mercredi 17 mars 2010




الدكتور لحسن بروكسي لـ " الصحراء الأسبوعية"

الأحزاب السياسية لا يمكنها بلورة نظرية وتصور ورؤية حول «الجهوية المغربية»



هيأ لحسن بروكسي أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون العام حول موضوع "الإعداد الترابي بالمغرب وانعكاساته المؤسساتية والسياسية". قاده بحثه هذا إلى مقاربة نظرية وعملية للجهة والجهوية ببلادنا، من حيث هما وسيلة- وليستا غاية- لترسيخ الديمقراطية المغربية وتقعيدها، انطلاقا من هوية وخصوصيات المغرب. وبذلك يكون، منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، قد تجاوز الطرح الذي يرى في الجهة والجهوية مجرد سبيل إخفاء أو إقبار لإشكاليتي المشاركة الديمقراطية الفعلية من جهة، ومن جهة أخرى اللامركزية السياسية الحقيقية؛ أي إشكالية التخلي عن صلاحيات، عن طيب خاطر، من طرف جهات وتسليمها لجهات أخرى.
تواصل "الصحراء الأسبوعية" حوارها مع الدكتور لحسن بروكسي لاستكمال ما بدأته معه في حوار سابق الذي أثار سجالا واسعا.



- كثر الحديث عن الجهوية دون ذكر إعداد التراب المحلي، فهل يمكن تصور جهوية بدون إعداد التراب؟


فعلا، إذ ارتباط الأمرين بغاية في الأهمية بالنسبة لبلادنا، وذلك لأن إعداد التراب المحلي يتحكم في الجهوية، أراد من أراد وكره من كره. وفي هذا الصدد، وجب التساؤل: ما هو مصير المخطط الوطني الذي أعدته الوزارة عندما كان اليازغي يدير شؤونها؟ ليس هناك أدنى حديث حاليا عن هذا المخطط، علما أن من مضامينه تحديد أهداف الجهة. وكذلك أين موقع وزارة التخطيط - وتحظرني الآن إشكاليات التخطيط القطاعي، وتخطيط إعداد التراب، وتخطيط التدخلات والتأثير على المستوى الوطني والجهوي والإقليمي- في النطاق الجهوي؟ وأين الربط بين إشكالية إعداد التراب من جهة، والجهوية من جهة أخرى؟ فكيف يمكن الإقرار بتقطيع اقتصادي وإداري مجد وفعال، إن لم نحرص على الربط بين التخطيط القطاعي والإعداد الشمولي للتراب؟

- لكن موضوع الجهوية ليس جديدا بالمغرب؟
موضوع الجهوية ساهم في اهتمام واسع غير مسبوق لمختلف فضاءات المجتمع المدني والرأي العام، ما عدا الأحزاب السياسية، التي ما زالت خارج التغطية في هذا المضمار.
لقد أصبحت هذه الفئات تفكر في الموضوع بجدية لأنها أحست بأنه مرتبط بمستقبل المغرب في قرن العولمة. في واقع الأمر، وقع نوع من الارتباط الظاهري والباطني بين الجهة الصحراوية والجهات الأخرى غير الصحراوية، علما أن الرأي العام عموما يعتقد أن هذا الموضوع وسخونته مرتبطان بقضية الصحراء؛ إنه بمثابة تحصيل حاصل بالنسبة للشارع المغربي. لكن يبدو جليا أنه وقع شيء من الارتباط البين في الأذهان؛ إذ بدأت بعض الجهات وبعض الفئات تفكر في نماذج وقوالب من الجهوية الفيدرالية، بينما موضوع وتيمة وهاجس الجهوية، ظل دائما سائدا في المخططات والرؤى دون أن يعرف طريقه إلى التطبيق. لقد فكر المغرب في هذا الموضوع طويلا، ومنذ سنة 2010، في مسلسل آخر للجهة والجهوية، في وقت انتعشت فيه الديمقراطية مقارنة بالماضي.



- فهل هناك نوع من خلط الأوراق بهذا الخصوص؟
لقد أصبت بخصوص إثارة هذه الإشكالية المهمة جدا، وفي هذا السياق سبق لي أن أشرت إلى اللجنة الوزارية المختلطة لإعداد التراب الوطني (Comité Interministériel de l’aménagement du Territoire) المؤسسة بظهير سنة 1968، والتي يرأسها صاحب الجلالة، ويقوم بدور كاتبها العام وزير الداخلية. ليس هناك أدنى حديث يذكر عنها. وللإشارة، رغم أن هذه اللجنة لم تجتمع إلا مرتين، إلا أنها توفرت، منذ ذلك الوقت، على رؤية المغرب في 2000، وهي رؤية موجودة؛ فلماذا لا تحيا هذه اللجنة في سياق التفكير من أجل بلورة "جهوية مغربية".

- من الذي يعطي تصور ومضمون الجهوية (عقيدة الجهوية) بالمغرب؟
أولا وقبل كل شيء وجب وضع هذا السؤال أمام أعيننا؛ اعتبارا لأهميته القصوى، هل هي الأحزاب أو الإدارة أو جهة أخرى؟ يبدو لي أن الأحزاب السياسية لا يمكنها بلورة «عقيدة» (نظرية وتصور ورؤية) «الجهوية المغربية»؛ لأنها أحزاب مازالت "مخدوعة" ومسكونة برؤيتها. أما الإدارة المغربية، فإن رؤيتها في الموضوع لم ولن تخرج عن دائرة الرؤية الداخلية، صاحبة التقطيع الإداري والساهرة على الجهات. في حين أن وزارة المالية لن ينحرف اهتمامها عن إشكالية الضرائب والرسوم الجبائية، ولن تخرج رؤية وزارة الوظيفة العمومية عن دائرة إشكالية التمركز/ اللاتمركز. وهنا يبرز دور مؤسسة الوزير الأول كمنسق، وفي هذا السياق سيكون من الأحسن اعتبار "اللجنة الملكية للجهوية" مختبرا للاستماع لمختلف الرؤى والتصورات والحساسيات، قصد أن تتوفر لها معالم صورة واضحة وشاملة، وهذا سيساعدها – على أقل تقدير – في وضع أصبعها على الإشكاليات القائمة التي من الواجب الاهتمام بحلها.

- لكن، ماذا عن المجتمع المدني بهذا الخصوص؟
يضطلع المجتمع المدني هو كذلك بدور مهم في هذا المضمار، لأن له تصوراته بخصوص مصير الجهوية ببلادنا، علما أنه يشكل شرطا حيويا لضمان فعالية الجهة؛ لأنه هو الذي عليه تدبير المال والمشاريع؛ إذ إن الجهوية من المفروض أن توفر له إطارا واضح المعالم يتحرك فيه، ما دام أن (الجهوية) وجب أن تتمحور حول الإنسان وليس حول سواه، علاوة على أن المجتمع المدني، خلافا للأحزاب، لا توجهه أو"تؤطره" حسابات سياسية أو غيرها.
- وماذا بالنسبة للساحة السياسية؟
كذلك الأمر بالنسبة للساحة السياسية التي أصبحت تعرف شيئا من الوضوح، خلافا للسابق؛ بحيث نتوفر الآن على حزب إسلامي وحزب ليبرالي، وأحزاب ما بين هذا وذاك، ولم يعد هناك وضع «كومة من الأحزاب فوق بعضها البعض».
لقد أضحى نوع من اليقظة الثقافية أكثر من السابق، وكذلك توفرت أقلام وأبحاث وملفات صحافية، وحدث تحول جذري في قطاع الإعلام المغربي بشكل عام منذ سنة 2000. وقد لعبت هذه الصيرورة دورا مهما في تنمية الوعي. كل هذا جعل المغرب يلج دائرة مسلسل جديد من شأنه أن يؤهل بلادنا لمستقبل «2020»، مع التطور الديمقراطي والتطور الفكري في المنظومة الاجتماعية المغربية. وفي هذا المناخ، وضمن هذا المضمار، وجب أن تصب الجهة والجهوية، علما أن أوروبا تعيش أزمات منذ 2005 (أزمة مالية 2008، أزمة اقتصادية 2009، أزمة نقدية، أزمة اجتماعية)، وليس عبثا أن سعت القارة العجوز لوحدة أورومتوسطية، والجهة بالمغرب ستصب في هذا المناخ.


- في عهد الملك الراحل الحسن الثاني تم إحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي، هل هناك من دور يمكن أن يلعبه في الجهوية؟
أولا لا يجب أن ننسى أن الجهة هي ترويج للمال والاقتصاد داخل مجالها الترابي، ولا بد وأن هناك ارتباطا وثيقا بين الهمّ الجهوي وهذا المجلس. ويمكن أن نتصور أن يكون "رئيس الجهة أو القائم عليها" أحد أعضائه، ما دام أن المراد ليس هو ترك الجهات تسبح، كل واحدة، في فلكها، ومادام أن عليها أن ترى النور في إطار رؤية تكاملية، ولا يمكنها أن تكون غير ذلك.
ويمكن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يلعب دور مستشار الحكومة فيما يتعلق بالاستثمارات مثلا؛ حيث ستكون النقابات ورجال الأعمال والاقتصاد، وكذا الباحثون أعضاء فيه. ويمكنه أن يضطلع بمهمة مستشار البرلمان، ولكن، هل قراراته ستلزم تلك الأطراف؟ هذا موضوع آخر، إلا أنه من الضروري أخد آرائه ووجهات نظره بعين الاعتبار، لاسيما وأن رؤيته من المفروض أن تكون رؤية المحترف في شؤون الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.
وفي نفس السياق، تبرز تساؤلات بخصوص دور المجلس الأعلى للحسابات، الذي وجب أن يكون قريبا من الجهة، والأبناك التي عليها أن تنعش الجهوية وامتصاص التوفير المحلي وتوجيهه للجهة التي من المنتظر منها تخفيف أعباء الدولة، خاصة الاجتماعية منها.
و في هذا الصدد، يبدو أن السيد عمر عزيمان يقف وحده أمام الآخرين، فهل عليه الاستماع إليهم أم ماذا؟ وما هو دوره؟
بينما لو كان السيد عمر عزيمان في اللجنة الوزارية المختلطة للإعداد التراب الوطني، أو مؤسسة أخرى، فستوفر له مظلة تقوي من موقعه وكذلك دوره.



- ما هي أهم المستجدات التي ستفرضها الجهوية؟
في اعتقادي أن أهم مستجد هو أن الجهوية من الناحية السياسية ستخلق سلطة ترابية (Pouvoir Territorial)، وهي سلطة قوية ومهمة. فهل يمكن الآن أن نتصور أن رؤساء الجهات أغلبهم من المعارضة، وهم يتوفرون على هذه السلطة الترابية؟ وفي هذا السياق يمكن القول، دون مجانية الصواب، إن الجهوية ستغير المسار الديمقراطي، كما أن البرلمان لا يمكنه أن يظل كما هو الآن.

- لكن ما هو البرلمان في تصور الجهوية؟ وهل قانون الجهات سيحسم فيه البرلمان؟
لا يمكن الجزم بهذا الخصوص، لكن كيف حسمت إيطاليا -على سبيل الاستئناس- هذا الأمر؟
لقد عدلت دستورها للإقرار بوجود الجهات بالبلاد، وأعطيت الصلاحية للبرلمان لتحديدها، وبالتالي اكتسب الإيطاليون الوقت الكافي، وأصبحت هذه المسؤولية على عاتق البرلمان.


- هل هناك من تعثرات محتملة وممكنة؟
هناك الكثير من التعثرات، لأن كل فئة تدافع عن "جهويتها" (رؤيتها للجهوية)، لذلك من الضروري أن نتوفر على رؤية شاملة. وفي هذا الصدد، يمكن للجنة الوزارية المختلطة، بعد إعادة إحيائها، أن تلعب دورا حيويا، لأن المسألة مرتبطة باختيار مصير البلاد، وهي قضية وجب وضعها فوق كل الاعتبارات وكل الحسابات، لاسيما وأن المستقبل، لا محالة صعب، ووجب أن تتوفر بلادنا على دولة قوية مدعمة ومساندة بديمقراطية حقة، ولا يجب أن تكون الجهوية تشكيكا في الدولة أو أن تساهم في خلق بارونات. ومما يجعل الأمر صعبا أكثر، أنه على الجهوية أن تنبثق من هويتنا؛ فالمغرب يتوفر على جذور إفريقية، وهو أحد مكونات المغرب الكبير ورأسه بأوروبا. كما أنه لا يوجد قاموس للجهوية أو للجهة يمكن الاغتراف منه، والسؤال هو: ماذا نريد أن نفعل بالمغرب؟

- وماذا عن رؤساء الجهة؟
في الحقيقة وجب طرح التساؤل التالي: من الجهة التي ستحدد مضمون "الجهوية المغربية"؟ وتتوقف على الجواب عن هذا التساؤل كل الأمور الأخرى. فإذا نظرنا مثلا إلى إشكالية الجهة، فمما لاشك فيه أن موقعهم هذا سيجعل منهم أشخاصا أقوياء، ربما أكثر من البرلمانيين (ممثلي الأمة).
وإذا انطلقنا من منظور الدولة البحث، يمكن القول إنها ستتخلى على جملة من صلاحياتها، وأن جهات أخرى ستتحمل المسؤولية. لكن لا ننسى أننا ملكية، علما أن المخزن لن يسمح أبدا بقيام بارونات. وقد يتم التفكير في اعتماد تصور يروم انتخاب رؤساء الجهات، ثم يتسلمون "ظهيرا شريفا" بعد الانتخابات لضمان الربط بين الجهوية والبلاط، مادمنا نعيش في إطار ملكية، ولكي لا يفكر البعض في الذهاب بعيدا.
ومن جهة أخرى، لا يجب أن ننسى أن الجهة ستشكل نقطة ارتكاز جيوسياسي، وهذا في حد ذاته أكبر إصلاح؛ إذ يمكن آنذاك إصلاح القضاء بسهولة، بل إحداث مختلف الإصلاحات والتغييرات الأخرى من أجل ضمان استقرار النظام والبلاد.


- استنادا إلى تجارب البلدان التي سبقتنا في هذا المجال، هل هناك صعوبات في بلورة رؤية للجهوية المراد إقرارها في المغرب؟
إن بلورة تصور حول الجهوية المناسبة للمغرب ليس عمل يسيرا؛ فإيطاليا مثلا لم تصل بعد إلى ذلك، رغم أنها بدأت منذ 1945 إلى الثمانينيات، وكذلك الأمر بالنسبة لإسبانيا وفرنسا. ومن المعلوم أن إشكالية الجهة والجهوية أسقطت الجنرال شارل دوغول من الحكم سنة 1968. إن انتكاسات وتأثيرات الجهوية ثقيلة جدا على مصير الشعوب والبلدان، اللهم إن كانت هذه الجهوية تقتصر على الجانب التقنوقراطي، ولا تخرج عن دائرته. إن كان الأمر كذلك بالمغرب، فسوف لن تخرج عن المفهوم "البصراوي" (نسبة إلى إدريس البصري) بخصوص الجهة والجهوية، ومن الخطأ الجسيم الظن أن الجهوية هي تقسيم كعكة على 4أو 6، هذا علاوة على أن المناخ الذي سنعيشه إلى حدود 2010 هو مناخ العولمة والانفتاح، وبالتالي سنكون ملزمين بقوانين خارجية.



حاوره إدريس ولد القابلة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire