراضك الشخصية)
- وُلَكْ بُكرة بعيِّنوك وزير دفاع.. أُولك خلِّصنا بقى!! (إذا سيعينونك وزيرا للدفاع.. تحرك.. تحرك).
عند الصباح الباكر لليوم الموالي، جاءت العاصفة على لسان قائد الكلية الحربية السورية المقدم ناصر الدين محمد ناصر، الذي سرعان ما أصبح لواء ثم وزيرا للداخلية في سورية.. لقد طلبني باستعجال ليوبِّخني وبعنف شديد قائلا:
- أُولَيكْ الله لا يعطيكم عافية.. أُولك لِيشْ فَشَلْتُو؟
شرحت له الأمر في حدود ما أعرف:
- سيدي.. هادول مُوجَمَاعَتْنَا.. هَادُول مرتزقة حروب في الهند الصينية والكامبودج والجزائر.. إلخ. ومو وطنيين.. ولا قوميين.. وأنا ما إلي علاقة بيهم.
- صرخ في وجهي:
أُولّكْ يا أخي بدِّي أفهم.. هَادُول مُوعَسْكَر؟

أجبت بالتأكيد عسكر.. فعقَّب غاضبا كالإعصار:
- أُولَكْ.. عَسْكَر بَطَاطَا.. أولك 1400 عسكري وبيطلعوا على الفاضي.. اشرح لي كيف صار ها الشيء؟
أمرني بالانصراف لعجزي عن تقديم ما يرغب من معلومات إضافية.. ثم عدت إلى رفاقي.. منتظرا حفل التخرج الذي أقيم تحت إشراف رئيس الجمهورية الفريق حافظ الأسد لأتخلص من هذا الكابوس.. لقد كنت المغربي الوحيد آنذاك في الكلية وكان الجميع يتوجهون لي بالأسئلة والاستنكارات والشجب، كما لو أنني كنت المسؤول الأول عن هذه الحماقة...آنذاك كانت السفارة المغربية في دمشق قد أغلقت بسبب إحراقها، بعد جريمة اغتيال الشهيد المهدي بنبركة في أكتوبر 1965... فبقينا نحن هناك ـ مناضلو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المتواجدون آنذاك بالديار السورية ـ وحدنا المخاطبون على كل المستويات حتى سنة 1971.


- ككاتب تقصيت كثيرا بخصوص المحاولة الانقلابية الأولى واتصلت بالعديد من الأشخاص واطلعت على جملة من الوثائق، كيف كانت الوضعية في قصر الصخيرات قبل الهجوم وبعده؟


+ منذ العاشرة صباحا ليوم السبت 10 يوليوز 1971 وسيارات المدعوين تصل تباعا إلى القصر الملكي بالصخيرات، تحمل ركابا أنيقين، يرتدون حسب التعليمات (البروتوكول) ملابس صيفية خفيفة دون ربطة عنق، أغلبها، عبارة عن قمصان حريرية ذات أكمام قصيرة.

وبينما كان الكاتب والصحفي المعروف بونوا ميشان (Benoit Méchin)، الذي اعتادت مصالح التشريفات دعوته سنويا لحضور هذه المناسبة، متجها إلى قصر الصخيرات عبر الطريق الشاطئية، حيث لاحظ عددا كبيرا من الشاحنات العسكرية المليئة بالجنود تسير في نفس الاتجاه، ولعل أكثر ما استرعى انتباهه أن أغطية الشاحنات كانت مرفوعة وقد بدا كل جندي على متنها ماسكا سلاحه بحزم وهو في وضعية تأهب!

وبحكم تجربة الرجل السابقة في العراق حين سقوط النظام الملكي صيف 1958 والتي عاش فصولها أولا بأول.. بدا له أن الأجواء في الرباط خلال ذاك اليوم غير اعتيادية ورأى أن عليه الإسراع بسيارته للوصول إلى القصر ولو ربع ساعة قبل وصول الشاحنات العسكرية لإنذار الملك من مغبة ما سيقع.. وقد استطاع أن يَعُدَّ لوحده ما عَدَدُهُ (63) شاحنة تحمل مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة ممتدة على حوالي كيلومتر تتحرك بسرعة (في حدود 50 كلم/ الساعة).



- هل تمكَّنَ من إخبار الحسن الثاني بذلك؟


+ رغم أنه استطاع الوصول إلى القصر، لم يتمكن من الوصول إلى الملك، الذي كان يتناول غذاءه حوالي الثانية زوالا رفقة الأمير سلطان بن عبد العزيز والحبيب بورقيبة الابن والأمير مولاي عبد الله وغيرهم من كبار الشخصيات الوطنية والدولية.. كما باءت كافة محاولاته للعثور على الجنرال حفيظ العلوي مدير التشريفات الملكية بالفشل الذريع... فأسلم أمره للقدر.. حيث سيتمكن بعد ذلك في كتاب صدر له بعنوان: (Deux Etés Africains) من رصد كافة أشواط المذبحة الفظيعة التي حدثت هناك.

ذلك اليوم عبر الانقلابيون بشاحناتهم و"جيباتهم" المسلحة شارع الحسن الثاني مخترقين العاصمة، وكان اليوم يوم سبت مما زاد من درجة اكتظاظ المرور، وصولا حتى الطريق الساحلية المؤدية إلى الصخيرات، وعلى جسر وادي "نفيفيخ" قام رجال الدرك الملكي هناك بتوقيف السيارات المدنية لإفساح الطريق أمام موكب "الانقلابيين"، وهذا ما أخر "بونوا ميشان".

كانت الموائد قد مُدَّت وعليها ما طاب من مختلف صنوف الأكل، قبل ذلك استغلت، بعض الشخصيات الفرصة لممارسة السباحة أو الكولف.. والفرق الموسيقية تشنف الأسماع، علما بأن عددا هاما من نجوم الطرب العربي كانوا قد أطّروا الحفل الموسيقي الساهر ليلة قبل ذلك، من بينهم: صباح وفريد الأطرش، محمد عبد الوهاب وعفاف راضي، عبد الحليم حافظ وغيرهم (...).

كانت السحب قد بدأت في الانقشاع عن سماء الصخيرات عندما كانت أفواج الشاحنات العسكرية المسلحة تشق طريقها من بوقنادل إلى الصخيرات، إذ كانت السماء ذلك اليوم مكسوة بغيوم كثيفة منذ الساعات الصباحية الأولى.

ولدى سماع أولى العيارات النارية، تهامس البعض ضاحكين: إنها واحدة أخرى من (مقالب) الأمير مولاي عبد الله.. فقد عوّدنا على مثل هذه المفاجآت؟! فردّ أحد السّفراء ناقما: إذا كان الأمر كذلك فهو أسوأ مقلب يمكن تنظيمه..

وعلى ذكر السفراء، أصيب سفير إحدى دول أمريكا اللاتينية لدى المغرب بالرعب الشديد.. وكان يحمل رتبة جنرال فلم يجد مكانا يختبئ فيه سوى برميل للنفايات (من النوع القديم)، لا يستطيع إيقاف طلقة نارية واحدة من المرور في الاتجاهين معا.. فتأكد فيما بعد لجميع الناس بأنه من نوع جنرالات (الكولف) و(كرة القدم).. وما شاكل!!؟

أما عميد الشرطة بودريس، الذي كان من المكلفين بالأمن الشخصي لصاحب الجلالة فقد لجأ بدوره إلى برميل آخر للنفايات بعد أن أطلق على إحدى قدميه رصاصة من مسدسه الشخصي.. وحينما حاول الناس إخراجه بعد انتهاء هبوب "العاصفة"، وجدوا عناء كبيرا بسبب ما كان عليه الرجل من بدانة مفرطة!.. وجاء من الخدم من سيشهد طواعية بأنه هو من أطلق النار على نفسه.. وذلك تفاديا للإحراج مادام قد خاف وفضل الاختباء عوض القيام بمهمته، لكن ذلك لم ينفعه، إذ سرعان ما تم استبداله بعميد آخر بعد حوالي سنة في نازلة طائرة البوينغ الملكية (727) مساء يوم 16 غشت 1972.

شخصيا، لا أريد العودة إلى ما كتبه كثير من الذين عاينوا هذه المجزرة البشعة.. فللقارئ الكريم الراغب في الإطلاع على المزيد من تفاصيلها العودة إلى مؤلفات عبد الهادي بوطالب وعبد اللطيف الفيلالي وبينوا ميشان وغيرهم. لكنني أريد لفت الأنظار إلى الحالة "الهستيرية" التي كان عليها تلاميذ مدرسة اهرمومو، الذين أُصِيبُوا بالذهول والانبهار.. وهي المشاعر التي سرعان ما تحولت إلى سعار دموي بإطلاق النار في كل اتجاه.. جعل هذه المخلوقات تتحول إلى "قطعان" حقيقية بشعة :

- منهم من انصرف إلى أكل ما لذ وطاب من مأكولات لم يتذوقوها يوما في حياتهم.. للأسف وسط الدم والشظايا والأنين!!

- منهم من شرع في سلب المدعوين أموالهم وساعاتهم اليدوية وحليهم.. إلخ.
ومنهم من وقف مبهورا أمام زرقة البحر، وتناسق المعمار في جنبات القصر مما لم يشهد له مثيلا من قبل، سيما هؤلاء أبناء المناطق الجبلية والصحراوية ممن لم يعاينوا بحرا من قبل... لا بل إن المساعد الأول (خرخاش) أسرع إلى تجميع أنبوب بلاستيكي ضخم يستعمل في سقي ملعب الكولف بالقصر الملكي، وهو يعتزم إحضاره إلى مدرسة اهرمومو.. كما كان يفعل دائما تحت إشراف المساعد عقا.. كما لو أنه هذه المرة جاء في نزهة بسيطة ستنتهي كما بدأت وليس بصدد محاولة انقلابية، دموية، لها ما بعدها!!؟

خلال ذلك اليوم استطاع أحمد رضا كديرة الفِكاك من الفخ، حيث غادر القصر قبل الساعة الثانية زوالا رفقة الملازم الصفريوي، وقد تسبب إطلاق النار عشوائيا في تفكيك مجموعة حلقات المخطط الذي وضعه الجنرال المذبوح، وهكذا بدل أن تنقسم القوات المهاجمة إلى ثلاثة أقسام، أولها لمهاجمة القصر، وثانيها للاستيلاء على هيئة الأركان العامة، وثالثها للسيطرة على مقرات وزارة الداخلية والإذاعة والتلفزة.. بدل ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلم يعد ضباط الكوماندوهات يسيطرون على تلامذتهم، ليغدو السعار الدموي هو سيد الموقف.


- كيف كانت نوعية تسليح "الكوماندوهات" المسلحة؟


+ لقد كان التسليح قويا بل غريبا، في ضوء قواعد التدريب المعمول بها في مدارس مماثلة، ذلك أن عددا كبيرا من التلاميذ –الضباط، كانوا لا يزالون في السنة الأولى من التكوين، يجهلون استعمال السلاح جهلا تاما.. حسب تصريحات أحد قادتهم، الملازم أحمد المرزوقي (قائد الكوماندو 12)..
وكانت هذه الأسلحة – حسب محضر الإدارة العامة للأمن الوطني المؤرخ في 17 يوليوز 1971، والذي حُرِّر بإشراف عميد الشرطة محمد المعزوزي والكابيتان عبد المومن من هيئة الأركان العامة للجيش - عبارة عن:

أ- الأسلحة الثقيلة:
1 مدفع عيار 75 ملم – عديم الارتداء.
1 مدفع هاون عيار 120 ملم.
4 مدافع هاون من عيار 81 ملم.
8 مدافع هاون عيار 60 ملم.
7 رشاشات ثقيلة عيار (12.7 ملم).
- عدد كبير من الرشاشات الثقيلة (A. A. 52) و(29/24-F.M).
ب- الأسلحة الخفيفة (حوالي 1200 بندقية ورشاشة)، منها:
- بنادق: MAS – 36
- بنادق: N.L.G
- رشاشات (MAT -49) و(5-35 D.A)..
- كمية من قاذفات الصواريخ ضد المصفحات والدبابات.
- عدد كبير من مسدسات نوع "بريطا".
- كمية كبيرة من القنابل الهجومية والدفاعية، كما تم استعمال أكثر من 40 شاحنة وناقلة وأكثر من 20 ألف لتر من الوقود وكميات كافية من الغذاء.


- هل تم فعلا استخدام هذه الأسلحة؟


+ لو استعملت هذه الأسلحة في قصر الصخيرات لأدى ذلك إلى هلاك حوالي ألف شخص، ولدُمِّّرت مرافق القصر عن آخرها بقذائف المدفعية وشظاياها.. لكن الأخطر من كل ذلك، أن المقدم امحمد عبابو، أعطى لقواته المسلحة منذ خروجها من بلدة (بوقنادل) الأمر القاطع والصارم بـ

1- رفع أغطية الشاحنات والسيارات العسكرية استعدادا لخوض المعركة.
2- تلقيم كافة أنواع الأسلحة، ووضعها في حالة الاستعداد، باعتبار أن القوات ستدخل "منطقة معادية" عبر المرور بمدينتي سلا والرباط!!؟

فلو حصل اشتباك بين هؤلاء وأية قوة عسكرية أخرى، بين بوقنادل والصخيرات، لكان حجم الخسائر بآلاف الضحايا، سيما وأن بعض تلاميذ مدرسة أهرمومو كانوا لا يزالون "أغرارا"، بمعنى أنهم لم يستوعبوا بعد حمل السلاح والمناورة بالنيران... وهكذا سنجدهم في الصخيرات يطلقون النار على كل ما تقع عليه أعينهم، بل لقد وصلوا إلى حد التراشق بالرصاص في ما بينهم.. كما لو أنها نوع من ألاعيب (عاشوراء)، يا سبحان الله!

لقد سجل المقدم امحمد عبابو على نفسه صبيحة يوم 10 يوليوز 1971 حماقات خطيرة لا تخطر على بال، عرَّض خلالها آلاف الأرواح للخطر الداهم دون أي ذنب اقترفوه.. لا لشيء.. فقط من أجل رغبته في توسيع مجال نفوذه وسلطته.. وهو لا يزال ابن الـ 32 سنة أتى من مدرسة عسكرية نائية، ما كان ليتصور أحد أن تنتقل بقوتها النارية الكبيرة إلى قلب عاصمة البلاد.. أقول.. كان ينوي ضَمِّ مساحة نفوذه من مدير مدرسة عسكرية إلى مساحة الوطن المغربي بكامله... بكل مؤسساته الدستورية والسياسية والنقابية والتربوية..؟!


- بعد أن فشلت المحاولة وتم القبض على زمام الأمور بعد هذه المجزرة الدامية، كيف كانت مواقف الملك الحسن الثاني؟


+ لقد حضر صديقه الملك حسين، مهرولا من عمان، مزودا بما في جعبته من نصائح صارمة.. في ضوء ما عاناه على مدى عام كامل.. بعد أحداث سبتمبر 1970 في عمان ثم اشتباكات جرش وعجلون في يوليوز 1971.. وقد حضر كالمعتاد متمنطقا بمسدسه (سميت إندونسن) وبلباسه العسكري.. ليصر أولا على إعدام كل المتورطين في أحداث الصخيرات.. ولكن الجنرال أوفقير هو من قدم الضحايا وقرر مصيرهم دون تقديمهم للمحاكمة قبل ذلك، وقد تميزت هذه المذبحة أيضا بتصفية حسابات شخصية.. فكان يشرف على إعدامهم باكيا.. كما سيفعل لاحقا صدام حسين في حق قادته من حزب البعث العربي الاشتراكي بإعدام شخص من مستوى عبد الخالق السامرائي.. كما يفعل عادة "التمساح" قبل الانقضاض على ضحيته!!؟

بعد ذلك سيسارع الحسن الثاني إلى إطلاق سراح سعيد بونعيلات وبنموسى الإبرايمي في 15 ماي 1972، ليباشر حوارا مفتوحا مع الكتلة الوطنية التي تشكلت قبل ذلك في يوليوز 1970.

... بالفعل كان المذبوح يسير في نفس الاتجاه، إذ لا خيار له، وقد سار معه الحسن الثاني مكرها، لكن بخطوات، ثقيلة وحذرة.. ستقوده إلى محاولة انقلابية ثانية، لأنه لم يسرع الخطى كما يجب، فاكتفى بالمناورة من وراء حجاب، وهو الرافض دوما لتقديم أية تنازلات من باب الضغط، فكان أن عرض نظامه السياسي بالكامل لأفدح المخاطر بعد ظهر يوم 16 غشت 1972.



- ماذا يمكنك أن تقول بخصوص طريقة القيادة المعتمدة في الانقلاب وتجانسها؟



+ أريد أن أسجل – بداية – بأن كلا الرجلين، المذبوح واعبابو، كانا يقفان الواحد منهما بعيدا عن الآخر على مسافة كبيرة ـ فكرا وتربية ونهجا وتجربة ونضجا كذلك ـ بحكم عدد هام من المعطيات التي تتصل بشخصيتيهما.

فالمذبوح، زاول قبل ذلك مهاما مدنية وعسكرية متنوعة، كان أبرزها توليه عاملا على إقليم ورزازات بعد الاستقلال مباشرة، ثم عمل وزيرا للبريد في حكومة عبد الله إبراهيم المُشكلة في دجنبر 1958.. غير أنه سرعان ما سيقدم استقالته منها، بضغط من الحسن الثاني ولي العهد آنذاك، ضمن محاولة لإسقاط الحكومة.. وكانت الذريعة المقدمة هي الاحتجاج على مضمون البلاغ الصادر عن مؤتمر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في أكادير سنة 1959، والذي فهم منه أنه تضمن قذفا في حق مؤسسة الجيش الملكي.. علما بأن المذبوح لم يكن يحمل سوى رتبة قبطان وقتها، ولم يقدم أي من الجنرالات استقالتهم سوى المذبوح! بعد ذلك شغل منصب عامل على الدار البيضاء.. وقد ارتبط اسمه بالمحاولة (الانقلابية) للحركة الاتحادية في 16 يوليوز 1963، ويقال بأنه سارع إلى الإخبار بها بعد أن سبقه إلى ذلك مصطفى العلوي، ابن شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، وقد جرى التعامل معه في ضوء ذلك كشاهد إبان البت في هذه القضية.

وعلى الرغم من إصدار 14 حكما بالإعدام في حق المتهمين خلال مارس 1964، ظل الفقيه البصري وعمر بنجلون – المحكوم عليهما كذلك بالإعدام في هذه القضية – يذكران المذبوح بكل خير.. وينوهان بنظافته ووطنيته.. وقد أكدا مرارا لرفاقهما في السجن بأن هذا الشخص سيقوم – يوما ما – بعمل وطني كبير!!



- ما هي الأسباب التي دفعت الجنرال المذبوح إلى التخطيط للانقلاب؟


+ إن عددا هاما من المصادر أجمعت على أن من بين أسباب قيام المذبوح بهذه المحاولة الانقلابية اكتشافه، وهو يقوم بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية في مطلع سنة 1971 للتحضير لزيارة الحسن الثاني المقررة آنذاك في شهر أبريل، اكتشف ضمن بعض الوثائق كيف أن أشخاصا نافذين في المحيط الملكي طلبوا رشوة قيمتها (600) مليون سنيتم لتسهيل بناء فندق (شيراطون) بالدار البيضاء، كما اكتشف أن بعضهم يمارس نشاط تهريب المعادن النفيسة.. فعاد من هناك وهو مصمم على فعل شيء لوقف الفساد المستشري في أعلى هرم الدولة.

وسيكتشف الملك الحسن الثاني بعد وفاة المذبوح كيف أنه لم يكن يتصرف في الإكراميات المالية الضخمة التي كان الملك يقدمها له، إذا كان يحتفظ بها ضمن مغلفاتها الأنيقة دون أن تمتد يده إليها لمجرد معرفة المبالغ التي تتضمنها!!؟ دلالة على أن الرجل كان عصيا على قبول مثل هذه الأساليب التي درج عليها النظام لترويض رجالاته وشراء سكوتهم وتواطئهم.

وذات مرة، تلقى الملك الحسن الثاني تقريرا سريا، مضمونه أن الجنرال المذبوح يدبر انقلابا ضده.. وكان وقتها يلعب (الكولف) بملعب دار السلام بالرباط.. فما كان منه سوى أن بعث في طلب المذبوح ليقول له علنا: هل صحيح ما ينسبونه لك في هذا التقرير.. يا مذبوح؟ ثم انصرف إلى رياضته بلا مبالاة، ولم يعد إلى الحديث حول هذا الموضوع أو إثارته من جديد.

أما شخص المقدم امحمد عبابو، والذي لم تمض على ترقيته من كوماندان إلى ليوتنان كولونيل سوى أقل من أربعة أشهر فقد كان رجلا عسكريا بالكامل، لم يعرف له أي نشاط سياسي أو وطني، أو حتى مجرد اتصال بالأحزاب السياسية المغربية طوال حياته، ولكن طموحاته الشخصية كانت لا تعرف أية حدودّ.
فعدا تفوقه في تخصصه العسكري (المشاة) وذكائه وقوة شخصيته وحرصه الدائم على تطوير برامج التكوين العسكري في مدرسته بأهرمومو، وفي ملحقتها بمدينة صفرو، وهي كلها إيجابيات تسجل لصالحه بدون نزاع، لم يعرف عنه أي اهتمام آخر.


- كيف ترى الفرق بين الجنرال المذبوح والمقدم اعبابو؟


+ بكل "موضوعية" ما يجعلنا نعتقد حقا بأن الجنرال المذبوح؛ بقوة شخصيته، واتزانه، ونظافته ووطنيته، قد أخطأ اختيار الرفيق، رفيق الدرب، في شخص امحمد عبابو، والذي تميز مساره المهني بالعديد من الخروقات الفظيعة والممارسات اللا أخلاقية، والتي يمكن إيجازها في ما يلي:

أولا: للتجاوب مع طموحاته العسكرية الواسعة، سعى اعبابو، وهو لا يزال في رتبة رائد (كوماندان) إلى رفع تعداد التلاميذ في مدرسته من 300 إلى 1.000 ثم إلى 1.500 تلميذ، دون موافقة المكتب الثالث لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، والذي كان له حق الإشراف على كافة مؤسسات التكوين العسكري في البلاد، بتخصصاتها الجوية والبرية والبحرية.

وللتغلب على المشاكل المادية الكثيرة المتعلقة برفع طاقة المؤسسة إلى أضعافها من حيث المرافق والتجهيزات والتغذية.. إلخ.. لجأ الرجل إلى تكوين (كوماندوهات)، خاصة من ضباط وضباط صف المؤسسة، تحت إشراف مساعده (عملاق الحرب العالمية الثانية) المساعد الأول أمهروش عقا.. فقد كانت هذه المجموعات تقوم – وهي بكامل أسلحتها وتجهيزاتها وشاحناتها - بالسطو ليلا على ممتلكات المواطنين من: مواد البناء وتجهيزاته ومعداته الغالية الثمن والمواد الغذائية والمواشي والأغنام ومواد التجهيز والسيارات والشاحنات والغلال.. إلخ.

وبالتأكيد ساعدت أعمال "البَلْطَجَة" هذه في بناء مرافق جديدة بالمدرسة، والتزود بتجهيزات حديثة من مسابح وملاعب (...)، غير أن بعضها "صُبَّ" في حساب المدير، بحيث غدا في ظروف وجيزة مالكا لفيلا فخمة بمكناس ومؤسسة فندقية ومقهى بنفس المدينة، ولضيعة فلاحية مع عدد من القطع الأرضية، ناهيك عن سيارتين... إلخ ولم تمض على ذلك بعد خمسة عشر عاما على التحاقه بالجندية!!؟
ثانيا: أصبح الرجل عند تكوين "بطانة" من الأتباع الطيعين الذين لا يعصون له أمرا، يستغل الطابع العسكري الصرف لمؤسسته، وذلك في أفق الاستعانة بهم في تنفيذ "مشاريع" مستقبلية على مقاسه الخاص!!

ثالثا: درج كذلك، رغم أنه متزوج وله أبناء، على استقبال صديقاته داخل المدرسة وعلى تنظيم الولائم الباذخة للضباط الكبار بما لم يكن يتلاءم مطلقا مع مستوى عيش وتغذية تلاميذ المؤسسة آنذاك؟!
كما أن أساليبه في "البَلْطَجَة" وصلت حد الاعتداء على المقابر، فحسب روايات بعض الضباط، أمر ذات مرة بهدم قبور اليهود في مدينة صفرو، للاستفادة من أخشابها في أعمال البناء بمدرسته

!!
فأية روابط فكرية أو سياسية أو مسلكية يمكن أن تجمع بين كل من الجنرال المذبوح والمقدم امحمد اعبابو؟!

بالتأكيد، الفروقات كانت فادحة، وقد أدت بالطبع إلى مصرعهما معا في نفس اليوم وبطريقة شاذة، كما لو كانا من لصوص المواشي (كاوبوي).

أما باقي الضباط الانقلابيين ممن جرى إعدامهم يوم 13 يوليوز 1971، والذين لم يتم "إقناعهم" بالانضمام إلى الحركة الانقلابية الجديدة، سوى بعد الساعة الرابعة ظهرا من يوم 10 يوليوز 1971، فقد كانوا قبل هذه الساعات يتحدثون (بالفَمِ المليان) عن الانقلاب، وضرورة التغيير!! وكانوا يمارسون ذلك في محلات عمومية مفتوحة كبارات (كيوم تيل) و(لاكوميدي) بالرباط، وحانات مماثلة في القنيطرة ووجدة والدار البيضاء.. إلخ.. بمعرفة كافة الأجهزة الأمنية.

.. هؤلاء الانقلابيون أيضا كانوا على جانب كبير من الفساد والانحلال والتهتك، وما من شيء يجمعهم بالجنرال محمد المذبوح.

.. شخص واحد أعدم ظلما وعدوانا بسبب انتفاء أية علاقة له بهؤلاء، هو المناضل الكبير الكوماندان إبراهيم المانوزي، أحد قادة هيئة أركان جيش التحرير المغربي إبان الخمسينات، الذي وصلت قواته ذات يوم من سنة 1957 إلى منطقة (أطار) الموريتانية، بعد أن نجحت في دك معاقل الإسبان بكل من طاطا وفم الحسن وكولميم حتى شمال موريتانيا وتندوف... وكثيرا ما كان أخوه المرحوم سعيد المانوزي يطلعني على خرائط حربية تخص تلك المرحلة.

هذا الضابط الوطني الكبير، كان الجنرال محمد أوفقير يتوعده بالتصفية قبل ذلك، ولم يستطع الزج به في معتقل دار المقري إلى جانب الهاشمي الطود وعمر غاندي والفقيه البصري وبولحية الطاطي (اعتقالات يوليوز 1963)، إذ ظل يترصده حتى قامت أحداث يوليوز 1971، فبعث في طلبه للاعتقال، وكان حينذاك بلباس النوم في بيته وبين أولاده، مع أنه لم يكن له أي اتصال بهؤلاء القوم.. لسبب بسيط هو أن معظم هؤلاء الضباط، كانوا في صفوف اللفيف الأجنبي كمرتزقة منذ الحرب العالمية الثانية، وكانوا في سلوكهم وأخلاقهم على النقيض من شخصية إبراهيم المانوزي ووطنيته العالية، مما كان يثير أحقاد أوفقير تجاهه، فظل ينتظر الفرصة، لكنها جاءت غير ملائمة هذه المرة لتصفية حساباته الإجرامية.. غير أنه سرعان ما سيقتل هو أيضا (ككلب حقير) بخمس رصاصات غادرة، على حد تعبير ابنه رؤوف أوفقير، والذي وصف الحادث رسميا على أنه انتحار تلقائي، حسب بلاغ وزارة الداخلية آنذاك (17 غشت 1972).
الجنرال المذبوح إذن وضع بيضه كاملا في سلة (فاسدة) و(متهورة) فكان ما كان.. والأخطر من كل ذلك، لم يباشر اتصالاته برفاقه الاتحاديين القدامى، الذين كانوا ينتظرون منه هذه المبادرة، بل لقد كانوا يبشرون بها بين أنصارهم.

فهل الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد آنذاك كان لا يستحق عناء التنسيق مع اليسار وقتئذ؟
وهل مجرد إصدار التعليمات بإطلاق سراح (170) مناضلا اتحاديا من سجن بولمهارز بمراكش وتلكؤ العامل عن تنفيذ هذه التعليمات، هل كان ذلك كافيا لحماية وتطوير ودعم الحركة الانقلابية الجديدة؟


- ماذا تقول عن الموت المبكر للجنرال المذبوح؟


+ لقد أخبرني بعض الضباط الذين شاركوا ضمن هذه التجربة المريرة، وأفلتوا من جحيم (تازمامرت)، بأن تأخر وصول تلامذة (أهرمومو) ومدربيهم إلى قصر الصخيرات في الوقت المحدد، قد وتر أعصاب المذبوح، وجعل الشكوك تراوده بخصوص احتمال قيام اعبابو بالوشاية به إلى الملك، لذلك سارع إلى إرسال شخصين لمقابلة اعبابو (وهو لا يزال في طريقه إلى القصر) لتبليغه أمر التأجيل، وضرورة متابعة طريقه نحو ابن سليمان لتنفيذ المناورة وكأن شيئا لم يكن، مؤكدا له: لقد تجاوزت التوقيت الزمني المتفق بشأنه ومن الأفضل تأجيل العملية إلى وقت آخر.

غير أن اعبابو بدوره – والذي قضى الأيام الأخيرة بلياليها في التحضير لهذه العملية – فاض به الكأس، إذ لم تمر سوى بضعة أسابيع على تأجيل العملية السابقة ليوم 14 ماي 1971، والتي كان قد حشد لها 15 كوماندو مسلح.. قد شك بدوره في أن يكون المذبوح قد وشى به، فقرر متابعة التنفيذ مهما كلف الأمر.


- ما هي التعليمات الأصلية التي أوصلها الجنرال المذبوح إلى اعبابو قبل بعث توصيات التخلي عن المحاولة؟


+ كانت تعليمات الجنرال المذبوح إلى اعبابو تنص بدقة على ما يلي:

- الحرص على الوصول إلى البوابة الغربية لقصر الصخيرات على الساعة الواحدة زوالا (أي قبل الشروع في وجبة الغذاء).
- الحرص على عدم إطلاق النار.
- الشروع بمجرد تطويق القصر في اعتقال كافة الحاضرين، مع الاستعانة بمكبرات الصوت لدعوة الجميع إلى رفع الأيدي عاليا والاستسلام بدون قيد أو شرط.
- مباشرة عملية فرز الأشخاص المعتقلين ، لتقسيمهم إلى ثلاثة مجموعات:


أ‌- المجموعة الأولى (والتي ينبغي إعدامها فور الاتفاق في عين المكان بين المذبوح واعبابو) وتتألف من: - الملك الحسن الثاني – ولي العهد – الأمير مولاي عبد الله – الجنرال الغرباوي – الكولونيل أحمد الدليمي – إدريس السلاوي مدير الديوان الملكي – الجنرال البوهالي الماجور العام للقوات المسلحة الملكية.
ب‌- المجموعة الثانية: وتتألف من جميع أعضاء الحكومة والجنرالات الحاضرين، وهؤلاء يتم سوقهم إلى هيئة الأركان العامة بالرباط لتحديد مصيرهم لاحقا.. واحدا.. واحدا.
ج - المجموعة الثالثة: وتتألف من باقي المدعوين، مغاربة وأجانب، والذين سيجري الإفراج عنهم بعد تنفيذ ما سبق ذكره.

.. وهكذا ما كاد أن يتقابل الرجلان – المذبوح واعبابو – حتى بدأ هذا الأخير يصرخ عاليا: وَافَايْن هُوّا (...) وسير خرّجُو لعندي.. وأنا راه غادي نبيع جلدي غالي.. إلخ (علامة على تدهور عنصر الثقة بين الرجلين)!

وبينما كان المذبوح، يذهب ويجيء بين مكان وجود الملك واعبابو، عسى أن يحل الإشكال بطريقة أو بأخرى، كان عبابو يزداد هياجا، وسط إطلاق الرصاص والرمانات اليدوية لمجموعاته، وكان يصيح:
- اقتلوا الخونة.. اقتلوا الخونة.. وعاش الملك!!؟

في هذه الأثناء، رفض الملك الخروج وطالب المذبوح بإحضار عبابو أمامه لاستفساره عما يطلب، كما رفض اعبابو التوجه لمقابلة الملك بدون رجاله وفيهم مساعده العملاق عقا.. وبينما كان الدكتور بنيعيش – الطبيب الخاص للملك – يقوم بإحضار رشاشة حربية للملك من غرف النوم، وكانت قد أهديت له قبل ذلك من طرف إحدى الشخصيات الأجنبية، شك اعبابو في الأمر وطالب بنيعيش بتسليم السلاح فورا، غير أن بنيعيش كان قد دخل في حوار مع الجنرال المذبوح، وهنا جاءت صلية من الرصاص (Rafale) على يد أحد التلاميذ ـ الضباط في اتجاه كل من المذبوح وبنيعيش ليسقطا معا.. أمام أنظار اعبابو والقبطان الشلاط والمساعد الأول عقا، وهنا توجه اعبابو نحو جثة المذبوح معلقا بالفرنسية:

Oh, Mon oncle, C est dommage pour vous, général Medbouh))، ويضيف المقدم محمد عبابو في محضر استنطاقه بعد اعتقاله: (... ولقد علمت من خلال ضابط الصف الذي هرب معي بأن المذبوح مات أمام أعين الجميع، ذلك أنه لحظة قيام امحمد اعبابو بإعطاء الأمر لأحد تلاميذه بإطلاق النار على الدكتور بنيعيش، كان هذا الأخير وقتها يتناقش مع المذبوح وهو ملتصق به.. فأصيبا معا برصاصات قاتلة).

وحيث أن القائد العام للعملية الانقلابية الجنرال المذبوح قد قتل منذ الساعة الأولى للانقلاب، اتجه اعبابو باحثا عن الكولونيل الشلواطي لتكليفه بقيادة الحركة الانقلابية من خلال إقناع باقي الجنرالات بالانضمام إليها.. وهو ما سيباشره فعلا لدى التحاقه بالقيادة العامة للجيش.

غير أن طريقة التراشق بالنيران في القيادة العامة، ما بين الجنرال البوهالي والمقدم اعبابو كانت على شاكلة تراشق سراق المواشي (الكاوبوي) على الطريقة الأمريكية..، حيث أدى ذلك إلى مصرعهما في الحال ثم استسلام حوالي مائتين من تلامذة المدرسة، ليلا بالقرب من الإذاعة، وما أعقبه بعد ذلك من إطلاق النار عليهم بعد تسليم أسلحتهم، مما سيؤدي إلى مقتل حوالي 113 تلميذا فورا.. كل ذلك، أدخل الحركة الانقلابية في عنق الزجاجة كما يقولون وأغرقها في الدماء التي لا مبرر لها، إذ تكد تنتصف ليلة هذا اليوم الأغبر في تاريخ المغرب المعاصر، حتى كان باقي الانقلابيين الأحياء يبحثون عن التخلص من أسلحتهم وملابسهم العسكرية، بحثا عن ملاذ آمن بعد كل الذي شاهدوه من مناظر فظيعة، وما ينتظرهم من مصيرمظلم.


- في ضوء تجربتك السابقة، واحتكاكك المباشر بعدد من التجارب الانقلابية في المشرق العربي، كيف تنظر لأحداث 10 يوليوز 1971؟


+ في تقديري، ما حدث بالصخيرات ثم الرباط طوال يوم 10 يوليوز 1971 لا يمكن أن يرقى إلى مجرد مناورة عسكرية بسيطة من طرف أحد جيوش البلدان المتخلفة كجمهورية إفريقيا الوسطى أو النيجر على سبيل المثال.. أؤكد لكم أن ما حدث هنا لا يرقى لمجرد مناورة عسكرية بسيطة، نظرا لهمجيته، وبدائيته وتهوره وافتقاده إلى الحد الأدنى من التنظيم، بكلمة واحدة، هو عمل "رعاع" لا أقل ولا أكثر.

فكما هو معلوم، تميزت الفترة التاريخية من 1965 إلى 1975 بظهور عدد من الانقلابات العسكرية، سيما في أقطار أمريكا اللاتينية وإفريقيا، حيث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر سوءا وتأزما.. كان ذلك هو الإطار العام لهذه الانقلابات.
لكن يجب التقرير هنا بأن بعض هذه الحركات الانقلابية كان ذا طابع تقدمي، باعتبار ما حصلت عليه من دعم جماهيري عريض آنذاك.. بينما كان بعضها الآخر – وهو الأغلب – ذا طابع (أوليغارشي) عسكري ضيق، لا يروم في الحقيقة سوى الاستيلاء على السلطة بحد ذاتها.. بمنافعها..وامتيازاتها.. ولم تكن السلطة عند (ثوارها) أداة محورية لمباشرة التحولات العامة التي كان يستدعيها بإلحاح تصحيح أوضاع هذه الأقطار.

فأن تلجأ حفنة من الأشخاص لا تتعدى أصابع اليد الواحدة إلى التآمر، في بلد كالمغرب، حيث النسيج السياسي والنقابي والتربوي أكثر متانة بالقياس مع كل الأقطار الإفريقية والعربية المجاورة، أن تلجأ هذه الحفنة إلى استخدام أكثر من (1400) جندي وضابط دون مصارحتهم مطلقا بطبيعة (المهمة) ولا أن يتم تأطيرهم جيدا لتنفيذها، ولا أن يضبطوا بينهم المهام تفاديا للالتباس والخلط وسوء النية.. إلخ.. أن يجري كل ذلك، بهذه الدرجة من التهور والشراسة والجهل والرعونة، لهو عمل في منتهى الحماقة والوحشية!
فحتى ساعة وصول القوات المهاجمة إلى بلدة (بوقنادل) كانت المهمة الرئيسية المحددة في أذهان الجميع هي المشاركة في مناورة بالذخيرة الحية في منطقة ابن سليمان، هذه المهمة التي كان من المفروض أن يقوم بها أحد أفضل ألوية القوات المسلحة، ولكن المقدم اعبابو (كما أكد لتلامذته وضباطه في الجمع العام التحضيري ليلة 9/07/ 1971) استطاع أن يقنع القيادة العليا للجيش بأن مدرسته تستطيع أن تقوم بذلك على نفس الدرجة من القوة والاقتدار والنجاح.. كما صرح بذلك وأكد.

وعندما توقفت القوات المهاجمة في بوقنادل لاستجماع القوى، وتحديد المهام على أيدي من أسماهم المقدم اعبابو بالقيادة الميدانية (المتقدمة)، تأكد في ما بعد بأن هؤلاء الضباط الذين أحضرهم إلى بوقنادل بلباس مدني، إنما أحضرهم لمعاينة ضيعة فلاحية يعتزم شراءها هناك! وأن يطلب نصيحتهم.. على أن يتجهوا بعد ذلك لحضور حفلات القصر الملكي بالصخيرات!!

خلال هذا اللقاء، سينقل المقدم اعبابو خطابه إلى السرعة القصوى في مخاطبة ضيوفه وضباط مجموعاته المسلحة، إذ لأول مرة سيستعمل عبارات جديدة ذات علاقة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لم تكن لتجري على لسانه قبل ذلك على الاطلاق.

لقد "تحايل" على الجميع، ليجمعهم هنا في بوقنادل وهو يخطب فيهم خطبة أشبه بخطبة طارق بن زياد، وبين أيديهم قوة نار هائلة مع خواء فكري فظيع وارتباك وفوضى قياسيين.


- ماذا قال اعبابو في بوقنادل؟


+ قال : (.. لقد جرى اختياركم من طرف القيادة العليا للجيش للمشاركة في مهمة خطيرة، وقد وقع عليكم الاختيار لأنكم بالفعل تستحقونه، إنكم تعلمون جميعا الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية لبلادكم.. يجب إنقاذ هذه البلاد.. لقد آن الوقت لذلك.. يتوجب علينا جميعا الهجوم على قصر الصخيرات هذا اليوم ما بين الساعة 13 و 14 .. وستشارك قوات عسكرية أخرى في تنفيذ هذه المهمة!! وبالتالي نحن لسنا لوحدنا!! ولن نكون كذلك... إن هناك عناصر متمردة تهدد سلامة صاحب الجلالة ويتوجب علينا القضاء عليها بدون تردد...).


ثم أمسك بقضيب خشبي ليرسم أمام الضباط المتحلقين حوله مخططا عاما للمعركة المقبلة، محددا بدقة بنايتين رئيسيتين داخل القصر، رسم بينهما خطوطا حربية معروفة لدى العسكريين، مؤكدا أن المعركة قد بدأت وعلى الجميع الالتحاق بوحداتهم ورفع أغطية الشاحنات وتلقيم الأسلحة بمختلف عياراتها والتحرك منذ تلك اللحظة على أساس أن القوات أصبحت ضمن وسط معاد يتوجب اتخاذ أقصى الاحتياطات تجاهه، وبالتالي فإن إطلاق النار ستصبح عملية تلقائية منذ تلك اللحظة، لا تحتاج إلى تذكير أو تجديد الأوامر..

أما بخصوص الضباط (بلباس مدني) الذين أحضرهم عبابو لبوقنادل، فقد فعل ذلك تبعا لتعليمات الجنرال المدبوح، حتى يشجع أكثر تلامذة أهرمومو وضباطهم، فقد كان هؤلاء (الضيوف) يمثلون مختلف قطاعات الجيش، وبالتالي فإن إحضارهم كان بمثابة عملية ذات مغزى كبير. وهؤلاء الضباط هم المقدم القادري والكوماندان المالطي والكوماندان المنور والكوماندان بريكي والكوماندان رياني (صهر المذبوح) والكوماندان حريشي والكوماندان ميلس.

ومما تقدم، أستطيع التأكيد لكم بأن ما حدث لا يخرج عن نطاق حركة (الرعاع) التي لا يجمعها جامع، غير الرباط الحديدي الذي ربى عليه المقدم امحمد عبابو تلامذته وضباطه على حد سواء، والذي وصل حد الطاعة العمياء، فتحول الأمر خلال ساعات قلائل إلى إعصار مدمر، فتك بأرواح أكثر من مائتين وخمسين شخصا وتسبب في جرح وإصابة المئات وإلحاق أفدح الأضرار بالممتلكات الخصوصية والعمومية.

فما كنت أظن أن الجنرال محمد المذبوح ستصل به السذاجة السياسية والتهور العسكري إلى هذا الحد، ومهما حصل فقد كان المسؤول الأول والأخير عن كل هذه المأساة، وكان من قبيل المستحيلات أن تمر هذه القوة الكبرى عبر تراب عدة أقاليم، بسلاحها الكامل وذخيرتها ووقودها وتغذيتها دون موافقته الشخصية، باعتباره رئيسا للديوان العسكري لصاحب الجلالة، وسيكتب له أن يكون من أول ضحايا هذا التهور لتبقى جثته ثلاثة أيام في عز الصيف بدون دفن قبل القيام بإحراقها، ثم ليحرم من مجرد قبر كباقي المسلمين.


- وماذا عن الموقف الليبي الرسمي من هذه الأحداث؟




+ لقد جاءت هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة لتؤكد طبيعة التوجه السياسي العام لنظام العقيد القدافي، والذي كثيرا ما أبلغ قادتنا في التنظيم السري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ انقلابه الشهير في فاتح سبتمبر 1969، بأنه لا يثق مطلقا في قدرة الحركة التقدمية المغربية على إسقاط النظام الملكي وإبداله بنظام جمهوري على الطريقة الناصرية، وكان ينصح قادتنا بالاعتماد على قوات الجيش النظامي المغربي إذا هم أرادوا الحصول على نتائج طيبة.

والغريب أن نظام العقيد القدافي حتى بعد أن صار يدعمنا، بتخصيص برنامج إذاعي دائم، كان عبد الرحمان اليوسفي يكتب افتتاحياته بانتظام، وحتى بعد أن فتح في وجوهنا معسكرات التدريب على السلاح وبعد أن أصبح يقدم لقادتنا الأموال والأسلحة، كان دائما ينصحهم بالتعاون مع الجيش المغربي في الداخل مهما كانت عقليته وتركيبته وميوله، إن هم أرادوا نتائج إيجابية!

فمنذ الساعات الأولى للمحاولة الانقلابية الفاشلة لـ 10 يوليوز 1971 انطلقت الإذاعة الليبية في بث بلاغات التهنئة والتبريك، بل لقد أجرى العقيد القدافي - حسب ما نشرته وثائق الخارجية الأمريكية والبريطانية مؤخرا، وحسب ما ذكره الملك الحسن الثاني نفسه في كتابه (ذاكرة ملك)، أجرى القدافي اتصالا هاتفيا بالرئيس الجزائري هواري بومدين طالبا السماح لقواته الجوية والبرية باستعمال الأراضي والأجواء الجزائرية للمرور إلى المغرب لدعم الانقلابيين.. وهكذا أرسل ضابط المخابرات الليبية الرائد عوض علي حمزة، إلى الجزائر على جناح السرعة، لمتابعة تنسيق هذه العمليات، غير أن الرفض القاطع للهواري بومدين أفشل مسعى إرسال حوالي (12) ألف جندي ليبي إلى المغرب لدعم الانقلاب.

ورغم إعلان فشل الانقلاب ظلت الإذاعة الليبية تواصل بث بلاغاتها الداعمة للانقلابين، بينما
المغرب الرسمي من جهته رد بتطويق مقر السفارة الليبية في الرباط ثم وضع كافة العاملين بها في الإقامة الإجبارية، واضطر في وقت لاحق إلى قطع كل الاتصالات الهاتفية عن السفارة.

وهذا ما كشفته وثائق الخارجية البريطانية المنشورة حديثا، بعد مرور أمد التقادم القانوني ضمن الملف رقم (FCO 39 - 884)، والذي تضمن الكثير من الوثائق الدامغة في هذا الاتجاه.
وسيقترح الجنرال محمد أوفقير من موقعه الجديد كوزير للدفاع، بعد إخماد فتنة الصخيرات، على الملك الحسن الثاني في أكادير، فكرة القيام بإسقاط طائرة العقيد القدافي انتقاما من تورطه في دعم الانقلابيين لصيف 1971.. وسيتذكر الملك هذا الاقتراح باستغراب شديد.. مباشرة بعد تورط الجنرال أوفقير في محاولة إسقاط طائرته مساء يوم 16 غشت 1972!!؟




2008-07-10
عبد الرحمان بن عمرو/ فاعل سياسي وحقوقي
المدخل الذي يمكن أن يتابع على أساسه حميدو لعنيكري هو المشاركة في الاعتداء بالضرب والجرح على أشخاص معينين

قبل الأستاذ عبد الرحمان بن عمرو، نقيب المحامين سابقا، الترافع في قضية مقاضاة التنسيقية الوطنية للأطر العليا المعطلة للجنرال حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة على خلفية التدخلات العنيفة للقوات المساعدة، المقترفة في غضون شهر مايو الأخير، وفي هذا الإطار أجرت معه "المشعل" حوارا لمحاولة الإجابة على التساؤل التالي :"هل حان الوقت لمساءلة ومحاكمة لعنيكري؟"، فكانت الحصيلة كالتالي:



- في نظركم، كرجل قانون وسياسي متتبع لما يجري بالمغرب منذ سنوات، هل مقاضاة الجنرال حميدو لعنيكري وشخصيات من عياره ممكنة في الظروف الحالية؟

+ من الوجهة القانونية، فإن أي مسؤول مهما علت درجته، يمكن تقديم شكوى ضده ومتابعته تأديبيا وجنائيا بسبب الجرائم المنسوبة إليه، وذلك سواء كان مساهما أو مشاركا فيها، ومن بين أنواع المشاركة في ارتكاب الجريمة إصدار الأمر بارتكابها أو التحريض على ارتكابها.. أو تقديم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل الجرمي مع علمه بأنها ستستعمل لذلك.
إلا أن هناك عراقيل قانونية وأخرى عملية قد تحول دون متابعة حميدو لعنيكري وأمثاله من المسؤولين الكبار أو ممن هم أعلى منه أو دونه.
ومن بين العراقيل القانونية ما يسمى، تجاوزا، بـ "الامتياز القضائي" وحقيقة "قواعد الاختصاص الاستثنائية"، وهي القواعد المنصوص عليها في المواد 264 إلى 268 من قانون المسطرة الجنائية (م.ج).
وباختصار كبير، وارتكازا على هذه المواد، إن المسؤولين الكبار، لا يتقرر إجراء البحث التمهيدي معهم من قبل الضابطة القضائية، وإنما يتقرر إجراء التحقيق معهم بناء على قرار يصدر بحسب مركز المسؤول المنسوب إليه ارتكاب الجريمة، فيصدر:
- إما من الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى بناء ملتمس من الوكيل العام للملك بنفس المجلس، وفي هذه الحالة يجري التحقيق معهم من طرف عضو أو أكثر من أعضاء الغرفة.

- أما بالنسبة لدرجات أخرى من المسؤولين، فإن التحقيق معهم، فيما ينسب إليهم من جرائم، لا يمكن أن يباشر إلا بقرار من الغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى وبناء على ملتمس من الوكيل العام للملك به، ويتم التحقيق معهم من قبل قضاة التحقيق والمستشارين المعينين من طرف الرؤساء الأولين لدى محاكم الاستئناف المحال عليها ملفات المطالبة بفتح التحقيق.
- أما بالنسبة لدرجات ثالثة من المسؤولين، فإن التحقيق لا يمكن أن يباشر بالنسبة لهؤلاء إلا بقرار يصدره الرئيس الأول لدى محكمة الاستئناف بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة والذي يعين فيه قاضي التحقيق أو المستشار الذي سيباشر التحقيق..
والعرقلة الثانية التي قد تحول دون فتح التحقيق في مواجهة المذكورين، وبالتالي متابعتهم وإحالتهم على المحاكم المختصة للبت في المتابعة، هي كون الأمر بإجراء التحقيق هو مسألة تقديرية في يد الجهاز القضائي المخول له ذلك الأمر، الذي يعني بأنه في حالة رفض استجابته لملتمس النيابة العامة بفتحه (هذا إذا ارتأت النيابة تقديم الملتمس)، فإن الرفض المذكور غير قابل للطعن فيه.
أما العراقيل العلمية، فمن بينهما :
أن القضاء بمختلف درجاته، غير مستقل واقعيا عن السلطة التنفيذية، ومن مظاهر عدم هذه الاستقلالية بقاء الأغلبية الساحقة من الشكايات المقدمة إلى النيابة العامة من قبل ضحايا الجرائم المرتبطة من طرف أجهزة السلطة والقوات التابعة لها، الظاهرة والسرية، بدون فتح تحقيق وبالتالي بدون متابعة جنائية، الشيء الذي يؤدي إلى الإفلات من العقاب، هذا مع العلم أنه من الناحية القانونية، فمن واجب النيابة العامة، وبكيفية تلقائية، فتح الأبحاث والتحقيقات في الجرائم المرتكبة كيفما كان مصدرها ونوعها وصفة مرتكبيها، لكن ما يقع من الناحية الواقعية، هو أن النيابة العامة لا تأمر بإجراء الأبحاث والتحقيقات في الجرائم المرتكبة من طرف رجال السلطة والأجهزة التابعة لها، وعندما تصل إليها شكايات ضد هؤلاء من طرف ضحاياهم، تحفظها معللة حفظها بعدم وجود الحجج الكافية حسب الأبحاث والتحريات التي أجرتها أو أمرت بإجرائها، كما أن مظاهر عدم استقلال القضاء، سواء قضاة النيابة العامة أو قضاة التحقيق أو قضاة الحكم، هو عدم الاستجابة إلى جميع طلبات ودفوع ضحايا الجرائم المرتكبة من طرف أجهزة السلطة التنفيذية ومسؤولييها مثل طلبات الاستماع إلى شهودهم وإجراء الخبرات الطبية وغير الطبية والقيام بإجراء المعاينات...


- ما هو مدخل مسؤولية حميدو لعنيكري، من الوجهة القانونية فيما وقع؟

+ المدخل الذي يمكن أن يتابع على أساسه حميدو لعنيكري هو المشاركة في الاعتداء بالضرب والجرح على أشخاص معينين في تاريخ معين ومكان معلوم، وإن ذلك يتطلب إثبات ما يلي
- أنه (لعنيكري) أمر القوات العمومية التي تحت إمرته باستعمال العنف ضد المجموعة المذكورة.
- أو أنه كان على علم مسبق بأن القوات العمومية التابعة له لن تستعمل الأسلحة التي تحملها في مواجهة المحتجين ومع ذلك سمح لهم بحملها.
- أو أنه بلغ إلى علمه بأن القوات التابعة له ستستعمل الأسلحة التي بيدها ومع ذلك لم يتدخل لإيقاف الاستعمال ولنزع تلك الأسلحة المستعملة بدون حق ولا قانون.
إن إثبات ما ذكر يتم عن طريق الاستماع إلى الضحايا وشهودهم وإلى حميدو لعنيكري وأفراد القوات المساعدة المستعملين للسلاح والمستخدمين للعنف، وإلى غير ذلك من القرائن والحجج.


- هل هناك أفعال جرمية أو تجاوزات تم اقترافها في حق الأطر العليا المعطلة؟ وكيف يمكن تكييفها من الناحية القانونية؟

+ إن تكييف الأفعال الجرمية من الناحية القانونية متوقف على معرفة نوع هذه الأفعال وظروف ارتكابها، وحسب القانون الجنائي الجاري به العمل، فإن هناك على الأقل سبعة أنواع من الجرائم (جنايات وجنح) بالإضافة إلى أنواع معينة من المخالفات من قبيل تلك المقترفة ضد أمن الدولة أو الماسة بحريات المواطنين وحقوقهم أو التي يرتكبها الموظفون أو الأفراد ضد النظام العام أو ضد الأمن العام...


- في نظركم، هل سيقبل القضاء هذه الدعوى، علما أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سبق لها وأن رفعت دعوى مماثلة فتم إقبارها؟

+ كما أشرت إلى ذلك أعلاه، فإن القضاء المغربي بصفة عامة، لا يتحمل مسؤولية في مواجهة الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها الأجهزة الأمنية، العلنية والسرية، في مواجهة المواطنين، مع بعض الاستثناءات القلية التي تؤكد القاعدة العامة، والأمثلة كثيرة في هذا الخصوص، لا تعد ولا تحصى، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر الشكاية التي سبق أن رفعتها الجمعية المذكورة وأعضاء منها ضد حميدو لعنيكري ومن معه، وانتهت بالحفظ من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط.


- استنادا إلى ما وقع أمام البرلمان أكثر من مرة وبمدينة سيدي إفني وقبلها مدينة صفرو، هل يمكن اعتبار تجاوزات عناصر القوات المساعدة من قبيل انتهاكات كبرى لحقوق الإنسان وحقوق المواطن؟

+ إن كل الجرائم المعاقب عليها بصفة قانونية وشرعية على المستوى الوطني والدولي والتي تحرمها المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، تعتبر خرقا وانتهاكا لحقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، وتبعا لذلك فإن الأفعال التي سبق ارتكابها أمام البرلمان وبمدينة صفرو وكذلك بسيدي إفني من طرف القوات المساعدة تعتبر انتهاكا لحقوق الإنسان.


- يقال إن لعنيكري أراد رفع "الحكرة" على "المخازنية"، وهذا ما يفسر اجتهاد عناصر القوات المساعدة في تفعيل همجيتهم على رؤوس وأجسام ومساكن المواطنين، ما رأيكم في مثل هذه الأقوال؟

+ إن "الحكرة" لا ترفع بخرق القانون وباللجوء إلى العنف، وإنما ترفع بالسلوك الحسن والقيام بالواجبات وباحترام القانون وباللجوء إلى القضاء من أجل مساءلة ومعاقبة مرتكبي "الحكرة"... "الحكرة" الحقيقية هي التي تصيب الضحايا والمواطنين عندما لا تنصفهم السلطة التنفيذية والسلطة القضائية حينما يلجؤون إليها لأخذ حقهم من المعتدين.


- كيف تفسرون صمت القائمين على الأمور على تجاوزات رجال القوات المساعدة رغم كل ما يحدث من تشويه صورة المغرب في الداخل والخارج؟

+ إن صمت القائمين على الأمور على تجاوزات رجال القوات لصورة المغرب في الداخل والخارج، يجد تفسيره من جهة في كون القوات المساعدة هي من بين الأجهزة التي تحمي النظام السياسي بالمغرب من غضبة الشعب التي قد تهدد مصيره، ومن جهة أخرى لكون إستراتيجية النظام تعمل بصفة مستمرة عبر التهديد والترهيب والترويع والمحاكمات...، على أن يفقد الشعب ثقته بنفسه وبأنه غير قادر عبر الاحتجاجات والمسيرات والانتفاضات على انتزاع مكاسب رغم إرادة النظام وبأن تظل مطالبة في الحدود التي يوافق عليها الحكم بكيفية رضائية، وتحركاته في حدود الشكايات والبيانات الاحتجاجية.

vendredi 1 janvier 2010

الفراغ السياسي يسمح لمحيط الملك بالإثراء غير المشروع


الدكتور إدريس بنعلي لـ "المشعل":
الفراغ السياسي يسمح لمحيط الملك بالإثراء غير المشروع


يرى أستاذ الإقتصاد المغربي المعروف "إدريس بنعلي" ضمن هذا الحوار الذي أجريناه معه، أن انتفاء المعارضة السياسية، و "موت الأحزاب" جعل موازين القوى السياسية في البلاد تختل لصالح رجالات القصر، حوالي الملك محمد السادس، وبالتالي ظهور نسخة أخرى من الإنتفاعية، والتكالب على فرص الإثراء غير المشروع، غير أنه لاحظ، بالمقابل، أن أفراد جيل أطر التدبير الجديدة، يتوفرون على مستويات تكوين أفضل، بالمقارنة مع أولئك الذين اشتغلوا إلى جانب الحسن الثاني، وأكد أن الوضع سيظل على ما هو عليه، بالنظر إلى جمود المشهد السياسي، واحتلال من أسماهم بـ "براهش" السياسة للمواقع الأمامية، ضمن المشهد المذكور، كنتيجة حتمية لغياب النخب السياسية والفكرية الجادة... إلى جانب أفكار أخرى في الحوار التالي:



- هل يمكن أن نقول إن المجال الاقتصادي في المغرب تابع لما هو سياسي في جانبه التنفيذي؟

+ نعم إن الاقتصاد كان دائما موجودا تحت مظلة ما هو سياسي، وذلك لمجموعة من الاعتبارات، منها ما هو تاريخي، ويجب أن نستحضر عند الحديث عن المجال الاقتصادي، أننا نعني المقاولات الاقتصادية، فقد لعبت الدولة دورا كبيرا في خلق المقاولات، من خلال سياسة المغربة، حيث دفعت ببعض الناس، أو بالأحرى خلقتهم للإشتغال بهذا المجال..


- تقصد أن الدولة خلقت برجوازيتها الخاصة؟

+ نعم، يتعلق الأمر بإستراتيجية تم اعتمادها آنذاك، بُعيد الاستقلال، وتمثلت في صنع نسيج برجوازية خاص بالنظام السياسي المغربي، وهو ما كان شبيها، بما تم القيام به مثلا، في اليابان، إبان نهاية القرن التاسع عشر، والاعتبارات التي اتُّخِذت كذريعة أساسية، تمثلت في أن الاقتصاد الوطني كان ضعيفا، وما إلى ذلك، وهنا يلفت أمران الانتباه، الأول يتمثل في أن المقاولين الذين ظهروا جاؤوا من الإدارة، أي أولئك الذين كان يُطلق عليهم في الأدبيات الشيوعية لقب "البرجوازية البيروقراطية" أو "الطبقة الكمبرادورية" وما إلى ذلك، وهناك مَن وُلدوا عبر سياسة المغربة، حيث تم منح هؤلاء حصص ضمن مقاولات، وتوزيع أراضي عليهم.. إلخ، وهو ما جعل هذه الشريحة الاجتماعية مرتهنة للدولة.


- يُلاحظ في المغرب، أن القرب من نواة الجهاز التنفيذي للدولة، أي الملكية، يظل دائما مُحددا أكثر من أي أمر آخر، في صنع الثروات الشخصية، فقد كان من قبل رجال الحسن الثاني الذين اغتنوا من خلال العمل إلى جانبه، نذكر منهم مثلا: أحمد رضا اكَديرة وعبد الفتاح فرج وإدريس البصري وغيرهم، نفس الأمر يتكرر الآن مع محمد السادس، حيث نجد هناك منير الماجيدي والهمة وآخرين، يشكلون أثرياء النظام الجدد، هل الظاهرة قديمة ومتجذرة أم أنها مُحدثة؟

+ أعتقد أنها ظاهرة قديمة، وأتذكر بهذا الصدد، تقريرا تم إنجازه منذ نحو ثلاث سنوات، في إطار اللجنة الأوروبية، تحدث عن أنه في المغرب، يتم وضع قواعد لعبة اقتصادية، لكن لا يتم احترامها، أو أنها غير واضحة.


- بمعني أن المجال الاقتصادي هو في خدمة السياسي؟


+ نعم، أي أن ما هو سياسي هو الذي يحدد طبيعة المجال الاقتصادي، وهو ما يُسمى حسب المصطلح السوسيولوجي بـ "النظام البطريركي الجديد".. وهو ما معناه أيضا، أنه بقدر اقترابك من النظام بقدر ما تكون استفادتك الاقتصادية كبيرة، إنها الانتفاعية في أجلى صورها، أي أنه يُمكنك الاستفادة ما دُمت قريبا من نواة النظام السياسي، إنه نظام اقتصاد الريع، فالملك في الأنظمة البطريركية الجديدة يُوزع الامتيازات والقيم الريعية، وذلك بناء على درجة خضوع الشخص المعني بها، وقدرته على وضع كفاءته أو سلطته وما إلى ذلك، في خدمة الملك، ولهذا السبب يتم خلق الأحزاب في بلادنا، ذلك أن الغاية هي الحصول على حصة من القيم المادية الريعية، وهذا يدخل ضمن منطق عمل النظام، وإذا ما ألقيتَ نظرة على ما يحدث الآن بهذا الصدد، فسترى ربما، أن هناك ما يُذَكِّر ببداية حكم الحسن الثاني.


- لهذه الدرجة؟

+ اسمع، هناك عديد من المؤشرات على ذلك، لتنظر إلى طبيعة التشكيلة البشرية للحكومة، مثلا، فهي تُفيد بذلك.. الحسن الثاني أراد بعد وقوع الانقلابين العسكريين أوائل عقد سبعينيات القرن الماضي، أن يوسع القاعدة الاجتماعية لنظامه، وهي المهمة التي عهد بها إلى إدريس البصري، واستطاع هذا الأخير بفضل الرشوة ومجموعة من التدابير المُماثلة، أن يُطبق هذا المفهوم. والمُلاحظ اليوم أن تلك القاعدة الاجتماعية تتعرض للتقلص من جديد. لقد ذكرت في سؤالك السابق شخصا (يقصد منير الماجيدي) الذي يجمع "السُّكَّر" يمينا وشمالا، وتم تعيينه مديرا لشركة "أونا" وهو دليل آخر على عودة الانتفاعية الناتجة عن القرب من السلطة.


- ألا يبدو لك هذا مفارقا، في الوقت الذي يتم فيه الحديث بشكل متواتر، عن عقلنة الاقتصاد للحصول على مردودية أفضل، وفي نفس الوقت هناك عودة لنفس أساليب التدبير التي تنتسب إلى بداية حكم الحسن الثاني كما ذكرت من قبل؟

+ الجديد الآن بهذا الصدد، هو كثرة الذين يطمحون إلى تولي مناصب تدبير لدى الدولة، في حين أن رقعة التدبير تضيق، وهو ما يخلق العديد من الخائبين، فمن قبل، حين بداية حكم الحسن الثاني، كانت هناك قاعدة اجتماعية كبيرة أمية، وبالتالي قلة الأطر الحاصلة على التكوين، مما كان يبرر ضيق استفادة الناس من مناصب التدبير في الدولة، أما اليوم فهناك أطر أكثر، حاصلة على التكوين لكنها غير مُشركة في تدبير الشأن العام.


- لماذا في نظرك يتم الاحتفاظ بنفس أساليب التدبير القديمة حاليا؟

+ أعتقد أنه في بداية حكم محمد السادس، كانت لهذا الأخير نوايا طيبة، وبالأخص في المجال الاقتصادي، حيث أراد أن يُرسي دعائم سياسة اقتصادية بالإعتماد على نفس الفاعلين القُدامى، حيث كان مطلوبا العثور على أطر جديدة للعمل على هذه السياسة الجديدة.


- تقصد أن الملك لم يجد الأطر المُناسبة؟

+ لا أعرف ما إذا كان لم يجد أُطرا مُناسبة، لكن الواضح أن عملية الاختيار لم تكن مُوفقة، غير أن هذا لا يمنع من القول، إن ما تم إنجازه في مجال الاقتصاد حاليا، يفوق ما كان عليه الأمر أيام الحسن الثاني، إذ أن هذا الأخير، كان لا يعبأ كثيرا بهذا المجال، وهو ما عبر عنه في كتابه "التحدي" من خلال القول إنه لا يهتم سوى بالعلاقات الخارجية، كما أنه لم يكن يعبأ كثيرا بالمسألة الاقتصادية في خُطبه، أما الآن، فنلاحظ أن ابنه يهتم بالمسألة الاقتصادية أكثر، حيث نلاحظ في محيطه عددا أكبر من الأطر التيقنوقراطيين، وما حدث أنه تم منح هؤلاء سلطات سياسية فتمخزنوا، بل وصل الأمر إلى حد أخذ بعضهم، وإنزالهم بالمظلات إلى بعض الأحزاب، تمهيدا لمنحهم مناصب حكومية، وهو ما يُحيل على الوضعية على المستوى العالمي، حيث يتم النظر بشكل سلبي إلى الأنظمة الشمولية، ومن بينها الملكيات المطلقة، وهو ما حذا بالمسؤولين المغاربة، إلى محاولة منح صورة عن المغرب باعتباره بلدا يتطور، الأمر الذي يحيل على مُفارقة، أشبهها بالرغبة في تجديد الغشاء الخارجي والاحتفاظ بنفس المضمون العتيق.


- هل هذا ممكن؟

+ أنا أقول لك عما يقوم به النظام الآن، والحاصل أن المجتمع لا يُقاوم بهذا الصدد، بمعنى أنه لا وجود لسلطة مُضادة للدفع في اتجاه خيارات أخرى، فالأحزاب ماتت، ولا وجود، لا ليسار ولا أي شيء. الحسن الثاني لم يكن قد وجد مثل هذه الفرصة الحالية، حيث لا وجود لأية معارضة..


- يعني الفراغ الشاسع؟

+ نعم "الدنيا خاوية".
- ألا تُلاحظ أن عملية استفادة، بعض رجالات الحسن الثاني، ماديا، من موقع القرب منه، تتكرر اليوم أيضا بنفس التفاصيل تقريبا مع رجالات محمد السادس؟


+ ولماذا تُريدهم ألا يستفيدوا؟ لا أحد طالب بالتغيير.
- لكن التحديات السياسية والاقتصادية تتعاظم، بالنظر إلى المتغيرات المحلية والعالمية؟

+ إن الرجالات النافذين أنفسهم، يشتغلون على هذه التحديات، فهم مَن يُحدثون المقاولات ويخوضون غمار المُنافسة، بينهم مهندسون ومستشارون.. إلخ. أعتقد أن هناك حقيقة صارخة لا يتم فهمها بالشكل الصحيح في العالم العربي، وهي أنه لا وجود لديمقراطية بدون قوى مُضادة، ونلاحظ على نحو مُفارق، أن المغرب كانت لديه هذه القِوى في عقدي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مما كان يشكل مُعارضة قوية، قاومها الحسن الثاني، وكان يحتاط منها ويأخذها بعين الاعتبار، حينما يكون بصدد اتخاذ قرارات معينة، أما الآن فلا وجود لأية مُعارضة.


- ألا يلعب الإسلاميون هذا الدور الآن بشكل ما؟

+ ما الذي سيفعله الإسلاميون؟ إذا كنت تقصد حزب العدالة والتنمية، فهذا الحزب محسوب على المشاركة في اللعبة.


- وجماعة العدل والإحسان؟

+ اسمع، إن الإسلاميين المغاربة المشتغلين بالسياسة، هم ديماغجيون جيدون، لكنهم فقراء في الإستراتيجية، فمثلا خلال انتخابات 2007، عبر إسلاميو العدالة والتنمية عن استعدادهم للعمل من موقع التدبير الحكومي، وما إلى ذلك، غير أن ما حصل هو أن قواعدهم الانتخابية ترعرعت في خطاب متطرف، مما نتج عنه انفضاض هذه الأخيرة، لأنها اعتبرت ذلك تراجعا من طرف القيادة الحزبية، التي أرادت لعب اللعبة المخزنية، ففقد الحزب جزءا مهما من ناخبيه، أما جماعة العدل والإحسان، فليست لديها أية إستراتيجية، فالشيخ ياسين ليس سوى أُعجوبة أريكوليجية، أما ابنته فهي امرأة تواصل ممتازة، لكن بلا حس استراتيجي، وأعتقد إجمالا أن المغاربة متخلفون كثيرا في هذا المجال، حيث يعتقدون أن السياسة تقوم على الديماغوجية والتواصل فحسب، أما الإستراتيجية "الله يجيب".. وهذا هو ما أهلك الاتحاديين، حيث ظلوا مُعارضين ما يقرب من نصف قرن، وحينما مُنحوا موقع التدبير لم يعرفوا ما يفعلونه.


- لنعد لو سمحت لموضوع هذا الحوار، هل تعتقد أن تدخل ما هو سياسي، فيما هو اقتصادي، بالشكل الذي يتم في المغرب ما زال صالحا في عالم اليوم؟

+ يجب ألا نُغفل خاصية مُعينة في هذا الإطار، وتتمثل في أن منطق السياسة يهيمن على ما هو اقتصادي، غير أن هناك اختلافا الآن عما كان يتم العمل به أيام الحسن الثاني، ويتمثل في أن الأطر الذين يحصلون على مناصب التدبير الاقتصادية، لديهم تكوين جيد، فهم مُهندسون ولديهم كفاءات مهمة، حيث لا يمكن أن ننعتهم بأنهم جهلة، في المجال الذي يعملون فيه. وهنا يجب أن نفرق بين مستويين من رجالات الدولة، حيث هناك هذه الفئة المُقربة من النظام، التي تعمل على الاستفادة من اقتصاد الريع، والفئة الأخرى، التي تظهر حاليا وهي أخطر، أُسميها بـ "براهش" السياسة، الذين يتوفرون على منافع ريعية، ليقوموا بالمهام القذرة، مثل السب والشتم وما إلى ذلك، وهؤلاء يتخذون الآن أماكن في المقدمة، بسبب الفراغ، حيث لا وجود لطبقة سياسية جادة، في ظل استقالة غير معلنة للأحزاب، وانعدام وجود القوى المُضادة، فما الذي تنتظر أن يطلع إلى السطح؟ "الخز".. وهو ما عبر عنه عبد الرحمان المجذوب يوما بالقول: "الخيل مربوطة والحمير كتبورد".

مصطفى حيران
المشعل

"القوات المساعدة" تبقى إحدى أجهزة دولة المافيا المخزنية


علي فقير/ فاعل سياسي
"القوات المساعدة" تبقى إحدى أجهزة دولة المافيا المخزنية


- ما رأيكم في قدوم التنسيقية الوطنية للأطر العليا على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية لعناصره ضد مدنيين؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة ولربما العقاب؟

+ أعتقد أن هذا بديهي، فمن الناحية النظرية لا يمكن أن تقع تجاوزات وخروقات بدون تحديد المسؤولية ثم "المساءلة" وبالتالي المتابعة القضائية.


- اعتبارا لما اقترفه رجال القوات المساعدة من تجاوزات بينة على امتداد عدة سنوات، أضحت مساءلة ومحاكمة القائمين عليهم ضرورة ملحة لتجنب مالا يحمد عقباه؟

+ هناك ضحايا الخروقات والتجاوزات، وبعبارة أدق هناك ضحايا قمع ممنهج، وهذا ما يتطلب تعيين مرتكبي الجريمة ثم مساءلتهم ومحاكمتهم.


- في نظركم، والحالة هذه، هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي لا يسمح بذلك؟

+ إذا كل ما قلناه سابقا يبقى نظريا، ففي الواقع المغربي الذي تنعدم فيه استقلالية القضاء، يستحيل الحديث عن القضاء النزيه والعدالة، خصوصا فيما يتعلق بقضايا تهم النضال السياسي والنضال النقابي والحركات الاحتجاجية الاجتماعية المشروعة.


- كيف تقرؤون بروز تجاوزات رجال لعنيكري كلما تعلق الأمر باحتجاجات سلمية تحرج النظام والحكومة؟

+ ان المسؤول المعني ينتمي لفئة اجتماعية راكمت ثروات خيالية بطرق غير مشروعة وعلى حساب الجماهير الشعبية المسحوقة، وهذا ما أهله ويؤهله ليكون "قاسيا" وشرسا في مواجهة الحركات الاحتجاجية المشروعة، كما أن هذا المسؤول يرأس جهازا مهمته الأساسية حماية مصالح فئة مسيطرة على السلطة والثروة، وبالتالي فإنه لا يتردد في قمع النضالات المشروعة بشكل همجي لمختلف الفئات والشرائح الشعبية.


- ما هي الدوافع التي تفرض مثل هذه التجاوزات؟ هل هي فعلا لحفظ النظام أم هي مجرد رغبة في توضيح أن المخزن مازال في حاجة إلى رجال مثل لعنيكري رغم استمرار هؤلاء في انتهاك حقوق الإنسان بشهادة الكثيرين داخليا وخارجيا؟

+ لقد جاء اسم الجنرال العنيكري ضمن أسماء المتورطين في جرائم سياسية، وبما أن الوضعية الحالية تضمن له الحصانة الكاملة، كما تضمن له المناعة الضرورية ضد كل مساءلة عن الجرائم الاقتصادية، فانه، مثل العديد من الجنرالات وموظفي الداخلية الكبار، مؤهل لمواجهة مختلف الحركات التواقة إلى تشييد ديمقراطية حقيقية يتساوى فيها الجميع أمام القانون بكل الأساليب القمعية.


- هل يمكن اعتبار ما اقترفه رجال القوات المساعدة تحت إمرة حميدو لعنيكري بمثابة انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في العهد الجديد؟

+ هذا جزء فقط من الانتهاكات التي يقترفها "العهد الجديد". إن "القوات المساعدة" تبقى إحدى أجهزة دولة المافيا المخزنية التي تسهر على مصالح ناهبي خيرات الوطن، وتدخل ممارساتها الهمجية في إطار سياسة "أمنية" عامة.


- ألا ترون أن استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟ وبالتالي، ألم يحن الوقت للتخلي عن رجال العهد السابق المتورطين في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حتى لا يكونوا، مرة أخرى، سببا فيما لا يحمد عقباه؟

+ لا يمكن ، في اعتقادي، تصور الأشياء بهذه البساطة: فالجنرال ينتمي لكتلة طبقية، وممارسات جهازه تدخل في إطار دفاع هذه الكتلة عن مصالحها وعن كل ما نهبته وراكمته، وعن حصانتها.
العصيان المدني وارد بفعل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، وبفعل غياب الديمقراطية الحقيقية. إن عدم مشاركة أكثر من 83 في المائة من البالغين سن التصويت في "انتخابات 7 شتنبر 2007"، والانتفاضات الكبرى التي عرفها المغرب في أقل من سنة (صفرو 23 شتنبر 2007، دادس بومالن 7 يناير 2008، سيدي افني 7 يونيو 2008 ) والحركات الاحتجاجية التي تعرفها مختلف المناطق، ومقاومة الطبقة العاملة لهجمة الرأسمال...كلها مؤشرات تنذر بهزات اجتماعية قوية، هذا بالرغم من اندثار القوى السياسية والنقابية التي من المفروض أن تؤطر هذه الهزات وتوجهها لما فيه مصالح الكادحين ومختلف المهمشين والمقصيين. إن أساليب مختلف القوى القمعية تؤجج فقط سخط المواطنات والمواطنين و"تزيد الطين بلة"، لأن أسباب هذا السخط أعمق مما يمكن تخيله.

ما لعنيكري ورجاله إلا "العبد المأمور


عبد الرحيم مهتاد لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين
ما لعنيكري ورجاله إلا "العبد المأمور"


- ما رأيكم في قدوم أكثر من جمعية على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة وربما العقاب؟

+ في الحقيقة هناك عدة اعتبارات وحسابات منها ما هو قديم ويرجع إلى تولي هذا المسؤول عدة مسؤوليات وفي أوقات حرجة من تاريخ المغرب، ومنها ما هو حاضر وهو إشرافه على القوات المساعدة التي غالبا ما تكون وراء جميع عمليات التدخل من أجل تفريق التظاهرات السلمية والتي تكتسي طابعا من العنف والضرب بشكل عشوائي في مجملها، وإذا كان القانون المغربي يحمي كل رجل سلطة ترتب عند تدخله للقيام بمهامه أي ضرر للمواطنين (وخصوصا حين تفريق التظاهرات) ويقيه من كل متابعة قضائية، فإن هذا لا يخول له استغلال هذه الحماية ليقوم بإلحاق الأضرار والمصائب بسلامة المواطنين وممتلكاتهم، وبما أن القانون يحمي هؤلاء فإنه من الصعب جدا تحديد المسؤوليات أو تحقيق متابعة أو حتى مساءلة كيفما كان نوعها وطبيعتها، وما خلصت إليه هيأة الإنصاف والمصالحة من تخريجة في هذا الموضوع وهي تعمل على طي صفحة الماضي يطرح أكثر من تساؤل .


- اعتبارا لما اقترفه رجال القوات المساعدة من تجاوزات، هل أضحت مساءلة ومحاكمة القائمين عليهم ضرورة ملحة لتجنب ما لا يحمد عقباه؟

+ من الصعب القول بهذا، لأن المسؤولية الجنائية فردية، وكيف يمكن محاكمة المتورطين أو مساءلتهم ولا يمكن تحديدهم كأشخاص بأعينهم، وإلا سنكون أمام محاكمة أجهزة الدولة أو تحميل المسؤولية لمن أعطى الأوامر بالتدخل، ويبدو أن هناك مشكلة كبيرة سوف تجعل من القضاء عاجزا عن قول كلمته في الموضوع.


- هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي مازال لا يسعفه على ذلك؟

+ فقبل أن نتحدث عن استعداد القضاء المغربي من عدم استعداده لقبول مثل هذه الدعاوى والبت فيها، أذكر مرة أخرى أن فصولا من القانون المعتمدة من طرف القضاء تمتع هاته القوات بعدم المتابعة، وكيف يرجى من القضاء قول كلمته في موضوع محسوم سلفا، ورفض دعوى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي رفعتها ضد لعنيكري خير شاهد.


- كيف تقرؤون تصاعد تجاوزات رجال لعنيكري كلما تعلق الأمر باحتجاجات ووقفات تحرج النظام والحكومة؟

+ اعتقد أن هناك عددا من القوات الأخرى تشارك في فض التظاهرات وجميع أشكال الاحتجاج الأخرى، وإن كانت عناصر القوات المساعدة معروفون بشدتهم وبطشهم ( وهذا راجع إلى طبيعة هاته القوات ومستويات أفرادها الثقافية وطبيعة تكونيهم) وتدخلاتهم في عدد من الأحداث السابقة (20 يونيو بالبيضاء سنة 1980 وأحداث 1984 بالشمال....)، وقبل ذلك جعلت المواطن المغربي ينعتهم بأسماء خاصة ويجعل من واقعهم وهندامهم نكتا سارت بدربها الركبان، وبروزهم في الفترة الأخيرة راجع إلى كون المفتش العام لهذه القوات قد ورد اسمه أكثر من مرة بخصوص مسؤوليته في عدد من الأحداث حتى أوردته بعض الجمعيات ضمن الأربعين شخصية حكومية مغربية التي تجب مساءلتها.


- ما هي دوافع تجاوزت رجال لعنيكري؟

+ لا أفهم كيف يتم اختزال الأمر في القوات المساعدة وحميدو لعنيكري، فنحن في جمعية النصير وخلال عدد من الوقفات التي تم منعها وتفريقها، كنا نرى أجهزة أخرى إلى جانب القوات المساعدة وكل واحد منهم يقول (ما أنا إلا عبد المأمور)، وعليه، فإنني أعتقد أنه لو جيء بأي موظف دولة وأعطي الأوامر من أجل إخلاء المكان وتفريق المتظاهرين أو المحتجين، لكانت النتيجة واحدة، فالأمر أننا أمام أناس تم اختيارهم بعناية ودقة، ودربوا على استعمال السلاح، واعدوا للقيام بهذه الأعمال، ويبقى السؤال، هل هؤلاء الناس متشبعون بثقافة حقوق الإنسان، أم أنهم جردوا من كل حس إنساني وتحولوا إلى أدوات تنفيذية مجردة لا تستجيب إلا لأوامر رؤسائها؟ وهذا ما نلحظه من خلال تدخلاتهم الميدانية، فما تتناقله عدسات المصورين وكاميراتهم غني عن كل تعليق.


- هل يمكن اعتبار ما اقترفه رجال القوات المساعدة تحت إمرة حميدو لعنيكري بمثابة انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في العهد الجديد؟

+ لا أعتقد أن الأمر كذلك، فما تقوم به هذه القوات سواء بقيت تحت إمرة حميدو لعنيكري أو تحت إمرة أي كان، لا يخرج عن إطار المهام، فكثيرا ما تشمل تدخلاتهم العنيفة حتى المواطنين العاديين بمجرد الشبهة أنهم من المتظاهرين، ويبقى الأمل في أن تتغير العقلية في التعاطي مع مثل هذه التظاهرات والاحتجاجات السلمية.


- ألا تعتبرون استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟

+هنا وجب طرح السؤال التالي، كم من متضرر من تدخلات هذه القوات مقارنة مع ساكنة المغرب؟ فالذين يعرفون حقيقة هذا الأمر هم الذين اعتادوا على تنظيم الوقفات والاحتجاجات والمظاهرات السلمية وهم قلة، أما الأغلبية الساحقة فشعارهم في الحياة (المخزن ما كيلعابش والله يحفظنا منو)، ومنهم من لا يشارك حتى في تظاهرة سلمية من أجل قضية عادلة وطنية كانت أو قومية، سواء دعت إلى هذه التظاهرة بعض القوى الحية في البلاد أو كانت من تأطير ودعوة الدولة، أما أن تتخلى الدولة على من تراهم صالحين لها وأوفياء لسياساتها ومخلصين لها، فهذا من سابع المستحيلات، ومذكرة البحث الدولية التي أطلقها القاضي الفرنسي مؤخرا،لم تراوح باب مكتبه وقس على ذلك أمورا أخرى.

هل حان الوقت لمحاكمة حميدو لعنيكري؟


محمد مسكاوي/ الهيئة الوطنية لحماية المال العام – السكرتارية الوطنية

الآلة القمعية مهما اشتدت لن تركع المواطنين والمناضلين، وبعملية حسابية بسيطة فعدد المحرومين والمعطلين والمطرودين يتجاوزون رجال القمع الممنهج آلاف المرات



- ما رأيكم في قدوم التنسيقية الوطنية للأطر العليا على مقاضاة حميدو لعنيكري، المفتش العام للقوات المساعدة بخصوص التدخلات الهمجية لرجالاته؟ وهل مثل هذه التجاوزات تستوجب المساءلة والمحاكمة وربما العقاب؟

+ في البداية لا بد من التأكيد على الحق الثابت للمجموعات المعطلة، بمختلف أنواعها وفي جميع المدن، بحقها الدستوري والطبيعي في الشغل وفق مقاربة تضمن تمتعهم بهذا الحق والذي نصت عليه أيضا جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك بالاجتهاد القضائي للمجلس الأعلى الذي أكد أن الوقفات لا تحتاج إلى ترخيص مسبق عكس المسيرات‘ إذن السؤال المطروح هنا، إن الذي يخالف القانون ومقتضياته هم رجال القوات المساعدة ومن يعطيهم التعليمات، وهو ما يبرز الجهل بالقانون والحاجة إلى إعادة التكوين في المجال القانوني والحقوقي.
كما أن إجراءات المصالحة التي تزعم الدولة بأنها تنهجها كانت تستوجب الإسراع بتطبيق توصيات هيئة الانصاف والمصالحة، والتي تعتبر أن أهم توصية جاءت بها هي تأهيل الأجهزة الأمنية، وهذا حكم مسؤول ورسمي، على أن رجالات العهد القديم ليسوا مؤهلين لممارسة المسؤولية الأمنية والتي أصبحت في الدول الديمقراطية أجهزة خادمة للديمقراطية والتنمية الشاملة وليس أداة قمعية، وبالتالي فمن حق المعطلين وكل المتضررين مقاضاة أجهزة القوات المساعدة ومساءلتها تطبيقا لدولة الحق والقانون وترتيب الجزاء على المخالفين.
وخلال السنوات الأخيرة يمكن أن نسجل أن رجال القوات المساعدة أصبح لهم هامش كبير من التدخل في فك الاعتصامات والوقفات، وكثيرا ما يتم اللجوء إلى العنف، والعنف غير المبرر كما حصل مع الإخوة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حينما تم الاعتداء على رئيسة الجمعية إبان الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، وكذلك أحداث سيدي إفني الأليمة.


- في نظركم، والحالة هذه، هل القضاء المغربي مستعد حاليا لقبول مثل هذه الدعاوى، أم أن وضعه الحالي لا يسمح بذلك؟

+ بالنسبة لموضوع القضاء لقد نادينا دائما بإصلاح هذا الجهاز عبر إقرار قضاء مستقل ونزيه وشفاف منصوص عليه ضمن دستور ديمقراطي متحاور بشأنه، وأؤكد مرة أخرى أنه مهما كانت لنا من قوانين متقدمة وترسانة حديثة تضاهي الدول الغربية، فبدون قضاء نزيه ومستقل عن الجهاز التنفيذي ليست هناك أية ضمانات لتطبيق القانون وإحقاق الحق مع عدم التعميم هذا من جهة، ومن جهة ثانية عندما نتحدث عن سمو القانون، فلا أحد يعلو عليه مهما كانت مسؤوليته داخل الدولة، مدنية كانت أو عسكرية، وأعتقد أنه في ظل الوضع الحالي إذا لم تكن هناك رغبة في محاكمة مسؤولي القوات المساعدة فلن تتم، وإذا كان هناك ضغط للمجتمع المدني فسيتم اعتماد سياسة تنقيل بعض الرؤوس إلى أماكن أخرى أو إحالتهم على التقاعد الاحتياطي بمن فيهم لعنيكري، وكما يحصل الآن مع المسؤولين في سيدي إفني، هي مبادرة لتفريغ كل محاولة للتقصي من محتواها، ونتمنى من القضاء المغربي أن يسجل صفحة مهمة للتاريخ من خلال إعمال القانون وعدم الرضوخ للضغوطات والتعليمات إذا ما تمت متابعة هذا الجهاز ومسؤوليه.


- كيف تقرؤون تجاوزات رجال لعنيكري وخروقات عناصره خلال السنوات الأخيرة كلما تعلق الأمر باحتجاجات سلمية تحرج النظام والحكومة؟

+ لقد سجلنا كمجتمع مدني وطني، من خلال تقارير المنظمات الحقوقية الدولية تراجع المغرب على مستوى الحريات التي عرفت انفتاحا مهما خلال السنوات الأولى لحكم محمد السادس، وهو ما يعد للأسف تراجعا عن التقدم في مثل هذه السياسة، خصوصا بعد أحداث الدار البيضاء التفجيرية، هذا الانفتاح رغم بساطته ومحدوديته كان لابد أن يسهم في التأسيس لقواعد جديدة، حتى أن الخطاب الحكومي حاليا عندما يريد أن يروج لتجليات المغرب في هذا الإطار فإنه يعتمد على خلاصات التجربة الماضية، البسيطة والمعقدة في آن، دون ملاحظة أي جديد.
تجاوزات رجال القوات المساعدة في اعتقادي الشخصي ليس لها ما يبررها لكن يمكن أن نحذر منها ومن تفاقمها"، إن تكسير عظام المعطلين والعمال المحتجين وبسطاء الشعب في ظل عالم متحول متقارب وإعلام مستقل ينقل الحقائق، لن تعيد لهؤلاء صولات الماضي"، وأنصحهم أن يستشيروا أساتذة علم الاجتماع بما أنهم لا يفقهون سوى لغة العصا وسيؤكدون لهم أن الآلة القمعية مهما اشتدت لن تركع المواطنين والمناضلين، وبعملية حسابية بسيطة فعدد المحرومين والمعطلين والمطرودين يتجاوزون رجال القمع الممنهج آلاف المرات.
ومن جهة أخرى فإن سعي الخطاب الرسمي إلى بناء دولة الحق والقانون يظل خطابا فارغا، مادامت اللبنات الأساسية مازالت غائبة، أو بعبارة أدق مغيبة كالاحتجاج السلمي، التعبير عن المطالب، المطالبة برفع الظلم وغيرها من التعابير الاحتجاجية السلمية الحضارية، والاحتجاجات كما هو معروف ظاهرة عالمية وتاريخية مستمرة.


- ما هي الدوافع التي تفرض مثل هذه التجاوزات؟ هل هي فعلا لحفظ النظام أم رغبة في إبراز حاجة المخزن في استمرار عناصر مثل لعنيكري رغم كل ما في جعبتهم من تورط بخصوص انتهاك حقوق الإنسان؟

+ في نظري ليس هناك دوافع لتبرير هذه التجاوزات لأننا لسنا أمام عملية معقلنة ومحسوبة، نحن أمام عقلية شائخة تربت على أسلوب القمع والتقرب إلى الحاكم، والتدرج المهني يكون بعدد العظام المكسرة، إذن فنحن أمام مدرسة بوليسية ليس لها منطق التحليل والحوار والتضحية بالمنصب في سبيل حفظ كرامة الإنسان المغربي، وهي مناسبة نستغلها لنقول إن تدبير الملف
الأمني بالمغرب يجب أن يخضع للحوار والنقاش بغية تطوير الأداء بالاعتماد على تكوين عصري ذي بعد حقوقي ووطني حتى يبقى هذا الجهاز من العناصر الموحدة للمغاربة على قضاياهم الوطنية.
كما أن المعارك التي تنتظر المغرب فيما يخص وحدته الترابية وباقي الثغور المحتلة تستوجب الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسئ لصورتنا بالخارج، وأنا لا أقصد تزيين صورة النظام بل أشير فقط إلى العمل على قواعد ديمقراطية وبحكامة اقتصادية، أما أن نترك البعض يجعل من عظام المعطلين قربانا للتزلف والتملق والرضا فإن هذه الأمور تضعف تماسكنا وصورتنا، وهي أخطاء يتمناها الأعداء أن تقع من أجل استغلالها.


- ألا تعتبرون استمرار مثل هذه التجاوزات من شأنه أن يؤدي إلى العصيان المدني؟ وبالتالي، ألم يحن الوقت للتخلي عن رجال العهد السابق المتورطين في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان حتى لا يكونوا، مرة أخرى، سببا فيما لا يحمد عقباه؟

+ أظن أن حركية المجتمع المدني المغربي وتأسيس لبنات دولة الحق والقانون تقتضي الآن وبشكل ملح وبعد أحداث سيدي إفني وصفرو، إعادة التفكير في الأجهزة الأمنية بالمغرب بكل أنواعها وحول طرق عملها، الأجهزة الأمنية ومن منطلق عملها يجب أن تسهم في التنمية الوطنية اقتصاديا واجتماعيا، ونتمنى أن نصل إلى اليوم الذي نجد فيه وزير الداخلية المغربي يقلب الطاولة على أعضاء الحكومة من أجل أن يتحملوا مسؤولياتهم وأخطائهم التي تعالجها وزارة الداخلية عن طريق الأمن.
على الدولة أن نقوم بإعداد جيل من الشباب ذو تكوين عال في المجال الأمني والاقتصادي لتحمل المسؤوليات الأمنية، المغرب من خلال دستوره يصادق على كافة المواثيق الدولية ورفع التحفظات على الكثير منها، فلماذا لا يلتزم أمنيوه على الأقل بهذا الدستور، المغرب ينجب الآن مجتمعا مدنيا قويا وصحافة مستقلة ضاغطة وفاعلة لا تعترف بالطابوهات أو الخطوط الحمراء، وهي عوامل ومؤشرات على انهزام أصحاب الاختيار الأمني القمعي، إن المنطق الأمني أصبح متجاوزا ولاغيا حتى في الدول الشمولية لأنها توصلت إلى أن رغبة الشعوب في الانعتاق والتحرر من الظلم مسألة مصيرية، وأن اعتماد الصراع الديمقراطي عبر آلياته الحقيقية ضمان للسلم الأهلي والاجتماعي.
إن المغرب الذي يعرف ارتفاعا للأسعار وطبقية فاحشة ونهب للمال العام ورشوة تنخر جميع القطاعات، إنقاذه يتطلب ابعاد كل المسؤولين المارقين حتى لا تتسبب تصرفاتهم واجتهادتهم في تعميق الأزمة وتكريس الاحتقان وحتى لا تنفرط حبات السلم الاجتماعي.
كما أدعو البرلمان على علته إلى التدخل في هذا الموضوع من أجل تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الانتهاكات التي تمارس يوميا على المعطلين والمواطنين وبمختلف المناطق وعلى الاحتجاجات السلمية الاجتماعية.