samedi 21 novembre 2009

دردشة مع فاعلين جمعويين حول تكوين ثروة الملك الحسن الثاني


29 يناير 2008
علي فقير / فاعل سياسي: راكم الحسن الثاني ثروته مستغلا عدم الفرق بين ما هو "مخزني" وما هو "عمومي"



عبد السلام أديب/ باحث اقتصادي : التواجد في موقع صنع القرار والإثراء على حساب المشاريع العمومية


محمد المسكاوي، المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام ( السكرتارية الوطنية ): وجب أن ننطلق من الزاوية الشمولية وليس الاقتصار على هرم السلطة



يعتقد علي فقير أن طريقة تكوين وتجميع ثروة الحسن الثاني لا تختلف عن الطرق التي تكونت بها ثروة الموظفين السامين والمقربين من البلاط، ربما لا يكمن الفارق في الجوهر، وإنما في الحجم والثقل وحرية التصرف وسرعة وثيرة التجميع.

وجل هذه الطرق تدخل في نطاق الاقتصاد والاحتكار وجني الربح باستغلال العاملين والشغيلة، سواء بالحواضر أو البوادي، وهذه حقيقة يعمل بها جميع الحكام والدوائر القريبة منهم والقائمين على الأمور بتوكيل أو تفويض، وهناك كذلك استغلال المواقع وتسخير مختلف أجهزة الدولة.

هكذا كان الحسن الثاني من الأوائل الذين استفادوا من الأراضي المسترجعة، وكان على رأس من وضعوا أيديهم على أجودها وأخصبها.

وفي غياب منافسة حرة بين المستثمرين، وفي ظل عدم احترام القوانين الاقتصادية الرأسمالية، تمكن الحسن الثاني من استغلال الدوائر الاقتصادية لمراكمة ثروة هائلة، واعتبارا لكون الاقتصاد المغربي ظل اقتصادا رأسماليا تبعيا بامتياز، فقد سَهُل الأمر وتعددت طرق مراكمة الثروة الملكية، لاسيما وأن اقتصادنا لا تحكمه تلك القوانين الرأسمالية التي عرفتها أوربا أو آسيا أو بلدان رأسمالية تبعية أخرى.

فعلاقات النفوذ واستغلال الموقع مكنت من جمع ثروات هائلة دون حسيب ولا رقيب، وقد ساهمت الأساليب المعتمدة من طرف المحيطين بالملك والبلاط آنذاك في تسريع وثيرة تجميع تلك الثروات.

وبرزت هذه الأساليب عبر غياب حدود فاصلة بين ما هو مخزني وما هو عمومي، وفي هذا الصدد لعبت جملة من الإدارات التابعة لوزارة المالية، لاسيما مديرية الأملاك المخزنية، دورا أساسيا في تفويت الكثير من الأراضي والضيعات والعمل على تسوية وضعيتها القانونية، وبذلك كانت هذه الإدارة ومثيلاتها أداة وآلية لتمكين العائلة الملكية من رصد عقاري حضري وفلاحي، كما أن هناك صناديق ساهمت بشكل غير مباشر في تكوين الثروة الملكية، في عهد الحسن الثاني؛ وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق الإيداع والتدبير وغيرهما، هذا في وقت لم تكن الحكومة تتحكم في تلك الصناديق، آنذاك كان من السهل تحويل الأموال من جهة إلى أخرى، أو من حساب إلى آخر بمجرد تعليمات وبدون حسيب ولا رقيب، وقد تكون ثروة الحسن الثاني قد استفادت من هذه الأموال، واستغلتها لحسابها الخاص، في كنف هذا الغموض والخلط بين المالية العمومية والثروة الملكية آنذاك.


و يرى عبد السلام أديب أن الآليات التي سمحت لفئة قليلة جدا من المغاربة، ما بين فترة حصول المغرب على الاستقلال والسبعينات، بمراكمة ثروات طائلة في وقت وجيز وبطرق غير واضحة، هي آليات متعددة حققت ثروات هائلة لفائدة فئة قليلة خلال فترة وجيزة، من بينها ما يلي:

1 – التواجد في مواقع صنع القرارات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية: فعدد من المغاربة الذين كانوا يتوفرون بعد خروج الاستعمار المباشر، على مستويات متفاوتة من التعليم والذين أسندت لهم مهام المسؤولية الإدارية والاقتصادية المختلفة في قطاع الوظيفة العمومية أو في قطاع المؤسسات العمومية التجارية والصناعية، استطاعوا مراكمة ثروات هائلة، ويمكن هنا الإشارة إلى العديد من الأمثلة من بينها طبعا منح تراخيص النقل والصيد البحري والمقالع والمناجم والتجارة الخارجية والعمليات المصرفية... الخ، وإذا أخذنا على سبيل المثال أذونات التصدير والاستيراد فقط، فالعملية كلها مدرة لثروات خيالية جعلت ثروات البعض تنتقل بأرقام فلكية لم تحققها الأسر البرجوازية الأوروبية إلا بعد عقود من الاستغلال.

2 – الإثراء على حساب المشاريع العمومية: فوضع تقديرات مالية مبالغ فيها للمشاريع العمومية الكبرى كالسدود والطرق والموانئ والسقي والتنمية الفلاحية والتزويد بمياه الشرب، والتي تمول في الغالب بقروض خارجية ضخمة، تمكن بعض المشرفين على الانجاز من تحقيق ثروات خيالية بطرق ملتويةّ، كعملية ارساء الصفقات على شركة معينة دون أن تتوفر فيها كافة الشروط على حساب باقي الشركات، وادخال بعض المكونات ضمن تكاليف المشروع كبناء دور الأطر والعمال، حيث يمكن بهذه الطريقة تشييد فيلات فخمة في أماكن غير مواقع المشروع، أو تمويل واستيراد تجهيزات باهضة الثمن، فلاحية أو صناعية، عسكرية أو طبية، فتؤدى المبالغ مقابل أوراق تثبت حصول الاستيراد دون أن تكون حقيقية.

3 – احتكار بعض العمليات أو صناعة وبيع بعض المنتوجات: فاحتكار مكتب التسويق والتصدير لعمليات تصدير بعض المواد الفلاحية وكذا احتكار إنتاج الحليب والزيوت والسكر وتسويقها، يجعل المحتكرين يسبحون في أنهار جارية من الأموال، تقوم على هوامش خيالية من الأرباح تتحقق على مستوى فرض سعر زهيد على المنتج عند الشراء وفرض أسعار عالية عند البيع، وهنا تحدث سلسلة من الخروقات لها علاقة بالاستغلال البشع للمنتجين والمستهلكين، وتحقيق فوائد مالية خيالية، يتمكن المسؤولون من تحويل جزء كبير منها لحساباتهم البنكية داخليا أو خارجيا.


أما محمد المسكاوي، المنسق الوطني للهيئة الوطنية لحماية المال العام – السكرتارية الوطنية – فيرى أن معالجة موضوع تكوين ومراكمة الثروات من طرف القائمين على الأمور وكبار الشخصيات في البلاد منذ فجر الاستقلال، وجب أن تنطلق من الزاوية الشمولية وليس الاقتصار على هرم السلطة، وذلك للتمكن من وضع الأصبع على مكمن الخلل وأصل المشكل، باعتبار أن الإشكالية ليست مرتبطة بأشخاص بعينهم ما دامت النخب والشخصيات تتغير مع مرور الوقت، وإنما هي مرتبطة ببنية مركبة ونظام اقتصادي ريعي.

وهذا النظام اعتمد في تدبير الشأن العام منذ الاستقلال على مفهوم الإرشاء عبر توزيع الامتيازات والمسؤوليات خارج الإطار القانوني ودون اللجوء إلى مسطرة المحاسبة، والشعب المغربي بفئاته المحرومة هو من أدى ولازال يؤدي ثمن وضريبة اقتصاد الريع الذي جعل 5 بالمائة من السكان يستحوذون على 90 بالمائة من خيرات البلاد.

هذا هو الإطار العام الذي تكونت في أحضانه ثروات العائلة الملكية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

لهذا السبب يقر محمد المسكاوي أن المطلب الأساسي لحماية المال العام والقوى الحقوقية الحية هو الإصلاح الدستوري، هذا الأخير الذي يحدد المسؤولية ويجعل السيادة للقانون على قاعدة المحاسبة والمساءلة، من خلال قضاء نزيه ومستقل.

ويعتقد محمد المسكاوي أن هذه الإجراءات الإصلاحية المستعجلة من شأنها أن تفرز بنية اقتصادية قوية متماسكة تساير مختلف التطورات وتضمن العيش الكريم للمواطنين، اعتمادا على المنافسة الشريفة والمبادرة الحرة والخلاقة، عوض شركات العائلات والاحتكارات وخوصصة المؤسسات المنتجة لنفس العائلات وضخ الملايير من الدراهم من المال العام في حساب المؤسسات المفلسة، والأدهى من ذلك أن هذه الشركات العائلية تتهرب من الضرائب، وفي هذا الصدد سبق لمدير الضرائب أن صرح بأنه يضيع على الدولة يوميا ما قيمته 28 مليار سنتيما من جراء هذا التهرب الممنهج.

بعد المعاينة رجعت إلى البيت محطم الأعصاب



2007 / 2 / 17
حوار مع الراحل جواد العراقي محام ونقيب سابق


قبل إجابته على أسئلتنا بخصوص مراسيم تنفيذ عقوبة الإعدام بالمغرب، أصر الأستاذ جواد العراقي على التذكير بأن قضية الإعدام كانت الشغل الشاغل للمحامين الشباب في أوائل ستينيات القرن الماضي، ذلك أنه بعد اختيار الأستاذ أحمد الشاوي كاتبا لندوة المتمرنين بهيئة المحامين بالرباط للسنة القضائية 1963 – 1964، قام بتقديم خصصه لموضوع عقوبة الإعدام مطالبا في ختامه بإلغائها، والجدير بالذكر أن ندوة التمرين كان يحضرها إذ ذاك وزير العدل والرئيس الأول لمحكمة الاستئناف والهيئة القضائية علاوة على المحامين.


وعقب هذه الندوة تكونت جمعية للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام، وكان من ضمنها عدد كبير من المحامين، بينهم الأساتذة محمد بوزوبع و الفاروقي والمرحوم أحمد عبابو وعباس الفاسي وجواد العراقي وغيرهم، وأخذوا على عاتقهم أن تكون مقدمة مرافعتهم في كل قضية يطلب فيها الإعدام الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام وعدم النطق بها.

وبخصوص حالة تنفيذ الإعدام التي عاينها، يقول الأستاذ جواد العراقي.. في ليلة إعدام العقيد أمقران ومن معه، كانت هذه الجماعة (مجموعة المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام) إضافة إلى عدد من الفاعلين الجمعويين والمثقفين ومنهم عبد الكريم غلاب مجتمعين في منزل الأستاذ محمد بوزبع ليحرروا ميثاق ميلاد هذه الجمعية، إلا أنهم فوجئوا برجال الأمن يحضرون المنزل المذكور لإبلاغ محاميي الدفاع قرار تنفيذ الإعدام في قضية العقيد أمقران والكويرة ومن معهما.

ويضيف الأستاذ جواد العراقي.. هكذا حضرت تنفيذ الإعدام ليلة عيد الأضحى لسنة 1973، وكان الأمر يتعلق بالمحكوم عليهم بالإعدام في قضية ما سمي بـ "الطائرة الملكية"، علما أنني لم أحضر قط أي تنفيذ في الأضناء.

ويسترسل الأستاذ موضحا.. إنني لما توصلت بالاستدعاء لحضور تنفيذ عقوبة الإعدام سقط كل ما كنت أمسكه بيدي آنذاك.. فالعلاقة بين المحامين والشخص المحكوم عليه تكون علاقة تخرجه عن نطاق العمل فقط، وتصبح علاقة شبه عائلية وأخوية تقريبا.

ويقر الأستاذ قائلا.. أجل إن حضور المحامين من الناحية المحامية ضروري، فالمحكوم عليه بالإعدام لا يكون له قريب أو مؤنس في تلك اللحظة سوى محاميه.

ويؤكد الأستاذ جواد العراقي أن الإطلاع على محضر هذه العملية يفيد بأنها تتم بحضور جماعة من الأشخاص كلهم كانوا وراء صدور هذا الحكم، واللائحة كما يلي: الرئيس الذي أصدر العقوبة، وقاضي التحقيق، والوكيل العام، والمنفذون.

ويسترسل الأستاذ حديثه مبينا.. لقد حضرت تنفيذ الإعدام في مجموعة العقيد أمقران التي تمت في أولاد برجال ناحية القنيطرة، في الجزء المخصص لعمليات تدريب الجنود. أما حالة المحكوم عليهم، فكانت عادية، عكس ما قد يتصوره المرء، كانوا شجعانا وتقبلوا تنفيذ الحكم بثبات ورباطة جأش طالبين الشهادة والاستشهاد.

ويرجع الأستاذ جواد العراقي إلى الماضي خلال عملية السرد ليؤكد.. حضرنا إلى السجن المركزي بالقنيطرة مبكرا، وبعد أن حضر الرئيس الذي أصدر الحكم تقدم المحكوم عليهم بمعية محاميهم. أما طلباتهم فقد فكانت منحصرة في المسائل المتعلقة بعائلاتهم وأفراد أسرهم.

ويشير الأستاذ.. أنه في إطار هذه القضية تم تأخير موعد التنفيذ إلى حوالي الساعة الثامنة صباحا لأسباب كنا نجهلها، مع العلم أن التنفيذ يجب أن يتم قبل الفجر، وتمت عملية التنفيذ بعد وقوف المحكومين مصطفين، وأمامهم اصطف أفراد فرقة الرماة على بعد بضعة أمتار، وبعد إشارة رئيسهم دون طلقات النار، وبعد ذلك قامت الفرقة بمعاينة الجثث ليتيقنوا سداد التنفيذ، بالموت الأكيد.

ويختم الأستاذ جواد العراقي حديثه قائلا.. كانت هذه أول مرة أحضر فيها معاينة تنفيذ العقوبة المذكورة، وكان لمشهدها وترتيباتها تأثير شديد القوة على نفسي، بحيث رجعت إلى البيت محطم الأعصاب، ولولا علمي المسبق بأشياء أخبرني بها المحكوم عليهم في خلوة بيننا (المحاميين) وبينهم قد تقع، لما وجدت القوة لمغادرة البيت. لذلك اضطررت أن أتوجه إلى الرباط ولكن مع الأسف الشديد وصلت متأخرا، فحصل ما حذروا منه، كما وقع للأستاذ محمد اليازغي عندما انفجر طرد بين يديه.

وهنا انتهى حديث الأستاذ جواد العراقي

مناظرة دولية حول الجريمة المنظمة والإرهاب


مناظرة دولية حول الجريمة المنظمة والإرهاب
2009-05-26


هذه هي المرة الأولى التي تنظم فيها كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء مناظرة حول الجريمة والإرهاب بمشاركة فعلية لمسؤولين أمنيين مغاربة وأجانب لتسليط بعض الأضواء على هذه السابقة حاورنا الدكتور عبد الرحمان مكاوي ،الخبير في الشؤون العسكرية وأحد أعضاء اللجنة المنظمة.


1- لماذا تنظيم هذه الندوة في هذا الوقت؟ وأين يكمن طابعها الدولي؟

تنظم هذه الندوة بمناسبة الذكرى 60 لإنشاء كلية الحقوق بالبيضاء و الذكرى 53 لميلاد إدارة الأمن الوطني، فدراسة الجريمة المنظمة و الإرهاب أصبحت موضوع الساعة في كافة الدول الديمقراطية التي تعرف تنامي ظاهرة الإجرام وبروز منظمات تدعو إلى العنف، فالأمر يهم كل المجتمعات فالموضوع ليس حكرا على الدولة ووسائلها الأمنية، بل أصبح رأي الجامعيين و المختصين يؤخذ بعين الاعتبار في كافة دول العالم. أما المشاركة الدولية فهي مهمة وعلى أعلى المستويات أوروبية، أمريكية، أمريكية لاتينية، افريقية و الأنتربول، فهي مناسبة لتبادل التجارب و الخبرات و طرق معالجة هذه الآفات على ضوء العولمة. فالعالم أصبح قرية صغيرة و أصبح من الضروري تنسيق الجهود و تبادل المعطيات لتقليص الجريمة و إجهاض مؤامرات الإرهاب حسب الآية الكريمة " و آمنهم من خوف"


2- هل مشاركة مسؤولين أمنيين فيها يعبر عن تفتح الأجهزة الأمنية على الجامعات والبحث الأكاديمي؟

أولا مشاركة بعض المسؤولين الأمنيين في الندوة هو مؤشر ايجابي جدا على انفتاح الإدارة الأمنية على الجامعة التي هي مجتمع صغير. فإدارة الأمن الوطني على سبيل المثال لها اتفاقية شراكة مع كلية الحقوق بالدارالبيضاء من خلال إحداث تخصص على مستوى الماستر للعلوم الجنائية. و إدارة الأمن كانت و لازالت تحث و تشجع على التعاون مع الجامعة لما فيه مصلحة البلاد و العباد. و هذا موجود في جميع الدول الديمقراطية.


3- هل اختيار محاور هذه الندوة الدولية حكم هاجس أكاديمي بحث أم أملته اعتبارات أخرى؟

الجامعة لها دورها الأكاديمي و العلمي و لكن هي في نفس الوقت تعكس اهتمامات المجتمع و تطلعاته و هواجسه، بل في بعض الأحيان من خلال الدراسات و الندوات تعطي للمسؤولين عن القرار السياسي الاقتصادي رأيها في تسيير الأمور، فمساهمتها ثابتة فهي قلب المجتمع النابض. فتخلف الجامعة عن هذا الدور الطبيعي في التأطير و التحليل و الإصلاح هو علامة تخلف المجتمع، فكل حراك علمي تصب نتائجه في المجتمع سلبا أو ايجابيا.


4- بلغ إلى علمنا أن هناك جهات غير مرتاحة لإقامة هذه الندوة، وعملت على إجهاضها، فيما هي الأسباب التي دفعتها لذلك؟


يمكن القول حسب المعلومات الواردة علينا أن السيد المدير العام للأمن الوطني يشجع و يتابع هذه المبادرة شخصيا، فهو شريك فاعل مع آخرين في هذه الندوة و هو حريص أن تلعب كلية الحقوق دورها و مساهمتها في تقدم البلاد و أمنها. فهناك تعاون ايجابي في الوقت الراهن مع بين الطرفين : الجامعة و إدارة الأمن الوطني و ادارات أخرى ذات الصلة.


5- اهتمام الجامعات المغربية بمواضيع الأمن والجيش مسألة جديدة ببلادنا نسبيا، إلى ماذا ترجعون هذا التغيير؟

اهتمام الجامعة بالدراسات الأمنية و العسكرية يعكس مدى الثقة بين جميع مكونات المجتمع. فجامعات أمريكا و فرنسا و ألمانيا و بريطانيا و السعودية و الجزائر و ... فالقنوات مفتوحة مع إدارات الدفاع و الأمن في هذه الأقطار. فالمغرب أصبح اليوم يتوفر على طاقات متخصصة في الإستراتيجية العسكرية و الأمنية، و هو يستفيد منها كثيرا، نظرا لوحدة الهدف و القيم و المصلحة العليا للبلاد.



6- هل لجامعتكم من دور تلعبه في هذا المجال، وكيف؟

لقد بدأنا بإحداث كثير من التخصصات في المجال الأمني و مكافحة الجريمة و الإرهاب، و نحن ننوي إحداث مركز مستقل للدراسات الإستراتيجية و العسكرية بضم خبراء عسكريين و أكاديميين و المشروع هو بصدد الإعداد لتقديمه إلى من يهمه الأمر.

mardi 17 novembre 2009

النهب يرتبط أساسا بنظام الحكم في المغرب


2006 / 9 / 7

حوار مع خالد الجامعي كاتب صحفي ومحلل سياسي
النهب يرتبط أساسا بنظام الحكم في المغرب



- تعرضت الثروة المغربية على امتداد مساحة استقلال البلاد إلى النهب، ما هي في نظركم الظروف التي سنحت بذلك؟

+ يمكن القول إن المغرب تم التطاول على ثرواته فيما يشبه عملية "لوزيعة" منذ فجر الاستقلال إلى يومنا هذا؛ والمغاربة - دون استثناء - يعرفون ذلك جيدا، وهو أمر حكمته ظروف سياسية، إذ منذ عهد الحكم السعدي بالمغرب، حيث تأسس "المخزن" الذي جاء معه السلب والنهب والإختلاس وغيرها من مظاهر المرض القبيح في الاستغلال والقمع في أبشع صوره؛ وتحضرني الآن حكاية أحد ملوك العلويين حيت أرسل لأحد قواده بإحدى المناطق المغربية رسالة خطية يقول فحواها (الأموال لكم والرقاب لنا)، وهذه المقولة التي سجلها التاريخ، كررها الملك الراحل الحسن الثاني بعد الانقلابين العسكريين، في مطلع السبعينيات، حين قال لضباط الجيش (خذوا ما شئتم من الأموال، فقط ابتعدوا عن السياسة). من هنا يتضح أن للنهب والسلب ارتباطا وثيقا بالمخزن منذ فجر الدولة السعدية كما سبقت الإشارة.

وللإشارة أيضا إن أمثالنا المغربية الدارجة تحمل في عمقها الكثير من الدلالات تؤكد صحة هذا الطرح بل وتروج له بطريقة غير مباشرة وغير مقصودة كذلك، سواء في جانبه الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي، ومن بين أبرز تلك الأمثلة العامية (المخزن اللي ما ياكل ما يوكل) و(أدهن السير يسير) و (المخزن يدو طويلة) والآلاف مثلها من الأمثال الشعبية التي لا تزال موشومة في الذاكرة المغربية.

هذه كلها إشارات جعلت من الرشوة والأتاوات والنهب شيئا عاديا بالنسبة للعامة ومسلم به، لماذا لأنه لما تم تأسيس الدولة المخزنية لم يتحدد لمسؤولي الدولة أجورا أو رواتب في الخزينة أو بيت المال أو غيرها من الأسامي التي كانت تطلق على صناديق الدولة، بل كانوا يستخلصون رواتبهم من العامة، أي من جيوب الشعب، الشيء الذي أصبح - عبر مراحله التاريخية - أمرا مشاعا يقبل به الجميع؛ وهذا يدل على أن الإشكالية الكبرى ترجع بالأساس لـ (راس العين) بمعنى أن وسائل النهب والاختلاس والسرقة تتقوى في البلدان التي لا تحترم القوانين المنظمة للحياة العامة بين الناس، أو في الدول التي ليست "دول حق وقانون".


- هل النهب كان مجرد تجاوزات لأشخاص أم أنه سلوك في تدبير ونمط ممارسة الحكم؟

+ هذا النهب يرتبط أساسا بنظام الحكم، ويمكن القول أن الرشوة والنهب والتسلط هو مكون من مكونات الدولة المخزنية، إذ لا يمكن أن تقوم أي قائمة للدولة المخزنية دون أن توفر هذه المكونات التي تعتبر من دعاماتها الأساسية، لأنه – أي النظام الحاكم – يفسح المجال أمام أقبح السلوكات وقد يشجعها أو يغذيها في غالب الأحيان لكنه لا يقبل بأن يتشبع مواطنوه بالسياسة والأشياء المرتبطة بها، وقد يصل به الأمر إلى استعمال القوة والقمع في سبيل إقفال هذا الباب على العامة. وقد يصل الأمر إلى ما يسمى عندنا بالدارجة (يتركوه) كما وقع مباشرة بعد الانقلابين الأول والثاني، لما (ترك) الحسن الثاني ضباط الجيش عن طريق (لعدول)، من هذا يتجلى بالواضح أن عملية النهب والسلب التي تمس خيرات البلاد هي من مكونات الدولة المخزنية، لأنها الوسيلة التي تشترى بها الذمم والضمائر، وعن طريقها تتم عملية توسيع مساحة "الولاء" لأن هذا الأخير لا يمكن أن يعطى هكذا ودون أي مقابل؛ لذلك تجد المخزن يفرضه عن طريق منح الامتيازات وغيرها من الوسائل النفعية التي يقدمها لبعض خدامه من العامة أو الخاصة وغالبا ما تكون من الخيرات أو الأموال العامة.


- ما هي الدوائر المسؤولة عن هذا النهب؟

+ ليست هناك دوائر، الدولة المغربية هي وحدها المسؤولة عن هذا النهب الذي طال خيرات البلاد وأجزاء مهمة منها، بتواطؤ مع نظام الحكم، بدون استثناء، لن أحدده في شخص الملك أو في وزير أو.. أو.. إنما في نظام الحكم برمته لأن هذا الجهاز بأكمله، يفرض مثل هذه السلوكات المضرة بالثروة الوطنية.


- من هم هؤلاء المستفيدون من عملية "لوزيعة" التي ذكرتم؟

+ المستفيد الأول هي "الملكية" تم خاصة الخاصة أي الأشخاص المقربون منها بشكل كبير جدا، دائما في إطار النظام المخزني، إضافة إلى الخاصة، ثم بعض العينات من العامة، بمعنى أن كل في مستواه يمارس النهب حسب قدرته وحجم مسؤوليته، الملك في مستواه، الحكومة في مستواها وحجم وزرائها، الكتاب العامون في دواليب الدولة في مستواهم، وهكذا حسب الخط التنازلي داخل هرم الدولة، وصولا إلى الولاة والعمال والقواد والشيوخ والمقدمين، ثم الأعيان التابعين لهم، هذا التسلسل أو التراتبية هي التي يتم عبرها استنزاف خيرات البلاد إما عن طريق الامتيازات الممنوحة أو بواسطة القمع والإكراه والاستغلال الفاحش أو عن طريق الرشوة والأتاوات، لكن هذا لا يعني أن الجميع متورط في عملية النهب، إنما التسلسل الهرمي الذي ذكرت هو الخريطة الحقيقية لممارسة النهب أو بمعنى آخر هكذا يشتغل النظام المخزني بالبلاد.


- ما هو حجم تأثير هذا النهب للخيرات الوطنية على التنمية المغربية؟

+ المقياس هو الحالة التي يعيش عليها المغاربة وهذا طبعا جاء نتيجة العمليات المتعلقة بالنهب وتبعاته، كما لا يمكن أن تجتمع التنمية بالنهب، لأنهما نقيضان، الأولى تتطلب المصداقية والحس الوطني الصادق لبناء صرح البلاد، والثاني مبني على الجشع والطمع والتخريب، من ذلك فهما أمران لا يتقابلان في مكان واحد، إضافة إلى أن التطور الاقتصادي مرهون بالديمقراطية، وهذه الأخيرة تتطلب قضاء مستقلا ونزيها، لضمان جميع الحقوق وخاصة الاقتصادية ويتمكن من تحقيق الحماية للمستثمرين في المجالات الاقتصادية، ويمكن المواطن من الاطمئنان على أمواله المستثمرة، وأن تكون العدالة قادرة على حماية حقوق الأفراد والجماعات وممتلكاتهم، أما والحالة كما هي الآن في يد السلطة التنفيذية، يصعب التكهن في ظلها بتوفير شروط الحماية المطلوبة لمشاريع وأموال الناس.


- ما هي الفترة الزمنية التي عرفت أكبر عملية نهب في تاريخ المغرب الحديث؟

+ يصعب الجواب على هذا السؤال لأني لا أملك أرقاما لتواريخ محددة يمكن الاعتماد على ضوئها تحديد الفترة المغربية التي عرفت أكبر عملية نهب لخيرات الوطن، لكن الذي يمكن الوقوف عليه بالتأكيد هو أن فترة الاستقلال عرفت تطورا كبيرا في أشكال وأساليب النهب أي أنه أصبح بطريقة حديثة، فبعد أن كان من قبل يُمارس بشكل علني مفضوح مبني على القوة ولوي الذراع، إذ أصبح يمارس ربما بحجم أكبر لكن ليس بالطرق المكشوفة بالواضح، بل عن طريق فتاوى علمية مستورة إلى حد ما، مثلا سياسة السدود التي تتشدق بها بعض الجهات وتروج لها بالتأييد والنجاح وغيرها من النعوت الحميدة، لكن العمق يؤكد العكس ويعلن أنها كانت مجرد عملية نصب كبرى ثم بموجبها الاستحواذ على المساحات الشاسعة من أراضي المواطنين بأثمان بخسة أصبحت تساوي الملايين بعد إقامة السدود بها، بمعنى أن تلك السدود شيدت (لغاية في نفس يعقوب قضاها) مما يؤكد أن جملة من المشاريع لم تنجز بدافع الحس الوطني إنما بالحس المخزني في الاستحواذ على خيرات البلاد وثرواتها الطبيعية، ثم كيف يعقل في دولة يزعم حكامها أنها دولة الحق والقانون، وأن يستغل عمر أو زيد مقالع رملية هكذا لله في سبيل الله، دون أداء الرسوم والواجبات الحقيقية لخزينة الدولة، أضف إلى ذلك نظام الامتيازات الأخرى (الكريمات) ويمكن القول أن هذه الامتيازات هي الوسائل التي يستعملها النظام الحاكم للتأثير على مجموعة من الأشياء وفي مقدمتها الضمائر والذمم.


- هل يتحمل الشعب جزءا من المسؤولية بلزومه الصمت تجاه هذه الممارسات؟

+ ثلة كبيرة من هذا الشعب ماتت لأجل مكافحة هذه السلوكات المريضة التي بات يستعملها النظام المخزني في المغرب على امتداد مساحة الاستقلال، أو بالأحرى قتلوا لأجل دفاعهم عن الثروات الوطنية، سنة 1965 و 1981 وغيرها من التواريخ المغربية، منهم من قتل في فاس، تطوان – البيضاء وعلى امتداد تراب المملكة المغربية، آلاف القتلى قدمهم هذا الشعب قربانا للديمقراطية ودولة الحق والقانون وآلاف المعتقلين وضحايا الرأي العام ومنهم من لا يزال في أقبية السجون والمعتقلات، ولا يزال هذا الشعب يناضل بشرفائه إلى يومنا هذا، الشعب لم يصمت يوما، الشعب حاضر في كل وقت وحين يقاوم الظلام ويصارعه، ولا يمكن بأي وجه من الأوجه أن نقول بأن هذا الشعب يتحمل المسؤولية أو تحديدا مسؤولية ما جرى في البلاد من نهب ونصب والاحتيال واستغلال للثروات العامة. ويمكن القول بكل جرأة أن هذا الشعب خانته نخبته، خانته الأحزاب، خانه المسؤولون لأنهم كذلك من هذا الشعب.. باختصار شديد إن الشعب المغربي الكل خانه واستنزف خيراته ونهب ثرواته سواء الطبيعية منها أو البشرية، وأصبح كالحمل الذي سرقوا منه "الصوف" وتركوه يصارع هبات الريح القارصة. وكلما تحرك فرد من هذا الشعب يزجون به في السجن أو يعاقبوه بطرقهم الجديدة والعلمية التي لا يجتهدون إلا في تطويرها وتفعيلها لكتم الأنفاس المتصاعدة في صدر هذا الشعب.

أنا لا ألوم هذا الشعب لأنه قام ولا يزال بالدفاع عن ممتلكاته الوطنية، رغم كثرة الخونة والسفلة إلا أنه يواصل الركب حاملا جروحه وآلامه البليغة، لكني ألوم النخبة من هذا الشعب، خاصة وأن الشعوب منذ الأزل، تمشي وراء نخبتها. ولما يتوفر عنصر الحس الوطني الصادق والحب الكبير للوطن داخل نفوس هذه النخبة لدرجة امتلاك القدرة على التضحية من أجل هذا الشعب، سيكون هذا الأخير وراءها بكل قوته العددية والمادية، وقتها قد يقدم النفس والنفيس لأجل الانطلاق نحو الأفضل. في الوقت الراهن لن يقف هذا الشعب وراء أيا كان، خاصة وأنه لدغ من نفس الجحر مرات متعددة ولا يمكنه أن يلدغ مرة أخرى لأن قدرته الاستيعابية لم تعد قابلة للاستمرار على هذا المنوال. لأنه خسر الرهان غير ما مرة وسئم تكرار نفس المآسي السابقة، لكن هذا لا يعني أن المواطن المغربي وصل حد اليأس، بالعكس فهو شاب يملك قدرة هائلة على التفاعل الإيجابي في أية لحظة أو حين، ويحترم الشرفاء من أبناء هذا الوطن، كما أنه يعلم جيدا أن "لمقدم" يستغفله "والقائد" يحتقره وهرم السلطة يبتزه.


- هل هناك جهات أجنبية تساهم في نهب خيرات المغرب؟

+ يمكن لأي أجنبي وجد تسيبا في البلاد أن يستغل الفرصة للانقضاض على جزء من ثرواته، وهذا الأمر لا يدينه بقدر ما يدين القائمين على إدارة هذا التسيب في البلاد. الذين فتحوا شهية هؤلاء الأجانب للنهب من ثرواتها الوطنية، لأن الرأسمال الخارجي يبحث لنفسه عن مواقع أقدام داخل أية دولة، من ذلك تجده يتصيد الفرص لتقوية رصيده بها، خاصة إذا وجد حكومة فاسدة كما هو الحال في المغرب تبيعه أي شيء بأثمان زهيدة فإنه ينتعش فوق أرضها وعلى حساب خيرات شعبها. بل هناك هدايا يقدمها النظام الحاكم لهذا الرأسمال الأجنبي لاستمالة بعض الدول سياسيا وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أننا لسنا "دولة قانون" حيث لا يمكننا محاسبة هؤلاء المتلاعبين بالمال العام، بما يصطلح عليه بمبدأ "الإفلات من العقاب" ليس هناك من أحد في هذا البلد، قدم الحساب يوما، يحكمون البلاد دون أن يسمح للشعب بمحاسبتهم وهذا الفعل هو الذي أوصل المغرب إلى ما هو عليه الآن من تراجع على جميع المستويات والأصعدة، بخلاف الدول الديمقراطية التي يحاسب فيها الكل سواء كان رئيس دولة أو وزيرا أو غير ذلك للمحاسبة والمساءلة الجنائية.


- ماذا لو لم يحصل هذا النهب كيف سيكون شأن مغرب اليوم؟

+ هل خيرات أندونيسيا أكثر من خيرات المغرب، هل بلدان آسيا يملكون مثل ثرواتنا الوطنية، المغرب له من الثروات ما يؤهله بأن يكون في مستويات أحسن بكثير من العديد من دول العالم، فهو يمتلك ثروات طبيعية هائلة من معادن وغيرها من المؤهلات الطبيعية التي لا تقدر بثمن، والتي تضمن لجميع المغاربة عيشا محترما وقارا.

لا يعقل أن نسبة مئوية قليلة جدا من المغاربة تستغل أكثر من 80 بالمائة من ثروات البلاد ولا يمكن للعقل البشري أن يقبل بهذه الأشياء المعلولة، كما أن الموارد البشرية المغربية هي ثروة أخرى لا تستثمر بالشكل الإيجابي لاستغلال منتوجاتها الفكرية والجسمانية كمصدر أساسي وفاعل في التنمية الوطنية، الأدمغة المغربية كلها هربت إلى الخارج ويمكن القول أن أجيالا بأكملها هربت خارج الحدود، تحمل معها أدمغة نيرة تفيد البلاد في العديد من المجالات وتساهم في التقدم العلمي والتكنولوجي للمغرب، هذا الرأسمال الوطني من الموارد البشرية المغربية المؤهلة والمؤطرة، للأسف طارت إلى الخارج لأنها لم تجد من يأخذ بيدها داخل الوطن.

اليوم، هناك محاكمات بخصوص نهب المال العام لم تتم ولن تتم، مثلا القرض العقاري والسياحي، وغيرها من الصناديق العمومية التي تم التسلل إليها من قبل البعض من هؤلاء المرتبطين بالنظام المخزني، فإذا تم استرجاع تلك الأموال المسروقة فإنها على الأقل ستمكن المغرب من بناء 11 ألف كلمتر من الطريق السيار، هذا فقط رقم من الأرقام المنهوبة من طرف القرض العقاري والسياحي، قس عليه "البنك الشعبي" وصندوق الضمان الاجتماعي، والبنك الوطني للإنماء الاقتصادي. هذه فقط بعض الأسماء التي أصبحت معروفة أما ما خفي فهو أعظم، وعلى المغرب أن يسترجع هذه الأموال، أنا لا أقول أنه بهذه الوسائل سيتم بناء الاقتصاد الوطني لكن على المغرب أن يسترد ما سرق من صناديقه لأنها أموال عامة

lundi 16 novembre 2009

شروط تحقيق مصالحة بين المواطن والشأن السياسي غير متوفرة


2009 / 4 / 12
إدريس لكريني/ أستاذ الحياة السياسية

شروط تحقيق مصالحة بين المواطن والشأن السياسي غير متوفرة



تعيش الأحزاب السياسية المغربية وضعية مأزومة، إن على مستوى تجذرها وسط الشعب وامتدادتها في فئاته أو على مستوى نهج تدبير تناقضاتها الداخلية، هذا في وقت يفرض الانفتاح والمنافسة والانصياع لقواعد اللعبة من طرف الجميع كسبيل لا ثاني من أجل استرجاع ثقة المواطن في اللعبة والركح السياسيين والتغلب على ظاهرة العزوف السياسي.
هذا في وقت ما زالت تبدو الحكومة غائبة أو محجوبة بفعل الأدوار المتعددة للبلاط في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ووجود حقائب وزارية تمارس خارج مسؤولية الأحزاب السياسية المكوّنة للعمود الفقري لحكومة عباس الفاسي، وأيضا في ظرف يتساءل الكثيرون عن نكوص المغرب على الصعيدين العربي والإفريقي.
لتسليط بعض الضوء على هذه الإشكاليات وأخرى، أجرينا الحوار التالي مع الدكتور إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بكلية الحقوق بمراكش.


كيف تقيمون الوضع السياسي بالمغرب حاليا؟ سيما بعد بروز الحزب الجديد والتنابز بين حزبين يشكلان عمود الحكومة ولإحساس أحزاب أخرى بقصر النظر، سيما الأحزاب التي حلمت بغد وردي رفقة صديق الملك، عالي الهمة؟

أعتقد أن الوضع السياسي الراهن من حيث ضوابطه أو أطرافه يحيل إلى القول بأن ما اصطلح عليه بمرحلة "الانتقال الديمقراطي" مازالت مستمرة، بل ويبدو أنها ستطول أيضا.
ومن جهة أخرى، أتصور أن الصخب والجدال الذي رافق ظهور هذا الحزب الجديد ينطوي على نوع من المبالغة والتضخيم في تقييم آثاره وأدواره المنتظرة، ذلك أن التخوفات وردود الفعل التي ساقتها العديد من القوى السياسية والنخب في هذا الشأن تعكس الوضعية المأزومة التي تعيشها مختلف الأحزاب من حيث ضعف امتداداتها الشعبية وتدبير اختلافاتها الداخلية وتجديد نخبها وتدني وظائفها الاجتماعية والسياسية.. فالحقل السياسي يفترض فيه الانفتاح والمنافسة والانصياع لقواعد اللعبة من قبل جميع المكونات السياسية.
ومن جهة ثالثة، أرى أن خروج هذا الحزب إلى حيز الوجود في هذه الظرفية السياسية بالذات التي تتميز بتنامي ظاهرة العزوف السياسي، وبأزمة المشهد الحزبي، واقتراب الانتخابات المحلية.. يطرح مجموعة من الأسئلة من حيث اعتباره خروجا عفويا أم أنه مجرد خطوة واعية من صانع القرار باتجاه إحراج الأحزاب التقليدية وتحفيزها على تأهيل عملها وتطويره، خاصة وان الأوضاع المأزومة الراهنة لهذه الأحزاب ليست في صالح المجتمع ولا الدولة..

على امتداد عهد حكومة عباس الفاسي، بدا وكأن السلطة التنفيذية غائبة بفعل الأدوار التي أضحى يقوم بها الملك والبلاط عوضها، إلى ما ترجعون واقع الحال هذا؟ وكيف يمكن تفسيره؟

+ أثبتت التجارب الحكومية الأخيرة أن الإمكانيات الدستورية المتاحة للسلطة التنفيذية تظل غير كافية، فالوزير الأول ينسق العمل الحكومي ولا يقوده، كما أن مجمل الشعارات التي ترفعها الأحزاب في حملاتها الانتخابية في علاقتها بمجموعة من القضايا، تصطدم بجسامة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. المطروحة من جهة، وبواقع الإكراهات المرتبطة بضيق الإمكانيات المتاحة دستوريا على مستوى تدبير الشأن الحكومي وبحضور المبادرات الملكية بشكل مكثف في المجال التشريعي والتنفيذي.. من جهة أخرى يؤثر سلبا على أداء الأحزاب وعلى بنائها الداخلي وعلى شعبيتها.
فعلاوة على وجود حقائب وزارية "سيادية" تمارس خارج مسؤولية الأحزاب(الخارجية، الشؤون الإسلامية، الداخلية)، تم في العقود الأخيرة إنشاء مجموعة من المؤسسات التي تعمل بتوجيهات ملكية وبإمكانيات مهمة، تملك سلطات واسعة في اتخاذ القرارات الحاسمة في مختلف المجالات المندرجة ضمن صميم النشاط التنفيذي.

كيف يمكن تقييم السجال المحتشم (وبالمرموز) الحاصل الآن بين حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، المشكلين لعمود الحكومة الفقري، بخصوص إشكالية الإصلاح الدستوري؟

إذا عدنا قليلا إلى الوراء نجد أن قادة ما يعرف بالكتلة الديمقراطية تمكنوا من بلورة مذكرات إصلاحية قدمت إلى الملك الراحل، وهو ما كان يعطي الانطباع بوجود تصورات ومطالب مشتركة أسهمت في تنامي شعبية مكونات الكتلة آنذاك ومن تعزيز وزنها وقوتها في مواجهة صانع القرار وتحقيق بعض المكتسبات.
وأعتقد أن السجال الراهن بصدد هذا الموضوع أو غيره من القضايا الحيوية الأخرى في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، يؤكد أن الزمن الافتراضي للكتلة قد أوشك على الانتهاء، وهو سجال يجد تفسيره أيضا في فشل التجارب الحكومية التي ظهرت في أعقاب ما سمي بـ"حكومة التناوب التوافقي" وما رافقها ويرافقها من محاولات كل طرف تحميل الآخر مسؤولية فشل التجربة ونفي ذلك عن نفسه.

والحالة هذه، كيف تتوقعون نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة، وهل من شأنها تقوية الأمل في التغيير أم أنها ستكرس واقع الحال؟

أعتقد أن ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة كان بمثابة رسالة واعية من الجماهير إلى الدولة وإلى مختلف الفاعلين السياسيين لتأهيل المشهد السياسي وتطوير عمل الأحزاب، لكن يبدو أن الجهات المعنية لم تستوعب بعد مضامين هذه الرسالة، ولم توفر بعد الشروط اللازمة لتحقيق مصالحة بين المواطن والشأن السياسي بشكل عام والانتخابي على وجه الخصوص.
إن التعامل مع هذه الظاهرة التي أضحت ممارسة واقعية في المشهد السياسي المغربي، تفرض الوقوف على مسبباتها الحقيقية في مختلف تجلياتها، وبلورة جهود إجرائية لإعادة الثقة إلى المواطن، بالشكل الذي يحصنه ضد مظاهر العنف والإرهاب أو الارتماء في أحضان الجماعات والشبكات المتطرفة أو اللجوء إلى خيار الهجرة السرية.. إن المشاركة السياسية تتطلب من جهة أولى توفير الشروط الأساسية والملائمة التي تكفل العيش الكريم للمواطن (السكن، الصحة، التعليم، الشغل..) ونهج الشفافية والوضوح على مستوى وضع السياسات العامة للدولة وتنفيذها، ومن جهة أخرى تظل الأحزاب السياسية مطالبة بإعمال إصلاحات داخلية تروم دمقرطتها وتحمل مسؤولياتها المفترضة في تأطير المواطنين وتمثيلهم وبلورة تطلعاتهم ومطالبهم لصناع القرارات، ومواكبتها للتحولات التي شهدها المجتمع المغربي، سواء على مستوى الحضور أو الخطاب..
كما ينبغي أيضا تطهير مؤسسة البرلمان والجماعات المحلية من جميع سماسرة الانتخابات، واعتماد معايير انتخابية مؤسسة على الكفاءة والمحاسبة والمصداقية، ومحاطة بضمانات سياسية وإدارية وقانونية وميدانية..، تكفل احترام إرادة المواطنين واختياراتهم..
وينبغي أيضا خلق الشروط الموضوعية والإمكانيات الدستورية التي تتيح للأحزاب تطبيق برامجها والوفاء بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها أمام الناخبين من داخل البرلمان أو الحكومة أو الجماعات المحلية بالشكل الذي يسمح بمواجهة مختلف التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. التي يواجهها المغرب، وتقوي إيمان وثقة المواطنين المغاربة بأهمية الاهتمام بالشأن السياسي ومؤسساته يعطي مدلولا ومعنى للانتخابات ويسهم بالتالي في إنضاج تجربة ديمقراطية طموحة.

كيف تتوقعون منحى مسار المفاوضات بخصوص ملف الصحراء؟

إن جلوس الطرفين إلى طاولة المفاوضات، هو تعبير عن الاقتناع بأهمية وضرورة البحث عن حل للقضية، ومؤشر على تبدل مجموعة من المعطيات.. كما أن رعاية الأمم المتحدة للمفاوضات، من شأنه توفير الشروط اللازمة لتطوير ودفع الأمور إلى الأمام.
ورغم بعض المواقف المتشائمة من مستقبل المفاوضات، فمن السابق لأوانه القول بفشل هذا الخيار، وخاصة وأن الممارسة الدولية تؤكد أن خيار المفاوضات وحده الوسيلة السلمية لتسوية المنازعات، علاوة على ضرورة توافر حسن النية بين أطرافها، فهي تتطلب صبرا كبيرا وجولات طويلة سيما عندما يتعلق الأمر بنزاع مزمن كما هو الشأن بالنسبة لقضية الصحراء، كما أن هذا الخيار يظل في جانب مهم بحاجة إلى محيط دولي وإقليمي مساعد يدفع باتجاه بلورة حل واقعي متفاوض عليه.
ولذلك فعلى الأطراف الإقليمية أن تستحضر مصالح شعوب المنطقة، وتنخرط بشكل جدي في القيام بأدوار إيجابية بعيدا عن أي تحريض ومعاكسة وحسابات ضيقة، بما يوفر الظروف الكفيلة ببلورة حل عادل ودائم للجميع، خاصة وأن استمرار التوتر في هذه المنطقة الحيوية لن يكون في صالح أي طرف، فالتسوية السلمية أمر تفرضه التحديات الدولية الراهنة أيضا والتي صارت تؤكد يوما بعد يوم أن مناطق التوتر والصراع تفرز تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية.. خطيرة تتجاوز الحدود.
ومن المعلوم أن هذا النزاع فوت فرصا عديدة على المنطقة المغاربية برمتها، فقد أثر بشكل سلبي ملحوظ على مسيرة المغرب العربي في زمن أصبح فيه التكتل أمرا ملحا، كما أسهم في تنامي المشاكل بين المغرب والجزائر..، فجاءت كلفته الاقتصادية على دول المنطقة ضخمة جدا.

كيف تقرأون مسار العلاقات بين المغرب وإسبانيا على ضوء المنافسة القائمة حاليا بين باريس ومدريد ببلادنا، وكذلك على ضوء تصاعد التخوف الاسباني من المطالبة الشعبية بالمدينتين السليبتين؟

رغم توقيع المغرب وإسبانيا على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون عام 1991، فإن العلاقات بين البلدين مرت خلال السنوات الأخيرة بمحطات صعبة (مفاوضات الصيد البحري في أواخر التسعينيات، أزمة جزيرة ليلى، زيارة العاهل الإسباني للمدينتين السليبتين، التضييق الإسباني المتزايد على المهاجرين المغاربة..) لكن عمق العلاقات الاقتصادية وحجم المصالح المختلفة التي تجمع البلدين، وانشغال المغرب بقضية الصحراء، منعت من خروج الأمور عن نطاق التحكم والسيطرة.
إن هناك مجموعة من العناصر الخلافية بين البلدين لم تسمح الظروف الراهنة حتى الآن بحسمها (جزيرة ليلى، المدينتين السليبتين، استعمال الغازات في منطقة الريف المغربي..) بحكم انشغال المغرب بقضية الصحراء، ستبقى مطروحة، وستشكل تحديا كبيرا أمام البلدين، يمكن أن تتحول إلى أزمة حقيقية سيما مع تصاعد الاهتمام الشعبي المغربي بهذه القضايا..
والحقيقة أن بلورة علاقات بينية متينة، مبنية على الثقة وحسن الجوار، تتطلب انخراطا حقيقيا من قبل إسبانيا وتحمل مسؤوليتها في حسم هذه الخلافات التي ستظل نقطة سوداء في العلاقات بين البلدين..

كيف تفسرون نكوص المغرب على الصعيد العربي؟

ينبغي الإشارة في البداية إلى أن فعالية دبلوماسية دولة ما في محيطها الإقليمي و/أو الدولي لا تقاس بالجانب الكمي على مستوى التحرك بقدر ما تقاس بالنجاعة من حيث المردودية ومدى تحقيقها للأهداف المرجوة.
خلال فترات من السبعينيات والثمانينيات تحركت الدبلوماسية المغربية بشكل مكثف على مستوى إدارة الصراع العربي- الإسرائيلي وبخاصة من حيث الجانب الفلسطيني.. غير أن الدينامية التي ميزت السياسة الخارجية في هذا الشأن خلال هذه الفترة، تراجعت بشكل ملحوظ في العقد الأخير، ويجد هذا التراجع تفسيره في عدد من العوامل الخارجية في علاقاتها بالتحولات الدولية المتسارعة، والداخلية المرتبطة بأولويات الدولة.
فالملك باعتباره الفاعل الرئيسي في الدبلوماسية المغربية بموجب المقتضيات الدستورية، أصبح يعطي الأولوية لقضايا واهتمامات محلية، وأعتقد أن إيلاء الاهتمام لهذه القضايا(التنمية المحلية والإصلاحات السياسية..) وتحقيق إنجازات في هذا الخصوص من شأنه أن يوفر مقومات يمكن أن تسهم مستقبلا في بلورة سياسة خارجية أكثر فاعلية ومردودية.
كما أن التطورات التي شهدتها قضية الصحراء في السنوات الأخيرة(طرح مشروع الحكم الذاتي والترويج له دوليا، واستئناف جولات من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو..)، فرضت أجندة معينة على صانعي قرارات هذه الدبلوماسية كما استأثرت باهتمامهم.
ولا ننسى من جهة أخرى أنه كان لانطلاق مفاوضات "السلام" في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، ودخول الطرف الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي في غمار مفاوضات مباشرة في أعقاب اتفاقيات أوسلو ومدريد، بالموازاة مع تراجع الفكر التحرري عالميا مع انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، الأثر الكبير في خفوت بريق القضية الفلسطينية ضمن برامج الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني في الأقطار العربية، وضمن أولوية السياسة الخارجية للأقطار العربية والإسلامية برمتها.
كما أن المتغيرات الدولية التي أعقبت أحداث 11 شتنبر وما تلاها من انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في حملتها المرتبطة بمكافحة "الإرهاب"، وما ترتب عن ذلك من إعادة رسم التوازنات والخيارات في المنطقة العربية على مستوى الصراع العربي- الإسرائيلي وغيره، بالإضافة إلى الصراع الفلسطيني – الفلسطيني الأخير على السلطة كلها عوامل صعبت وضيقت من فرص القيام بأدوار ديبلوماسية مغربية أو عربية طلائعية في هذا الشأن.
ومع ذلك، لا ينبغي أن نقرأ بأن هذه المعطيات تعبر عن قطيعة أو تهميش للقضايا العربية ضمن اهتمامات الدبلوماسية المغربية، ذلك أن المغرب ومن منطلق توجهه العربي والإسلامي كمحدد تاريخي وثابت في سياسته الخارجية والذي ما فتئ يؤكد عليه بشكل رسمي، تعاطى غير ما مرة خلال السنوات الأخيرة بإيجابية مع مختلف القضايا العربية.

وماذا عن نكوصه على الصعيد الإفريقي؟

في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم تنبه المغرب إلى معظم علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية التي كانت تتركز نحو دول أوربا، في حين لم تحظ مختلف دول العالم في إفريقيا وأمريكا اللاتينية بنفس الاهتمام على الرغم من مكانتها الاستراتيجية، الأمر الذي كان له انعكاس كبير على قضية الصحراء، بعدما تمكنت البوليساريو والجزائر من استثمار هذا الفراغ للترويج لأطروحاتهما ولكسب تأييد دول هذه المناطق مما وفوت عليه فرصا اقتصادية وتجارية مهمة.
ولعل ذلك هو ما دفع المغرب إلى الالتفات لهذه المناطق من خلال تنظيم زيارات رسمية أو نسج علاقات تجارية وعقد بعض الاتفاقيات وإعادة انتشار السفارات والقنصليات المغربية لتضم دولا من هذه المناطق الحيوية، الأمر الذي أسهم في تبدل المواقف إزاء قضية الصحراء ومكن من ضمان مكاسب اقتصادية..
إن انفتاح المغرب على العمق الإفريقي يجد مبرراته في كون هذه المناطق تزخر بإمكانيات بشرية وطبيعية واقتصادية وتجارب واعدة في مختلف المجالات يمكن أن تسهم في بلورة تعاون وتنسيق إقليميين بناءين، وتسمح أيضا بتعزيز الحضور المغربي في هذه المناطق بما يسمح بكسب مزيد من التأييد لقضاياه العادلة وللقضايا العربية والإسلامية أيضا

حوار مع ندية ياسين نجلة المرشد العام لجماعة العدل والإحسان


2007 / 1 / 13
إننا ندعو إلى بناء صرح على أسس جديدة تماما لا إلى ترميم أطلال مقنّعة


ندية ياسين، ناشطة سياسية، متعلمة ولبقة الحديث. هي من الوجوه البارزة لجماعة العدل والإحسان، الأكثر قدرة على تفسير أطروحات الجماعة بلغة العصر وبوضوح وشفافية النهج الأنكلوساكسوني، كلمات قليلة، لكن دقيقة من أجل طرح القضايا الكبرى جدا، يبدو أنها تعتمد خطة "الكلمات التي تفجر الدماغ وتصيب المقصد بدقة".
إنها ظلت واضحة ومباشرة في تصريحاتها سواء بالداخل أو الخارج. وتعتبر أن جماعة العدل والإحسان "العدو الداخلي للمخزن"، وبهذا المنظور يتعامل معها حسب الظروف وميزان القوى المتقلب، فالجماعة تعتبر ممنوعة أو مرخصة حسب الحالات والمحطات.
تنتمي ندية ياسين للجيل الثاني من أبناء جماعة العدل والإحسان، تلقت تعليما غربيا لكن تكوينها لم يؤثر على عقيدتها وقوة إيمانها وقناعاتها الراسخة، إنها تستشهد بالآيات القرآنية وفي نفس الوقت، وربما في نفس الحملة تستشهد كذلك بأقوال علماء ومفكرين غربيين غير مسلمين. تفتح معها أسبوعية "المشعل" حوارا بدون قيود
لطرح جملة من القضايا والإشكاليات


- شنت وتشن السلطات المغربية حملة على جماعة العدل والإحسان، فما هي تأثيرات هذه الحملة على تنظيم الجماعة؟

+ بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على رسوله الكريم.
هناك قاعدة سياسية عامة تجعل القمع في صالح المجني عليه دائما. لكن النظام المغربي المتردي المنحل، المتفكك، لا يتقن معرفة هذه القواعد، كما أنه لا يستفيد من دروس التاريخ سواء منها القديمة أو الحديثة، الخاصة أو العامة. هذه القاعدة تكون أقوى و أدق إن تعلق الأمر بجماعة متصلة بجذور الشعب العريقة وهويته الدفينة، و لا تدعو إلا إلى كل خير وصواب. الخير كل الخير أن تحرر الرقاب من وطأة الجهل بالله و الجهل بما كرمنا الله به من حقوق عامة و خاصة. وأكبر ظلم وقع على الأمة بعد انقطاعها عن معاني الآخرة، هو استعبادها من طرف حكامها باسم القرآن و الدين، و نحن نريد أن نحرر الإرادات والهمم بقراءة صائبة متحررة من تأويلات سياسية انتهازية، تخدم فقط مصالح نخب توالت عبر التاريخ على سفك الدماء وسرقة الثروات. قضيتنا إذن قضية مصيرية لن يقضي عليها أي تعسف وأي اضطهاد. كفاية..!

- ما هو موقع سفريات قياديي الجماعة إلى الخارج في إطار إستراتيجية جماعتكم؟

+ إن السؤال الذي يجب طرحه هو: "ما السر في الاهتمام المفاجئ بسفريات قياديي الجماعة؟"، إذ لم تذكر هذه السفريات إلا بعد الترويج الكاذب الذي صاحب سفري إلى الولايات المتحدة، حيث قيل إنني ذهبت لطرح فكرة الجمهورية، بينما الأمر لم يكن كذلك أبدا. لقد ألقيت خطابي هناك في إطار جامعة مستقلة تماما عن السياسة الرسمية الأمريكية، وهمي مثل هم قياديي جماعة العدل والإحسان، هو التواصل المستمر مع جميع من يرغب في تفصيل فكر عميق، يحتاج إلى توضيح وتبسيط. إن إيماننا عميق بعالمية دعوة ترتكز على مبدأين مؤسسين للإسلام : مبدأ العدل ومبدأ الإحسان؛ فالعدل يقتضي رؤية سياسية واضحة، والإحسان يقتضي تربية مستمرة وتأطيرا لمن ينتمي إلى مدرستنا. هذا هو سر سفريات قياديي العدل والإحسان، فالانفتاح على الآخر قد يؤدي إلى أوضاع عالمية تجنح إلى السلم والسلام والحوار عوض العنف والاستبداد والإرهاب.

- تتهمكم بعض الأوساط بأنكم تتقربون أكثر من الغرب، هل هو خيار أم تكتيك سياسي؟

+ نحن لا نتقرب لا إلى الغرب ولا إلى الشرق، بل نخاطب الإنسان كيفما كانت هويته. أما عملنا السياسي فهو وطني صرف، اخترنا فيه الشفافية المطلقة والتنظيم الجمعوي القانوني الذي لا يقبل أي تمويل خارجي. فعن أي تقرب تتكلم هذه "الأوساط" وعن أي أوساط نتكلم؟ أتلك "الأوساط"
التي لم يعد لها وسيلة إلا أن تقذفنا بأشنع الجرائم المعنوية والربط بيننا وبين أوساط هي أقرب إليها منا، ألا وهي أوساط المخدرات، الحسية منها والمعنوية. القذف سلاح الضعيف والقافلة تمر وتترك "لأوساط" في مائهم العكر وأكاذيبهم التي لم تعد تقنع الشعب الذي أفاق، نرجو الله أن يتم عليه نعمة اليقظة.

- تعتبر جماعة العدل والإحسان أمريكا شيطانا، فكيف ترونها الآن؟

+ ليست لدينا رؤية ثنائية للعالم بل نرى أن هناك أقدارا وأن من الجهاد دفع قدر بقدر. فأمريكا هي التي تروج إلى نظرة عدوانية تبسيطية للغاية وتصنف العالم إلى شياطين وملائكة، فشيطان كله من انتقد حماقة سياسة "بوش"، وملك من فتح له الأحضان وآبار النفط. إننا مع الحكمة وقول الكلمة التي لا تخشى إلا الله، ولا تحمل أي عدوان مجاني متهور. كلمتنا متصلة بالحق سبحانه وتعالى ولا نغير الكلمة والموقف حسب الرياح الوضعية، فالظلم ظلم والعدل عدل وعلى أمريكا أن تفهم أن هناك قوانين تاريخية لن تتجاوزها كما تفعل الآن دون أن تؤدي ثمنها عاجلا أم آجلا. إن كنت تقصد مرة أخرى زياراتي للجامعات الأمريكية، فانتقاد السياسة الحمقاء لدولة ما، لا يعني معاداة شعبها والحقد على المجتمع المدني لتلك الدولة. نحن نؤمن أن الحوار مع الشعوب قد يؤدي إلى مستقبل أقل قتامة من المنتظر.

- تتهمون من طرف الخصوم والسلطة بمزايدتكم بعدم قبول الدخول في اللعبة تحت ذريعة البقاء في المعارضة لكسب تعاطف أوسع فئات الشعب، ما رأيك في هذا؟

+ لقد ألفنا أقفاص الاتهام جماعة وأفرادا، ولن تزحزحنا الاتهامات عن رأينا في نظام لا يمكن أن ننخرط فيه أبدا، لعدم توفره على أدنى مصداقية ولا على أية ضمانة لتغيير سلوكه الأطوقراطي الفاسد النخبوي المتردي. إننا ندعو إلى بناء صرح على أسس جديدة تماما لا إلى ترميم أطلال مقنعة.

- يرتكز خطكم التنظيمي على تربية الناشئة، فهل يدخل هذا الاهتمام في إطار إستراتيجية فرض مفهومكم للدولة و السلطة من الأسفل؟
+ إننا فعلا جماعة تتوب إلى الله، وتريد أن تحيي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي ردمت تحت أنقاض حكم قضى على الأفراد وعلى الشعوب. إن التربية هي وحدها الكفيلة بإعادة الفرد إلى معنى العدل والإحسان، حيث لم تقم دولة المدينة من أجل الحكم ولكنها أقيمت من أجل صيانة الفرد من الاستبداد والانحرافات الناتجين عن الجهل والجهالة. الحكم أداة مهمة فعالة، إن كانت همم الأفراد مستعدة ومعدة لتغيير يولد إرادة الارتقاء البشري عند الفرد ويضمن الكرامة والعدالة للمجتمع. امتلاك حكم يُفرض على أفراد لا همة لهم لا يؤدي إلا إلى الطريق المسدود .

- أضحى من الواضح أن جماعة العدل و الإحسان تولي أهمية خاصة للعمل الاجتماعي ، هل تألقها في هذا المجال أقلق السلطات، بمعنى آخر ، هل تفوقت على الدولة في تدبير الشأن الاجتماعي؟

+ إن نظرنا إلى الأمر من جهة الإمكانيات فيبدو سخيفا أن يقلق نشاط اجتماعي تطوعي، عماده الوقت والنفس والجهد ، دولة بكل إمكانياتها وأجهزتها.
أما إن نظرنا إليه من جهة فلسفة المخزن ومبادئه، فطبيعي أن تزعج فعالية حضورنا الاجتماعي نظاما سمته الاستبداد والاحتكار، خاصة إذا كان يختزل كل سياسته التنموية في مجال الترقيع الاجتماعي وحملات التضامن عوض بناء اقتصاد قوي ومنافس.

- أصبحت قاعدة الجماعة تضم أكثر من مليوني عضو أو منخرط، ألا يشكل هذا المد السبب الرئيسي لمضايقة جماعة العدل و الإحسان؟

+ من أين لك بهذه الأرقام ؟ على كل حال، الحق والقوة لا توزن بالكم بل بالكيف. ألم يكن إبراهيم عليه السلام يساوي أمة ؟ إن الكم لا يفزع الدولة كما يفزعها الكيف، فما بالك إن اجتمعا والتقيا مع إرادة شعبية تتوق للخلاص من نظام مصاص للدماء؟

- أصبحت أمريكا تدفع في اتجاه دعم بعض الحركات الإسلامية كوسيلة للضغط على الأنظمة العربية و الإسلامية، هل يمكن اعتبار جماعة العدل والإحسان ورقة تستعملها أمريكا لبلوغ هذا الهدف؟

+ أظن أن أمريكا لا تتردد في استعمال أية ورقة تضمن لها حظا أدنى من مصالحها. غير أن "الأوساط " التي تروج مثل هذه الفكرة لا تعلم أننا آخر ورقة قد تختارها أمريكا لإرساء شرقها الأوسط الكبير. ولكن مادامت واقعية واحتياط أمريكا مبنيين على دراسات وتوقعات ممنهجة، فلا يمكنها إلا أن تعتبرنا عنصرا سياسيا مؤثرا لا يمكن تجاوزه في حساباتها الامبريالية. هذا إن دل على شيء، فإنه يدل على شعبيتنا المحققة لا على قصة غرام ما بيننا وبين بوش وأمريكاه.

- بعض الجهات تنتظر نهاية 2006 لتأكيد مدى صدق تحقيق الرؤيا، علما أن عدداً من تصريحات مسؤولي الجماعة أكدوا أن المقصود لم يكن هو المروج له، ما هو تعليقك؟

+ الرؤيا جزء من النبوة التي نريد أن نعيد الارتباط بروحها، وإن كانت صالحة فهي رسالة من الغيب كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالآذان مثلا جاء أمره عبر رؤيا صحابي جليل. ما تريده جماعة العدل والإحسان بالاهتمام بالرؤيا، هو رفع الحصار على مفهوم الغيب الذي أصبحت الأمة تستحيي من ذكره تحت وطأة المادية المطلقة المهيمنة عليها في إطار نحلة الغالب. إننا نقبل بشارات ربنا ونصدع بها ولا نرتكز أبدا عليها حتى نقوم بفعل أو نحجم عنه. بدأ مسارنا منذ سنين عديدة وسيستمر، وما للرؤيا فيه إلا دور الخيط الرابط بيننا وبين عالم لا نلمسه الآن ولكننا نؤمن به. وإننا نعجب من تعجب مسلمين من مكانة الرؤيا في دينهم. أما النخبة التي لا تستطيع أن ترى العالم إلا بأعين أسيادها أفلا تعلم أن كواليس الغرب تعج بالإطلاع إلى عالم الغيب من نوافذ الشعوذة والتبصر، وأن الكثير من السياسيين والمفكرين يعيشون ازدواجية مرضية بإنكارهم الرسمي لهذا العالم والاعتماد عليه في الخفاء. نحن لا نعيش هذه الازدواجية ولكننا نعتمد على الله لا على الرؤيا، وإن كنا نؤمن بأنها حاملة لتنبؤات وبشارات قد تكون كما هي وقد تؤول، وهذا لا يغير من عزيمتنا وانجماعنا على الله شيئا. شعارنا اللهم قد بلغنا.

- معروف عن ندية ياسين تصريحاتها الجريئة بخصوص جملة من القضايا الشائكة و الحساسة، فهل فعلا هي تصريحات نابعة من قناعات أم مجرد ردود فعل تصريحات فرضتها الظرفية؟

+ لقد ألصقت دائما بالمرأة نعوت بأنها متقلبة الأطوار ومزاجية السلوك والاختيارات، أو بلفظ يحبه الوهابيون" ناقصة عقل ودين". نحن في جماعة العدل والإحسان نريد أن نرفع هذا الظلم الواقع على المرأة من خلال هذه النعوت التنقيصية بقراءة شمولية لتعاليم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وبفهم يتفادى الزنازين الإيديولوجية التي وضعتنا فيها القراءات السطحية أو النفعية المكرسة لتنقيص كل مستضعف وخاصة المرأة. هذا يدرك أيضا بالثبات على الموقف نساء ورجالا، وما أنا إلا نتيجة عمل تربوي متعدد الأبعاد، يجعل من المرأة عنصرا مشاركا وبعيدا تماما عن نموذج المرأة المتقلبة الأطوار، المنسحبة المنهزمة المسلوبة الإرادة. ومن جهة أخرى فإن انتماءنا لجماعة العدل والإحسان مرادف لاعتناق سلوك، بعيد تمام البعد عن ردود الفعل والغثائية الفكرية. إنني آسفة إن كان البعض يحبذ أن يضع بعض المواقف الجريئة على حساب نقص في العقل أو في الدين كي يطمئن ويغط في نوم مريح للضمير.

- ما هي السيناريوهات المحتملة لمآل محاكمتك؟

+ أظن أن النعوت المذكورة في السؤال السابق تلائم الدولة المغربية تماما ، حيث أنها متقلبة الأطوار ولا يعلم مسار اختياراتها السياسوية إلا علام الغيوب. وقد يستعملون ورقة محاكمتي غدا كما أنهم قد يقبرونها إلى الأبد.

- بادر الملك محمد السادس إلى فتح جملة من الأوراش استحسنها وثمنها الكثير من المتتبعين للشأن المغربي، فهل من شأن هذه المبادرات الملكية إخراج البلاد من عنق الزجاجة؟

+ لا يحتاج المغرب إلى ورشات هي أقرب إلى العمل الاجتماعي و الصدقة منها إلى سياسات تنموية حقيقية. هذه المبادرات لا تتناسب مع احتياجات البلاد الضخمة المعقدة، خاصة و أنها تتخذ في مناخ سياسي يتصف بالرشوة و نهب الأموال المخصصة لتلك الورشات كما تقول.

- بعد 7 سنوات من حكم الملك محمد السادس ازدادت المشاكل و المعضلات الاجتماعية استفحالا، فهل السياسة المعتمدة فشلت أم هناك أولويات أخرى جعلت الاهتمام بهذه القضايا في المصاف الثاني؟

+ إن السؤال الذي يجب طرحه هو: هل هناك أصلا سياسة معتمدة كما تقول ؟ وأية أولوية تغفر للمغرب ما آل إليه من انحطاط اقتصادي ويأس لدى شبابه المتعلق مبدئيا بالمستقبل، إذ لا يحلم إلا بالفرار من واقعه المتدهور بشهادة الجميع. لقد كان من تخصص الملك الراحل رحمه الله أن يبتدع الأولويات و القضايا التي تعطي أملا على المدى البعيد و تشغل الاهتمام لمدة طويلة، والكل يعلم الآن ما آلت إليه القضية التي استنزفت كل طاقة المغرب و جهده باسم الأولويات.

- هل صحيح أن حزب العدالة والتنمية سيكتسح الاستحقاقات القادمة بمباركة من الدولة؟

+ أظن أن كل المؤشرات تقول ذلك و أن من طبع النظام أن يبحث عن دماء جديدة تمنحه نفسا إلى أجل مسمى.

- لو طلب من الجماعة المساهمة في صياغة مشروع الدستور ما هي أهم التعديلات التي ترينها ضرورية؟
+ لن تساهم الجماعة في أي مشروع من هذا النوع إن لم تكن لديها ضمانات كافية لإرادة تغيير حقيقي، وليس فقط وضع مساحيق تستر بشاعة احتكار السلطة. لقد سبق و أن تم تعديل الدستور لأسباب كانت دائما في صالح الحاكم، و من المفيد أن نذكر أن الدستور منح في ظرف سياسي حتم على النظام منحه. هو إن شئت تكتيكا للبقاء و ليس تجليا لإيمان بمبدأ . فهو سياج إضافي، وليس فضاءا للحرية.

- كيف تقيم جماعة العدل والإحسان تدبير النظام لملف الصحراء، لاسيما فيما يرتبط بالحكم الذاتي؟

+ إنه ملف شائك للغاية، وقد أدلى والدي برأيه في الموضوع في "مذكرة إلى من يهمه الأمر"، وأقل ما يمكن أن يقال إنه ملف أبدى فيه المخزن سوء تدبير منقطع النظير. أما الجماعة فليست في موقع يسمح لها بإبداء أي رأي في أمر يهم الشعب الصحراوي بداية.

- أضحى من المعروف أنه كلما تسربت أخبار عن الوضعية الصحية للشيخ عبد السلام ياسين، تتناسل أسئلة وادعاءات بخصوص خلفه، واستمرارية الجماعة على نفس النهج الذي خطه لها مؤسسها، فهل فعلا كلما أصيب الشيخ المرشد بوعكة صحية يظهر ارتباك في صفوف الجماعة؟ علما أن كل قياديي الجماعة أجمعوا على الإقرار بأن قضية الخلافة حسمت الآن؟

+ بخصوص صحة المرشد، أعجب من المستوى المتدني الذي وصلت إليه صحافة من نوع معين في فضائنا الإعلامي، صحافة على صورة المستوى الحضيضي الذي بلغه هذا البلد،
إذ بلغ بها احتقار قرائها إلى درجة عدم احترام عقولهم وترويج أكاذيب تناقض كل ما يعرفه الجميع عن نشاط وحيوية المرشد وتماسك صف الجماعة. محسوبون على هذه المهنة الشريفة، يتمنون (أو يراد لهم أن يتمنوا أمورا فيخيل لهم أنها حقيقة. لقد أضحى الأمر هستيريا مرضية عند البعض.
صحة المرشد بخير والحمد لله، ومشكل الخلافة غير مطروح عندنا ولا يشكل لنا أي مشكل،
لأننا ببساطة جماعة تشتغل بمؤسسات في إطار ديمقراطية حقة، ولا نطمح لإعادة إنتاج نموذج ظللنا ننتقده بشدة منذ 3 عقود

- ما هو تعليقك بخصوص:

- مدونة الأسرة : تغيير يدل على أن المشكلة كانت
مشكلة خيار سياسي لا مشكلة مرجعية دينية.
- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية : فكرة محمد يونس الذي اقترح حلا ترقيعيا لما أفسدته
السياسات الرسمية الفاشلة.
- هيئة الإنصاف و المصالحة : قرص أسبيرين سرعان ما ينجلي مفعوله و نعود إلى
آلم الداء المزمن
- الاستحقاقات المقبلة : فصل جديد من مسرحية قديمة
- حقوق الإنسان : بدون تعليق
- الميثاق الأخلاقي لفدرالية الناشرين : بدون تعليق
- القانون الجديد للصحافة : بدون تعليق

الجيش الذي يريده الملك محمد السادس


محمد الغماري / أستاذ جامعي خبير في الدراسات الاستراتيجية والعسكرية
الجيش الذي يريده الملك محمد السادس


محمد الغماري، من المغاربة الأوائل الذين اهتموا بالدارسات الاستراتيجية، حاصل على الدكتوراه من جامعة باريس 2 في بداية السبعينات، صادف صعوبات جمة، رغم أنه لا انتماء سياسي له، في أبحاثه ومحاولاته لتنشيط خلية تهتم بالدراسات الاستراتيجية بالمغرب، أجرينا معه هذا الحوار لتسليط الضوء، بعيون خبير مختص، على مجموعة من القضايا والإشكاليات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، على رأسها: أي جيش يريد الملك وأي جيش يريده الشعب؟



- ما الجيش الذي يريده الملك محمد السادس؟

+ إن الملك محمد السادس يريد جيش دفاع فقط، إذ لا يفكر قط في أية مواجهة من أي نوع كانت، مغربيا ولا مغاربيا، ولا أيضا على مستوى الوطن العربي،.. وإسبانيا على يقين تام أن المغرب لم يكن يتحرك عسكريا بخصوص سبتة ومليلية، ورغم ذلك اتخذ الجيش الاسباني كل الاحتياطات اللازمة.
أتذكر أن بعض الاسبان حضروا ندوة سنة 1988 بمدينة "تولوز" الفرنسية، التي شارك فيها العديد من مستشاري الحلف الأطلسي وأساتذة باحثون ناشطون بمراكز الدراسات الاستشارية، وقد قال أحد الضباط الاسبان إن جيشهم مستعد للحرب في أي وقت، وأضاف لو تحرك المغرب عسكريا من أجل سبتة ومليلية سنحتل طنجة وتطوان، الخطة جاهزة.
هذا ما أكده لي كذلك أستاذ فرنسي للدراسات الاستراتيجية، إذ صرح لي "لو تحرك المغرب عسكريا ستقوم الحرب، سيما أن القوات البرية الاسبانية متشددة بهذا الخصوص، وهي التي فرضت زيارة الملك الاسباني للمدينتين المحتلتين لإظهار أنه لا نقاش حول تحرير المدينتين السليبتين، وبالنسبة لهم (الجيش البري) تمثل كل من سبتة ومليلية نصف السيادة الاسبانية.
وهذه أمور نحن ساكتون عنها رغم أن اسبانيا تقتني أسلحة قوية منذ سنتين أو ثلاثة، هناك 8 أو 9 صواريخ بالجزيرة الخضراء موجهة نحو المغرب، هذا على المستوى الظاهر أما الخفي فلا يعلمه إلا الله.
الملك محمد السادس يريد جيشا يضمن الأمن والاستقرار ويحارب ما يسمى بـ "الإرهاب" استنادا إلى المفهوم الأمريكي والأوروبي، وأن لا يدفعه (الجيش) للحروب ويترك جميع القضايا الخارجية للدبلوماسية.

- ما هو الجيش الذي يريده الشعب المغربي؟


+ الشعب المغربي يريد جيشا نشطا يرفع التحديات، يحرر سبتة ومليلية، ويساهم على مستوى الوطن العربي، يكون جيشا بناءا وابتكاريا، يشترك في التنمية ويحترم الشعب، وإذا كان كذلك، سيكون جيشا محبوبا لدى الشعب كما كان الأمر في بداية الاستقلال قبل تدخل القوات المسلحة في قمع المظاهرات وإفشال الإضرابات حيث صار يتألق في هذه القضايا أكثر ما يظهر في الدفاع عن الوطن.

- هل المغاربة غاضبون على قادة الجيش، سيما الضباط الكبار؟

+ فعلا المجتمع غاضب على الضباط، قادة الجيش المغربي، وأسباب الغضب كثيرة ومشروعة، فالكثير من هؤلاء الضباط استفادوا ولازالوا يستفيدون من امتيازات، لا تعد ولا تحصى، ليست لها مبررات واضحة ومقنعة..
فلا المغرب تحرر من آثار الاستعمار، ولا الجيش له علاقات احترام وتقدير بالنسبة للشعب، وكلما خرج الجيش للشعب ظهر بحقده عليه. كما أن الجيش لم يساهم في قضايا الأمة العربية، سيما بعد الذي وقع في العراق والشرق الأوسط وفلسطين..
ماذا يفعل جيشنا؟ لا أحد سيفيد المغاربة بهذا الخصوص. الشيء الذي نسمعه عن الجيش بكثرة هو الامتيازات المتزايدة، هذا في وقت تعيش فيه البلاد ركودا يكاد يكون قاتلا، كل الطبقات والفئات الاجتماعية تعاني، إلا فئة الضباط الكبار، الذين يعيشون في بحبوحة حتى في ظل أسوأ الأزمات الخانقة، وهذا أمر يخلق شعورا من "التقزز الاجتماعي".

الخلف


- هل نقول إن خَلف الجنرالات المتقاعدين في مستوى تعويضهم، سيما و أن أغلبهم لهم تتح له فرصة خوض حروب ميدانية؟

+ رغم أن تعليم الجنرالات الكبار الذين بلغوا سن التقاعد جد متواضع، إلا أنهم يتوفرون على تجربة، في حين أن الضباط الشباب يتوفرون على تكوين لا بأس به لكن تنقصهم التجربة. التجربة الوحيدة التي كانت في السنوات الأخيرة، أي منذ 30 عاما، هي حرب الصحراء التي لم يشارك فيها كل الضباط، وهي بحد ذاتها ليست تجربة كبيرة. ذلك لأن الجيش المغربي كان في وضع متناقض، ذهب إلى الصحراء بتكوينه الكلاسيكي التقليدي لمواجهة حرب غير تقليدية وغير كلاسيكية، إذ كانت حربا ثورية وحرب عصابات، وبالتالي لم يطبق ضباطنا ما في جعبتهم من خبرة، ولم يكن جيشنا قادرا على أن يطورها ولا أن يسيطر أو يستوعب ما كان يقوم به الخصم في البداية. لهذا صادف عناصر القوات المسلحة الملكية صعوبات جمّة، لهذا السبب ولأسباب أخرى، ظلت تجربة حرب الصحراء ناقصة وضعيفة، سواء من الناحية الاستراتيجية العسكرية أو من حيث التنظير، وأيضا من ناحية استيعاب تقنيات الخصم، وبالتالي برزت فراغات كثيرة جدا.
في الواقع لو كانت القيادة واعية، لكان من الممكن ملء هذه الفراغات قبل أن ينصرف كبار الجنرالات، وذلك بالانفتاح على البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية، وعلى الجامعات وتنظيم لقاءات مع ضباط كبار متقاعدين من دول أخرى والذين استمروا في عطاءاتهم رغم تقاعدهم، في المؤسسات والأكاديميات العسكرية ومراكز البحث، وبالتالي فإنهم ظلوا يؤطرون ولو أنهم نزعوا البذلة العسكرية، وهذا أمر غير موجود في المغرب.
لذلك تبدو القطيعة بين الأجيال خطيرة عندنا في المغرب بخصوص الخلف، وأعتقد أن المرحلة الانتقالية ستكون صعبة بالنسبة للجيش المغربي.

- هل الجيش يتوفر على ضباط قادرين على تعويض الشيوخ؟

+ أعتقد أن مشكل الخلف مطروح بالمغرب في مختلف الميادين، هل هو قادر على تعويض من هم أكثر تجربة ومراسا منه، علما أنه لا وجود لأجهزة تنسيقية فكرت مسبقا في إعداد هذا الخلف كما هو الحال في بلدان أخرى.
علما أيضا أن المؤسسة العسكرية تتوفر على أطر مكونة تكوينا جيدا في الداخل والخارج، كما تطرح إشكالية تنافر العقليات بين الجيل القديم الذي لا يعترف إلا بالرتبة العسكرية والجيل الجديد الذي يولي أهمية أكثر للتكوين العلمي. هذا في ظل سيادة سلوك وجو قمعيين، غير أن هؤلاء لا تأثير لهم ولا يمكن أن يساهموا في أي تغيير باعتبار أن كل تغيير داخل المؤسسة يجب أن يقرر من طرف الملك وحده دون سواه.

الثالوت الذهبي


- من أين أتت فكرة نعت الثالوث، بنسليمان وبناني وعروب، بـ "المثلث الذهبي"؟

+ نظرا للنفوذ الكبير الذي يحظون به وسط الجيش، واستمرار قربهم من الملك، وهم الذين على اضطلاع دائم بمختلف الأسرار، إنهم رجال ثقة الملك، إذ لا يوجد من ينافسهم بهذا الخصوص، سيما من بين الضباط السامين الآخرين، ومن سوّلت له نفسه القيام بذلك، سيفشل لا محالة، وقد يتوقف مشواره على حين غرّة من حيث لا يدري، يكفي أن يفكر في الأمر لتظهر النتيجة.

- تناسلت أخبار وأقوال تفيد أن الملك محمد السادس غاضب على الجنرال حسني بنسليمان، حيث ينتظر الفرصة السانحة للتخلص منه، لكن حصل العكس، أي أن الجنرال القوّي ظل رجل ثقة الملك الذي يتشبث به، لماذا في نظركم؟

+ لازال الجنرال حسني بنسليمان رجل ثقة الملك محمد السادس، والتأويلات المعاكسة للواقع كانت سريعة ولم تعمّر طويلا، وقبل ثلاث سنوات كنت قد أدليت برأي بيّنت فيه أن الجنرال حسني بنسليمان قوّي جدا، لأنه، أوّلا، يمتاز بخلفية علاقات عائلية صلبة ومتينة، وأغلب أفراد أسرته لهم نفوذ قوي، يحتلون مواقع مهمة.
ثانيا، ظل هذا الجنرال دائما رجل ثقة، لأن الدرك يلعب دورا حيويا ببلادنا، ولا يمكن أن يترك زمامه بيد ضابط مشكوك فيه أو غامض، علما أن الملك الراحل الحسن الثاني، هو الذي رسخه في مكانه ووصّى عليه.
ولربما إن ما أوهم الكثير من الناس، بروز انتقادات متعددة ومختلفة في فترة زمنية وجيزة، لكن قوّته اتسعت خلافا لما كان منتظرا من طرف العامّة، حيث ظن هؤلاء أن الملك غضب على الجنرال بفعل تلك الانتقادات، في حين حدث العكس، وقد ظل الجنرال حسني بنسليمان رجل النظام الأول، لأن الملك في حاجة للدرك وحسني بنسليمان يعرف الدرك جيدا، ويحيط به مجموعة من الضباط يصلون باسمه.
كذلك هناك ضباط آخرون خارج الدرك، منهم على الأقل عشرة، وصلوا إلى رتبة كولونيل ماجور وكولونيل بفضل الجنرال حسني بنسليمان، فكيف للملك أن يتخلى عنه والحالة هذه؟
أما كون الجنرال تجاوز سن التقاعد، فهذا أمر ليس ذا أهمية في الشؤون السياسية التي هي غير ملزمة بالمقتضيات والمساطر الإدارية.

- في هذا الصدد، يقول رأي إن استمرار بعض الضباط السامين في مواقعهم جاء لضرورة تمتيعهم بحصانة الموقع تجنبا لأية مساءلة بعد الإحالة على التقاعد، فما رأيكم في هذا؟

+ المشكل مطروح بالنسبة للجنرال حسني بنسليمان بالذات أكثر من غيره، وأرى أنه لذلك تشبّت به الملك، وقد أخطأ من اعتقد أن تورطه النسبي في جملة من القضايا الشائكة سبب يدفع الملك للتخلص منه، وإنما العكس هو الصحيح.
إذن لا يمكن التخلص من الجنرال حسني بنسليمان، لأن الملك، والنظام السياسي عموما سيضر نفسه بنفسه في هذه الحالة، وهذا ما غاب عن الكثيرين الذين ركزوا على الشجرة ولم يأبهوا للغابة.

- لكن ألا تعتقدون أن استمرار بعض الجنرالات بمواقعهم سيسيئون للمغرب والمغاربة؟

+ فعلا إنهم سيسيئون للبلاد لأنهم أضحوا رجال أعمال، سيما الذين حظوا منهم بنفوذ في الصحراء، لقد أصبحوا أثرياء كبار، فهؤلاء – عندما أوقف المغرب اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي – كانوا يتوفرون على الحرية الكاملة لبيع السمك في أعالي البحار للأوروبيين.
فالنظام السياسي دأب على منح الامتيازات الكثيرة للضباط السامين لفصل روابطهم مع الشعب ومع الوطن، فهم يعتبرون أنفسهم ضباط الملك، لا غير، وقد بيّن التاريخ أنهم يباعون ويشترون لأنهم يقومون بأعمال تتنافى كليا مع مهامهم العسكرية. فمن الناحية القانونية يمنع على الضباط أن يزاولوا نشاطا تجاريا أو وظيفة أخرى، علما أن هؤلاء الضباط هم الذين يعوّل عليهم النظام، لأن لهم نفوذا وسط الشعب، وعلما أيضا أن النظام يخاف من الضباط الذين يحظون باحترام الشعب، هؤلاء يمكنهم أن يفكّروا في الإصلاح والتغيير، أما المرتشون فلا خوف منهم إطلاقا. أفتح قوسا، في هذا الصدد لأقول، قبل الإنقلاب العسكري الأول، لم يكن الكولونيل اعبابو من المقربين للملك ولم يكن يتفاهم مع الجنرالات، وكان قد احتل فيلا في ملكية أحد الفرنسيين بشاطئ شمال المغرب، وعند عودته اشتكى الفرنسي للملك، فقال له: كم ثمن الفيلا؟ فمنحه شيكا بأربعين مليون وقتئذ، وبعد ذلك علّق صاحب الفيلا قائلا : "لا يمكن للمغرب أن يعرف انقلابا لأن ضباطه مرتشون"، ومع ذلك ظل عبابو حالة خاصة.

- يقال إن الجنرال عبد الحق القادري، رغم أنه أحيل على التقاعد ظلت كلمته مسموعة لدى الملك و"المثلث الذهبي"، ما تعليقكم بهذا الخصوص؟

+ للحقيقة والتاريخ وجب الاعتراف أن عبد الحق القادري، هو الوحيد، الذي رغب في انفتاح المؤسسة العسكرية على البحث والدراسات العليا وعلى الجامعات. وفعلا شرع في السير على هذا الدرب، لكن المشروع أجهض مبكرا وكانت مفاجأة لأنه كان ضمن المخابرات العسكرية في البداية، وقد شجع الضباط على متابعة دراستهم في الجامعات، وفي عهده وصل المسجلون في السلك الثالث إلى أكثر من 1500 طالب من الضباط، وقد أطرت مجموعة منهم في جامعة فاس، وكان ضمنهم ابن أخت عبد الحق القادري. وقد رغب هذا الأخير في إنشاء خلية للبحث في القضايا الإستراتيجية تضم الضباط الباحثين وأساتذة وباحثين مدنيين، وفعلا وضعت اللائحة وكنت على رأس القائمة المقترحة، فإذا بالجنرال عبد الحق القادري يحال على التقاعد.
وأظن أن ضباطا سامين رفضوا هذا الاقتراح وحاربوه وقالوا للملك إن هذا المسار سيؤدي بنا إلى ما قد لا يحمد عقباه.

الخبرة و التجربة والتكوين


- ظل التكوين العسكري عندنا قائما على تلقين العداء للمدنيين، وهذا ما كرسته مقولة "السيفيل الكلب"، والحالة هذه، ألا تعتبرون أنه حان الوقت لإدراج تربية حقوق الإنسان وحقوق المواطنة واحترامها ضمن برامج التكوين العسكري؟.

+ لقد أضحى ذلك ضروريا، حيث يجب الإقرار بالتربية على حقوق الإنسان واحترامها في صفوف الجيش، سيما في مرحلة التكوين. خصوصا وأن انتهاكات حقوق الإنسان بالمؤسسة العسكرية أضحت ممارسة عادية، بل قد يبدو لغير العسكري أن النظام العسكري قائم على الدوس على تلك الحقوق ومفهومها وفلسفتها، ويمكن ملاحظة أن الجندي أو الضابط عندما يتكلم عبر الهاتف مع ضابط أكبر منه تظهر عليه علامات الخضوع والانبطاح، ناهيك لو كان يكلمه مباشرة، كأن حياته بيده، وهذا أمر لا يشرف الجيش رغم كل تبريرات الطاعة والصرامة والانصياع للأوامر.
يجب إدماج التربية على حقوق الإنسان في جميع مراحل التكوين وعلى كل المستويات بخصوص ضباط الصف والضباط ومؤسسات التكوين العليا. وهذا أمر يستوجب رجة كبيرة، حيث يبدو أنه كلما صعدت في سلم الرتب العسكرية زاد عدم احترام حقوق الإنسان، وازداد أيضا الارتباط بالعقلية القديمة.

- إلى أي حد يمكن اعتبار المناورات فرصة للتكوين ولتراكم التجربة؟

+ مهما يكن من أمر تبقى المناورات غير كافية لتكوين الجيش، لأن جيشنا جيش دولة نامية متواضعة، وعناصره تشارك في مناورات مع جيش يمتلك تكنولوجيا "آخر تقليعة" لا نملكها، حتى لو فهمنا ما يقوم به وعاينا تصرفاته وطريقته في التخطيط والإعداد، فليست لنا الوسائل لكي نكرر التجربة بالاعتماد على النفس.

- ماذا يستفيد الجيش المغربي من تدخلاته خارج الحدود، سواء بافريقيا أو غيرها، وتحضرني الآن حالة كوسوفو ومالي والكونغو وغيرها؟

+ في الواقع إن تدخلات من هذا القبيل لا دور لها في التكوين الفعلي، إنها تساهم فقط في تلميع سمعة النظام السياسي وصورته بالخارج. التجربة الفعلية تكون بالمساهمة في الحروب وعلى أرض المعركة.
على سبيل المثال لا الحصر، التقيت بعض الضباط الذين شاركوا في التجريدة المغربية التي قاتلت بالجولان وصرحوا لي أنهم لا يعرفون ما الحرب رغم توفرهم على أقدمية تفوق 10 سنوات وقتئذ.

- هل هناك صراع بين الضباط الذين خضعوا للتكوين الفرانكوفوني وآخرين تكوّنوا في المدرسة الأنكلوساكسونية؟

+ الضباط الجدد تلقوا تكوينهم بالولايات المتحدة الأمريكية، علما أن الملك شجع ذلك نتيجة مليه لأمريكا، كيف ذلك؟ لأن من قضى 6 أشهر في أمريكا يحصل على ترقية تساوي تكوين مدّته سنتين في بلد آخر. علما أن أمريكا تحترم المكوّنين أقل من الدول الأخرى.
إلا أنه ليس هناك صراع بين الفئتين، وإنما هناك ائتلاف كل مجموعة على حدة.

الإصلاح والتغيير


- هل أضحى من الضروري حاليا إحداث تغييرات وإصلاحات في المؤسسة العسكرية؟
+ ظل جيشنا بمثابة صندوق أسود لا نعرف عما ينطوي، يبدو لنا شكله من الخارج متينا لكننا لا نعرف شيئا عن محتواه، علما أن المؤسسة العسكرية بدورها تحرص على أن لا نعلم عنها شيئا، وكلما عرضت هذه الجهة أو تلك معرفة المزيد عن هذه المؤسسة "البكماء" يؤول هذا المطلب كأنه تدخل سافر وجرأة وقحة، لأن في نظر القيمين على جيشنا من الضرورة أن يظل كل ما هو يتعلق به سريا، وهذا أمر لم يعد معقولا البتة، إذ كيف لجهاز يتطلب أكبر المصاريف المقتطعة من أموال الشعب، تسلم إليه على طبق من ذهب، دون مراقبة برلمانية ولقاداته امتيازات قد لا يتصورها المرء ولا يستسيغها عقل سليم، لا يستفيد من مثلها باقي المغاربة؟ كيف لهذه المؤسسة أن تبقى سرا مكنونا لا نعرف عنه شيئا؟ ماذا تفعل؟ وفي ما يفكر القيمون عليها؟ وكيف يتصور هؤلاء، المغاربة ويتعاملون معهم؟ وهل الجيش معنا كشعب أم ضدنا؟ خصوصا وان قضية الصحراء ما زالت قائمة وسبتة ومليلية مازالتا تحت وطأة الاستعمار.
حتى إن لم تكن هناك حرب، علينا دائما الاستعداد لوضع خطة استراتيجية لتحرير تلك المناطق حتى لا نفاجأ كما حدث سنة 1975 بخصوص الصحراء عندما وقع جيشنا في حيص بيص، وكان آنذاك الراحل الحسن الثاني قد استدعى سريا أميرالا فرنسيا هو مدير مدرسة عسكرية لإلقاء محاضرات في كيفية مواجهة حرب العصابات، وقد علمت بهذا عندما كنت بالديار الفرنسية. فمن باستطاعته التأكيد الآن أن إسبانيا لا تستعد للحرب؟ في الواقع إنها تستعد ليس لمواجهة المغرب فقط، وإنما المغرب العربي، وهذا ما ينادي به الحزب "الشعبي" اليميني الذي يقول إن على اسبانيا التحكم في القوة العسكرية لمواجهة المغرب العربي حتى يتم تأسيسه فعليا، وبالتالي الرجوع إلى اعتماد الخطة الملكية العتيقة المبلورة في القرن الخامس عشر والقائلة بوجوب طرد المسلمين وتتبع خطاهم إلى حد التحكم في شمال إفريقيا، هذه كانت وصية الملكة "اليزابيت الكاتوليكية" إذ قالت :"[...] إذا لم يعمل أحفادي بفحوى هذه الوصية فأنا بريئة منهم ولا يستحقون الحكم".
وهنا يبدو الخلل الكبير الذي مازالت المؤسسة العسكرية تعيشه عندنا، وهذا ما يؤكد أيضا أنها في حاجة إلى تغيير وإصلاح جديين.

- هل تعتبرون أن من بين المشاكل المطروحة داخل المؤسسة العسكرية تصارع العقليات بين الأجيال؟

+ لابد أن هناك صراعات وتشنجات من هذا القبيل، غير أن عقلية الجيش بالنسبة للمجتمع المدني مختلفة كليا، فضباطه الكبار وقادته يؤمنون إيمانا راسخا، بأن المؤسسة العسكرية تعتبر أهم جهاز بالبلاد، لأنها الركيزة الأساسية للنظام السياسي، وعليه يعتمد هذا الأخير، وهي ضامنة استقلال المغرب.. هذه العقلية راسخة في صفوف الجيش الذي لا يقبل أن تقارن به أية شريحة في المجتمع، فالجيش فوق الكل والجميع، إنه تابع للملك ومع الملك فقط، وبالتالي لا مسؤولية له أمام أي كان إلا الملك.

كثرة الجنرالات


- يقال إنه كلما كثر عدد الجنرالات، كلما تعددت وتناسلت المشاكل؟

+ إن المجموعة التي تتكوّن من الضباط السامين (جنرال، كولونيل ماجور، كولونيل) كثيرة العناصر بالمغرب بالنسبة لحجم بلادنا وكذلك بالنسبة لدور المؤسسة العسكرية. ففي الدول التي عرفت حروبا كبيرة، كان عدد هؤلاء الضباط مهما آنذاك، نظرا للدور الذي كان يلعبه هؤلاء، كانت الترقية تسير بوتيرة سريعة، أما في وقت السلم، فإن الدول العظمى قلصت هذا العدد من الجنرالات، رغم أنها تتوفر على عدّة مدارس ومعاهد عليا للتكوين العسكري، حيث إن أغلب الضباط يحالون على التقاعد قبل الوصول إلى رتبة جنرال، علما أن الذين حظوا بها وصلوا إليها في آخر مشوارهم وليس في سنّ مبكّر.
وكثرة هؤلاء الضباط تؤدي إلى بروز صراعات ومجموعات متناقضة فيما بينها، رغم ظهور نوع من الانسجام في المؤسسة العسكرية عند الطوارئ أو الأزمات السياسية والاجتماعية، كما هو معروف لدى مختلف الجيوش بصفة عامة، ولكن مع كثرة الضباط السامين تبرز خلافات ونزاعات منذ مدّة في صفوف الجيش المغربي، بل منذ نشأته في منتصف الخمسينات.

- لماذا يتميز جيشنا بكثرة الضباط السامين؟

+ السبب واضح جدا، فالنظام السياسي يهمه أن يتوفر على فئة قوّية ضمن الجيش تدعمه، وبالتالي فكلما تبرع بجملة من الترقيات على مجموعة من الضباط، كلما ظهرت فئة أخرى لها نفوذها، وبالتالي يستمع لمن لهم أكبر نفوذ. غير أن بعضهم يشعرون بنوع من الميز، فقبل سنتين تمت ترقية مجموعة من الضباط، وظهرت لجميع المتتبعين أنها ترقية سريعة جدا، ولربما متسرعة، في نفس الوقت كان ضباط آخرون، أقدم من هؤلاء المستفيدين من الترقية المتسرعة لكنهم لم يحصلوا عليها. في مثل هذه الحالات يلجأ النظام، بعد حين، إلى نوع من التعويض لإسكات الغاضبين وذلك باللجوء إلى منح المزيد من الامتيازات. لكن هناك فئة من الضباط تستفيد دائما من الترقيات بفضل روابطهم العائلية أو جهات تدعهم دائما في الخفاء.
كما أن هناك مناصب في المؤسسة العسكرية توزع كذلك على المحظوظين وذوي النفوذ، في حين يظل باقي الضباط السامين في الثكنات أو في مناصب هامشية.
ومن المعروف أن عناصر من المثلث الذهبي والضباط السامين الوازنين، كل منهم يدعم مجموعته. فالجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد العزيز بناني لهما نفوذ قوّي ويدعمان، كل واحد منهما على حدة، جماعة من الضباط الشبّان، وهؤلاء هم الذين يصلون إلى درجة كولونيل ماجور بسرعة، وأحيانا كثيرة قبل أشخاص ولوجوا سلك الجندية قبلهم بسبع سنوات أو أكثر، وهناك حالات متعددة من هذا القبيل.
أصبح الجيش المغربي مكوّنا حاليا من فئات، فئة لها علاقة بالملك، وفئات أقل قربا منه، علما أن الأسرة الملكية تخترق المؤسسة العسكرية، كما أن هناك مجموعة من الأمراء لهم رتب عالية بالجيش، ثم إن الملك محمد السادس، حينما كان وليا للعهد خلف الجنرال مولاي حفيظ العلوي واضطلع بالتنسيق بين مكاتب ومصالح القوات المسلحة، وفي هذه الفترة ربط علاقات مع بعض الضباط، منهم حميدو العنيكري، وغيرهم ممن كانوا غير معروفين.
إن النزاعات بين مختلف هذه الفئات داخل الجيش، ليست نزاعات سياسية أو مرتبطة بتصورات ورؤى استراتيجية، وإنما تظل مجرد صراعات شخصية ونزاعات نفوذ لتحسين وضعيتها، وبالتالي نصيبها من كعكة الامتيازات.
وفي البداية، كانت النزعة القبلية، إلى حد ما تلعب دورها في هذه النزاعات.

- إذن، في هذا الصدد تلعب لجنة الترقية دورا أساسيا، علما أن عمودها الفقري مكوّن من الثالوت: بنسليمان – بناني – عروب، أليس كذلك؟

+ فعلا، القرار بهذا الخصوص يظل بيد الملك لكنه يسمع كثيرا لهذا الثلاثي.

استمرار تحمل الشعب امتيازات الجنرالات دون الاستفادة منهم


- هل ظل الجنرالات والضباط السامون مستفيدين من كل الامتيازات رغم إحالتهم على التقاعد؟
+ نعم، هناك جملة من الأشياء تبقى بين أيديهم، علما أن معاشهم يصل بالنسبة للجنرال 10 ملايين سنتيم، فحتى الذين لم ير فيهم الملك فائدة كبيرة منحت لهم ضيعات كبيرة تتجاوز مساحتها 100 هكتار، وفيلات يقطنون بها كأنهم محتاجون.
واستفاد المحبوبون منهم من مقالع الرمال التي تذر عليهم بين 40 إلى 50 مليون شهريا.
يظل الضباط السامون يتمتعون بكل الامتيازات، خلافا لباقي موظفي الدولة.

- في الدول الأخرى تظل الاستفادة من الضباط السامين بعد إحالتهم على ا لتقاعد كأساتذة أو باحثين أو مستشارين، فماذا بالنسبة لضباط المغرب بهذا الخصوص؟

+ الضباط السامون المغاربة الذين أحيلوا على التقاعد يتم الاستغناء عن خدماتهم فيما بعد، ليتفرعوا للتجارة وتسيير الأعمال، لا اهتمام لهم بالثقافة والبحث وتقديم الاقتراحات، ولا أحد منهم تستفيد منه الدولة أو البلاد، خلافا لما يقع في الدول الأخرى، ففي لبنان مثلا أعرف بعض الجنرالات الذين أحيلوا على التقاعد، ومع ذلك يواصلون أبحاثهم، نجدهم في مختلف الندوات، بل منهم بعض الكتاب الكبار، وكذلك الشأن بالدول الأوروبية.

اعتماد المخابرات ومصالح الأمن على المرأة


محمد الحنفي/ باحث مهتم بشؤون المرأة
اعتماد المخابرات ومصالح الأمن على "المرأة" لإسقاط السياسيين والنزهاء في حبال التعامل مع النظام...!


قبل الدخول في صلب الموضوع التمس محمد الحنفي الإشارة إلى اهتمامه بالكتابة عن المرأة كقضية، وكإنسان، في أفق الانتقال بها فكرا وممارسة، إلى مستوى المساهمة في العمل على تطوير الواقع وتطوره. مع تجنب الأدوار الأخرى المسيئة لها والتي لا تخدمها وتحتقرها وتهينها.
ويضيف.. وعندما طرح علي الموضوع، وجدت نفسي مضطرا إلى تناوله، مادام قائما في الواقع، وما دام تناوله يهدف إلى إبراز أهمية إهانة المرأة، من خلال توظيفها في أمور منحطة، تتنافى مع طبيعة المرأة نفسها، ومع سعيها المستمر إلى حفظ كرامتها، من خلال نضالها المستميت، من أجل التمتع بحقوقها المختلفة.
وتدور دردشتنا معه حول وسائل اصطياد النساء للسياسيين والمسؤولين، والحالات التي لا بد من الوقوف عندها، والعوامل التي تقف وراء الرضوخ لنساء المخابرات، المؤدي إلى تحقيق أهداف دنيئة، تتمثل في تأبيد الاستعباد والاستبداد،والاستغلال، والحيلولة دون تحقيق الحرية، والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

المخابرات/ الأمن/ المجتمع:

يقول الحنفي إذا ارتبطنا بواقع الستينات والسبعينات نجد أن المجتمع يعرف، في صيرورته، احتكاكا مباشرا مع عناصر الأمن، والمخابرات، على مدار ساعات الليل والنهار، ليس لخدمة مصالح أفراد المجتمع، بقدر ما يخدم مصالح النظام الذي هو المبتدأ والمنتهى في العملية الأمنية/ المخابراتية كلها.
وأجهزة الأمن/ المخابرات، لا يمكن أن تقوم بدورها كاملا إلا بالاعتماد على:
1) توظيف المخبرين والمخبرات، الذين يتخللون نسيج المجتمع، من أجل إحصاء أنفاس المواطنين على مدار الساعة، وتقويل المعارضين للنظام ما لم يقولوه، ونسج المزيد من الحيل في طريقهم، ومن أجل الإيقاع بهم، واستدراجهم في اتجاه العمل على خدمة النظام القائم بمختلف الوسائل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لضمان تأبيد الاستبداد، الذي كان يتعمق باستمرار آنذاك، ويتخذ أشكالا تتناسب مع طبيعة التطور الرأسمالي التبعي القائم، الذي لعب فيه التحالف البورجوازي الإقطاعي دورا أساسيا.

2) ونظرا لطبيعة التشكيلة السياسية المعارضة، التي تنتمي، في معظمها، إلى البورجوازية الصغرى، المريضة بالتطلعات الطبقية، وبسبب غياب التربية الجنسية في صفوف أفراد هذه التشكيلة، ونظرا لسرعة انسياقهم وراء المرأة، من أجل اصطياد المتعة الجنسية، فإن النظام القائم، بمؤسساته المخزنية، يلجأ إلى الاعتماد على المرأة، للقيام بدور استدراج القادة السياسيين المعارضين، من أجل الإيقاع بهم، وتوريطهم في علاقة مشبوهة تسيء إلى سمعتهم السياسية، وتفقدهم المصداقية، مما يجعلهم منساقين بقيادة تنظيماتهم في اتجاه الانخراط فيما يريده النظام القائم، الذي سعى إلى سلامة مستقبله من المعارضة الرامية إلى التغيير الجذري للواقع في تجلياته المختلفة.

ويبقى السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو:
من هي المرأة التي تعتمد عليها المخابرات في إسقاط المسؤولين في الفخ؟


يجيب محمد الحنفي.. إن النساء، في الواقع، لا ينشغلن إلا بسلامة الحياة العادية، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، ويترفعن عن الاشتغال بالأمور التي تسيء إلى كرامتهن، إلا أن الساقطات منهن، اللواتي دفعتهن ظروفهن الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، إلى ممارسة الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، هن اللواتي يجدن أنفسهن بين أيدي المخابرات، ورجال الأمن، لتنفيذ المخططات الهادفة إلى الإيقاع بالقادة السياسيين، عن طريق توريطهم في علاقات مشبوهة، تستغل لتوجيههم إلى ما يجب أن تقوم به تنظيماتهم خدمة للنظام.
ثم يضيف.. تستخدم النساء اللواتي توظفهن الأجهزة المخابراتية والأمنية، مجموعة من الوسائل التي تسرع بتحقيق الأهداف المرسومة:
ا) ـ تتبع ورصد ممارسة القادة السياسيين المعارضين على المستوى المحلي والوطني، لمعرفة ما يجب عمله للإيقاع بهم.
ب) ـ حضور مختلف الأنشطة التي يؤطرونها، من أجل التقرب منهم، والسعي إلى الارتباط بهم.
ج) ـ الحرص على الالتحاق بالأحزاب المعارضة، من أجل المرور من القنوات التنظيمية التي تمكنهن من الوصول إلى القيادة.
د) ـ استدراج القادة السياسيين إلى اتخاذهن خليلات لهم، حتى يطمئن أكثر على مستقبلهن في التنظيم.
ه) ـ القيام بمبادرات لجعل القادة السياسيين يقودون تنظيماتهم عكس ما كانت عليه، حتى ولو أدى ذلك إلى إضعاف تلك التنظيمات، مادامت انتهازية القادة السياسيين المعارضين تقودهم إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية.
و) ـ إشاعة العلاقة المشبوهة بين القادة المذكورين، وبين خليلاتهم، لممارسة المزيد من الضغط الذي يؤدي بهم إلى الخضوع المطلق للنظام القائم.
ز) ـ هذه الوسائل، يتم تفعيلها كليا أو جزئيا، بتنسيق مع المخابرات والأمن في نفس الوقت، لاتخاذ ما يجب عمله، حتى لا يرفع القادة السياسيون رؤوسهم أبدا.

لكن ما هي الحالات التي تسعى الأجهزة المخابراتية، والأمنية للإيقاع بها؟

يسترسل محمد الحنفي.. إننا مهما بحثنا، ومهما تقصينا، وتتبعنا، من خلال ما يجري في الواقع السياسي، وفي غيره، سنجد أن الفساد الإداري، والسياسي، إضافة إلى الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، المتمكن من نسيج المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى استخدام المومسات من طرف المخابرات ضد:
1) السياسي المهيأ للسعي إلى تحقيق تطلعاته الطبقية، عن طريق استغلال قيادته للتنظيم السياسي، لتحقيق تلك التطلعات. وإذا تعذر عليه ذلك، فإنه يكون مضطرا إلى القبول بالاستدراج، والسقوط في حبال المرأة المخبرة، التي تقوده إلى التورط في ممارسة مشبوهة تؤخذ عليه، وتوظف للضغط عليه، من أجل السير في الاتجاه السياسي المرسوم له، والذي لا يخدم إلا المخزن في نهاية المطاف.
2) النقابي الذي يرضخ لرغبة النظام القائم، في كبح نضالات الطبقة العاملة، والتحكم فيها، وتوجيهها لخدمة مصلحة النظام اقتصاديا واجتماعيا. وإذا لم يتمكن من ذلك، فإنه يتعرض لحبال النساء المخبرات، اللواتي قد يكن من بين العاملات في النقابة، أو المنتميات إليها، من أجل الإيقاع به، في أفق قبوله بما يملى عليه ضدا على صالح العمال، وباقي الأجراء، الذين يضاعف استغلالهم بسبب ما تقع فيه القيادة النقابية من ممارسات مشبوهة.
3) المسؤول النزيه الذي يترفع عن ممارسة الفساد الإداري، ليضايق بذلك غيره من المسؤولين، والذي يعتبر في نظرهم وسيلة مثلى لتحقيق تطلعاتهم: الاقتصادية، والاجتماعية بالخصوص. وهذا المسؤول النزيه، كالسياسي المعارض، وكالنقابي، يتعرض لحبائل اللواتي قد يكن عاملات تحت إشرافه، وقد يكن غير ذلك، من أجل الإيقاع به، في علاقة مشبوهة، تسيء إلى نزاهته، وتدفع به إلى القبول بممارسة الفساد الإداري، حتى لا يتميز عن غيره من المسؤولين، وحتى لا يشكل استثناء في ممارسة مسؤولي أجهزة الدولة المختلفة.
وهذه الحالات التي تعرضت لها، سوف تبقى حالات قائمة في الواقع، باعتبارها من بنيات النظام القائم، نظرا لسيادة كل الممارسات التي تتناقض تناقضا مطلقا مع السعي إلى بناء مجتمع خال من المحسوبية، الزبونية، الإرشاء والارتشاء، وكل الممارسات التي لها علاقة بذلك، لأن الدولة القائمة ليست دولة ديمقراطية، وليست دولة الحق والقانون، ولأن قوانينها، غير متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، الأمر الذي يجعل إفرازات الواقع سلبية أكثر منها إيجابية. وهذه الإفرازات المتناقضة مع الحاجة إلى حفظ كرامة الإنسان، هي التي تعمل على محاصرة السياسي المعارض، الساعي إلى التغيير الجذري، والنقابي المخلص في قيادة الطبقة العاملة، وباقي الأجراء، وعلى أسس مبدئية، في أفق تحسين أوضاعهم المادية، والمعنوية، والمسؤول النزيه الذي يسعى إلى قيام العمل الإداري على أساس دولة الحق والقانون. ومن هذه الإفرازات أن توظف النساء اللواتي تنازلن عن كرامتهن، لامتهان نصب الحبال في طريق السياسي المعارض، والنقابي المبدئي، والمسؤول النزيه، للإيقاع بهم، وسوقهم في اتجاه خدمة مصالح المخزن.

لكن ما هي عوامل الوقوع في حبال النساء المخبرات؟

يجيب محمد الحنفي.. كان من الممكن أن يبقى السياسي المعارض، والنقابي المبدئي، والمسؤول النزيه، بعيدا عن الوقوع في حبائل النساء، إلا أن العوامل التي تعتمل في الواقع، وتتحكم فيه، وتوجه ممارساته هي التي تحول دون ذلك.
إننا، جميعا، نعرف واقعنا، ونسعى إلى جعل هذا الواقع خاليا من مختلف الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والسياسية. وسعينا هذا، يصطدم بتجذر تلك الأمراض، وتمكنها من الممارسات الفردية، والجماعية. وهو ما يجعل العوامل التي تفرز تلك الأمراض حاضرة على الدوام.
ومن هذه العوامل نذكر:
1) العامل الاقتصادي الناتج عن طبيعة النظام الرأسمالي التبعي، وعن طبيعة الطبقة الوسطى المريضة بتطلعاتها، والتي غالبا ما ينتسب إليها القائد السياسي، والقائد النقابي، والمسؤول النزيه. الأمر الذي يجعل الهاجس الحاضر في ممارسة أفراد الطبقة الوسطى، هو:
كيف تتحقق تلك التطلعات؟
وبما أن الفساد الاقتصادي قائم في الواقع، فإن هذا الفساد يصير من بين الأسباب التي تجعل القائد السياسي المعارض، والقائد النقابي المبدئي، والمسؤول النزيه، مستعدا للوقوع في حبال نساء المخابرات.
2) العامل الاجتماعي، المتمثل في سيادة الفساد الاجتماعي بمظاهره المختلفة، والذي قد لا ينجو من الإصابة به أي فرد من أفراد المجتمع. وسيادة هذا النوع من الفساد هو الذي يجعل القادة السياسيين، والنقابيين، والمسؤولين قابلين للسقوط في حبائل نساء المخابرات.
3) العامل الثقافي، المتمثل في سيادة القيم الثقافية، المنبثقة عن ثقافة الخضوع، والاستسلام، والانقياد وراء الممارسات المشبوهة، بسبب الحصار الذي تتعرض له القيم الثقافية الأصلية، التي لها علاقة ببناء الإنسان بناء سليما، ينسجم مع طبيعة طموحات الشعب المغربي. وهذه القيم الثقافية المنبثقة عن واقع مترد، هي التي تقف وراء بناء شخصية مهترئة منخورة، مستعدة للانخراط في مختلف الممارسات المشبوهة، مادامت تؤدي إلى تحقيق تطلعات الخاصة. وهذه الشخصية المهترئة، لا يشذ عنها السياسي المعارض، والنقابي المبدئي، والمسؤول النزيه، إلا إذا كانت هناك أمور أخرى تقف وراء إنتاج قيم ثقافية بديلة، تحصن أفراد المجتمع ضد ممارسة كل أشكال الفساد التي تسيء إلى كرامة الإنسان.
4) العامل السياسي المتمثل في غياب دستور ديمقراطي، وقوانين انتخابية رادعة لكل أشكال الفساد السياسي، وغياب إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وبروز مؤسسات تمثلية، لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، والمؤسسة المخزنية، مما يجعل إفساد الممارسة السياسية برمتها، يقف وراء الاستعداد للسقوط في هاوية ذلك الفساد، عن طريق الوقوع في حبائل النساء المخبرات.
وهذه العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، القائمة في هذا الواقع المهترئ والفاسد، تضاف إليها عوامل أخرى يمكن إجمالها في سيادة مرض التطلعات الطبقية بين أفراد الطبقة الوسطى، والذي يقود عادة إلى امتهان الذات من أجل تحقيق تلك التطلعات، وسيادة استغلال النفوذ المرتبط عادة باستعمال الشطط في استعمال السلطة، وسيادة الفساد السياسي الحاضر في الممارسة اليومية للمنتخبين، والذي يبرز بشكل واضح كلما أقدم المسؤولون على إجراء انتخابات معينة، بالإضافة إلى الفساد الإداري، الذي يدخل في بنيات الإدارة المغربية، أفقيا وعموديا، والذي لا يسلم من ممارسته أي مسؤول، مهما كان بسيطا، وغياب الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وانعدام العدالة الاجتماعية، بسبب الحيف الذي تلحقه الطبقات الممارسة للاستغلال بالطبقات التي يمارس عليها الاستغلال، كما يدل على ذلك هذا التفاوت الطبقي المهول، والذي يمكن أن يؤدي إلى انتشار كل أشكال الفساد في المجتمع، وغياب مساهمة المرأة في تحمل المسؤولية السياسية، ابتداء من المسؤولية الحزبية، مرورا بمسؤوليات المؤسسات المنتخبة وانتهاء بمسؤوليات الدولة المختلفة. وحتى إذا كان هناك تمكين للمرأة من بعض المسؤولية، فإن ذلك يدخل في إطار ديمقراطية الواجهة. هذا إلى جانب غياب التربية على حقوق الإنسان في مؤسسات الدولة، وفي المجتمع، وفي المدارس، وفي العلاقة مع المواطنين، وفيما بين المواطنين أنفسهم.
وهذه العوامل مجتمعة تفاعلت مع الواقع لتنتج لنا:
1) نظاما كان يلجأ إلى كل الممارسات، مهما كانت منحطة، بما في ذلك توظيف نساء منحرفات لخدمة المصالح المؤدية إلى تأبيد الأمر الواقع.
2) سياسيون ونقابيون ومسؤولون، لديهم استعداد للسقوط في هاوية الرذيلة، التي تقودهم إلى أحضان المخزن.
3) اعتبار السعي إلى تكريس الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي هو القاعدة، والسعي إلى محاربة هذا الفساد هو الاستثناء.

كل المؤسسات تأخذ أحيانا بحرفية الخطاب الملكي ولا تجرؤ على المبادرة


عبد العزيز النويضي رئيس جمعية "عدالة": كل المؤسسات تأخذ أحيانا بحرفية الخطاب الملكي ولا تجرؤ على المبادرة

تغير الخطاب بخصوص فحوى ومضمون إصلاح القضاء ببلادنا، وانتقل الحديث من مفهوم الإصلاح الإداري إلى الإصلاح المؤسساتي لمنظومة العدل لضمان الشمولية والفعالية، مما طرح أكثر من تساؤل بخصوص ارتباط هذا الإصلاح والتعديل الدستوري ونهج تدبير هذا الارتباط. سألنا رئيس جمعية "عدالة" بهذا الخصوص، فكانت الحصيلة كالتالي:

- حصل تغيير ملحوظ في فحوى الخطاب عن إصلاح القضاء، إذ بدأ الحديث عن إصلاح وترشيد منظومة العدالة بالمغرب، هل من فرق بهذا الخصوص؟
+ إن منظومة القضاء (أو العدالة) تشمل كل الفاعلين في القطاع والمؤسسات المعنية بالعدالة والعدل ببلادنا ومختلف المتدخلين في القضاء وإعدادهم وتنظيمهم وتكوينهم وتأهيلهم، ونهج التدبير والإدارة والترسانة القانونية وآلياتها. وهذا المفهوم في عرف رجال القانون والفقهاء أشمل وأوسع مما يصطلح عليه بالقضاء أو قطاع القضاء.

- هل هذا يعني أن الخطاب الجديد بهذا الخصوص يعكس تطورا في منظور إصلاح القضاء المعتمد الآن؟
+ بكل تأكيد، يبدو أن المنظور أضحى يتوخى الشمولية، ونحن الآن أمام تصور متكامل، أشمل من التصور السابق، وهو ما يتوخاه الجميع بخصوص هذا القطاع الحيوي.

- أليس من الأولى الإقرار بتعديل دستوري قبل تفعيل ورش إصلاح القضاء اعتبارا للارتباط البنيوي بين القضيتين؟
+ التعديل الدستوري عبارة تشمل عدة مستويات؛ في المستوى الأول، تعني تعديلا كليا بتوافق مع كل الفاعلين، بما فيهم الفعاليات الإسلامية التي تقع حاليا خارج اللعبة السياسية وأقصد مثلا جماعة العدل والإحسان وغيرها، هذا هو المفهوم الأول للتعديل الدستوري، لكنه ليس المطلوب في الظرف الراهن.وهناك مستوى ثاني للتعديل الدستوري يخص المحتوى الذي يجري الحديث عنه في السنوات الأخيرة، أي تعديل دستوري من أجل ضمان توازن أكبر بين السلطات وتقوية دور الحكومة والبرلمان إلى آخره..وهناك مستوى ثالث، وهو المتعلق بتعديل دستوري جزئي، يهم فقط منظومة القضاء وحقوق الإنسان، وإن كنا نحبذ أن يكون التعديل الدستوري على أكبر مستوى. ذلك أنه، في موضوع القضاء لا يمكن إصلاح بعض المؤسسات في هذا القطاع دون تعديل دستوري، خاصة فيما يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء..

- هذا هو المقصود، خصوصا وأن التصور المؤسساتي لإصلاح القضاء يتمحور حول تمكين هذا القطاع من أن يصبح سلطة كباقي السلط الأخرى، وهو ما يستوجب بالضرورة تعديلا دستوريا، أليس كذلك؟
+ نعم، إذا كنا نريد أن نذهب في إصلاح عميق للقضاء، يجب أن ينص الدستور على أن القضاء سلطة قائمة الذات، ولكن يتوجب بالدرجة الأولى التنصيص على اختصاصات وعلى تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، سيما إذا كنا نتوخى تخويل هذا المجلس سلطات ووسائل أقوى وتشكيلة جديدة.

- هناك من يعتبر أن التصور الجديد لإصلاح منظومة العدالة ببلادنا من شأنه أن يحرج الحكومة، ما رأيكم؟
+ يحرج الحكومة؟!


- نعم، بمعنى أن الكرة أضحت الآن بمعسكرها وعليها أن تقوم بما يلزم القيام به؟
+ أعتقد أنه ليس هناك أي إحراج للحكومة، لماذا؟ لأنه قد يتصور البعض خطأ أن هذه المبادرة ملكية صرفة، لكن الحقيقة أنها مبادرة مشتركة بين الملك وبين وزارة العدل والحكومة.فالكثير مما جاء في الخطاب الملكي الأخير ينص على أن جلالة الملك يثمن الاستجابة التي تمت عندما سعت وزارة العدل إلى التشاور، وعندما طلبت من الأحزاب السياسية والجمعيات مدها باقتراحات؛ معنى هذا، أن الخطاب الملكي جاء بعد تشاور، وبعد تدارس، وبعد إحاطة جلالته بما تقوم به وزارة العدل.إذن، البعض قد يعتقد خطأ أن هذه الوزارة تقف مكتوفة الأيدي وتنتظر الخطاب الملكي لتتحرك، في حين أنها تحركت منذ أول خطاب ملكي، لكن المشكلة كانت تكمن في أن هذا الخطاب كان مرة يدعو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان إلى إنجاز الإصلاح، ومرة يدعو وزارة العدل وتارة أخرى يدعو الحكومة.لهذا، إن وزارة العدل عندنا بالمغرب وغيرها من المؤسسات تأخذ أحيانا بحرفية الخطاب الملكي لكنها لا تجرؤ على المبادرة.لكن خلال السنوات الأخيرة، أخذت وزارة العدل المبادرة وبدأت تعد بالإصلاح، مما يجعلني أعتقد أن إصلاح القضاء يتم بتشاور وحوار بين الملك ووزارة العدل والحكومة، جميعا.

- كونك حقوقيا متتبعا لتطورات هذا المجال، هل التصور الجديد لإصلاح منظومة القضاء استجاب لطلبات وتوصيات الحركة الحقوقية في هذا المضمار؟
+ إن أهم مطالب الحركة الحقوقية بالمغرب تتمحور حول تعزيز استقلال القضاء ونزاهته وإصلاح مجلسه الأعلى والتصدي للرشوة والفساد ومحاربتهما وتقريب القضاء من المتقاضين وتوفير شروط المحاكمة العادلة وتنفيذ الأحكام القضائية في وقتها وتكوين العاملين بالقطاع والساهرين عليه وموارده البشرية وتحديث الترسانة القانونية واعتماد الحكامة الجيدة في قطاع العدل. وبما أنه لا يمكن إصدار شيك على بياض، وجب انتظار الإطلاع على فحوى المشروع بتفصيل دقيق للتمكن من التقييم وإبداء الرأي، علما أن أفضل السبل هو التشاور لإعداد مشروع إصلاح شمولي للمنظومة القضائية.

vendredi 13 novembre 2009

الدولة تقدم لكل وزير سابق منحة حتى يصبح دخله الشهري يعادل 39.000 درهم


2007 / 2 / 17

الأستاذ إسماعيل العلوي/ وزير سابق
الدولة تقدم لكل وزير سابق منحة حتى يصبح دخله الشهري يعادل 39.000 درهم




- هل هناك قانون مغربي ينص على استمرار استفادة الوزراء من رواتهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية ؟
+ لا. كل ما هناك أن الدولة تقدم لكل وزير سابق منحة حتى يصبح دخله الشهري يعادل 39.000 درهم .
فإذا كان للوزير السابق دخل يجعله يستغني عن هذه المنحة فلا يصرف له أي شيء، إذا كان له دخل لا يصل إلى 39.000درهم في الشهر فتقدم له منحة لتعويض الخصاص. إذا كان أستاذا جامعيا مثلا يتقاضى راتبا يصل إلى 20.000 درهم شهريا فتقدم له تكميلة تعادل 19.000درهم.
لضبط هذا الأمر يتطلب من كل وزير سابق أن يدلي بتصريح بالشرف مقرون بتصريحه المتعلق بالضريبة العامة على الدخل مما يمكن المصالح المختصة من ضبط الحساب.

- هل يستفيد الوزراء السابقون من أجورهم مدى الحياة، أم لمدة زمنية محددة، وهل تورث رواتبهم؟
+ يستفيد الوزراء القدامى من هذه المنحة أو من جزء منها، حسب المنوال الذي أشير إليه سابقان طيلة حياتهم لكن – و هذا أمر طبيعي – لا تورث هذه المنحة.

- إذا تم الإستوزار مرتين، هل يتم صرف الأجرة عن مرة واحدة أم عن الاثنين، أم ماذا؟
+ إذا تم الاستوزار مرة ثانية يتوقف صرف هذه المنحة قبل أن يعاد صرفها بعد مغادرة المهمة. لكن في الحدود المشار إليها أي أنها لا يمكن أن تتجاوز 39000 على أكثر تقدير.

- هل ميزانية الدولة تتحمل هذا العبء المالي خاصة مع كثرة الوزراء السابقون؟
+ يجب توجيه هذا السؤال لمن يضبط ميزانية الدولة من برلمان و وزراء المالية .

الأجور الممنوحة للوزراء بعد انتهاء مهامهم تعتبر غير شرعية


2007 / 2 / 17

محمد طارق السباعي /الهيئة الوطنية لحماية المال العام بالمغرب
الأجور الممنوحة للوزراء بعد انتهاء مهامهم تعتبر غير شرعية




- هل هناك قانون مغربي ينص على استمرار استفادة الوزراء من رواتبهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية؟

+ لا يتصور في الدول الديمقراطية أن يستمر الوزراء في تسلم رواتبهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية، إذا كانت للوزير وظيفة سابقة،ولذلك فالأمر بالمغرب يخضع للمزاج لا للقانون، فهناك رواتب دورية تمنح دون موجب مشروع، ولا يشار إليها بوضوح بالميزانيات السنوية، ولذلك فهذه الرواتب الممنوحة بعد انتهاء الخدمة لا تخضع حتى لمفاهيم التعويض، فلا يتصور الحصول على التعويض إلا مقابل الجبر الكامل للضرر ويكون ذلك من اختصاص المشرع أو القضاء الذي يقدر ما لحق المضرور من خسارة وما فاته من كسب وكذلك يحتسب معه التعويض عن الضرر المعنوي .

والتعويض عن الضررين المادي والمعنوي يكون بالاستناد إلى ما ينص عليه القانون إعمالا لمبدأ جبر الضرر بالكامل بحيث لا يزيد أو ينقص عن قدر الضرر الذي وقع فإذا زاد التعويض عن الضرر اثر المضرور على حساب المسؤول بغير سبب وان نقص مقدار التعويض عن الضرر اختلت العدالة .
ولذلك فالأجور الممنوحة للوزراء بعد انتهاء مهامهم تعتبر غير شرعية وتضر ضررا كبيرا بمالية الدولة وتعتبر هدرا لها لسبب بسيط هو أن الوزير كانت له وظيفة سابقة والمفروض أن يعود إلى عمله السابق ويستفيد من معاشه بعد انتهاء الخدمة،حتى لا نقع في ازدواجية الراتب .

صحيح أن الوزير الذي فقد الوزارة وقام بالتصريح بممتلكاته بعد انتهاء الخدمة ولم يكن قد نهب مالا عاما وفقد عمله وبالتالي لا يتوفر على دخل أو راتب مشرف يوفر الحد الأدنى للعيش الكريم فمن حقه الاستفادة من راتب محترم ولكن طبقا للقانون .

والتساؤلات المطروحة والمحيرة:

هل استمرار استفادة الوزراء من رواتبهم بعد انتهاء مهامهم الوزارية يدخل في إطار التعويض عن البطالة؟

هذه البطالة الناتجة عن الإقالة أو السقوط نتيجة الفشل في المهام كعقاب انتخابي فهل يحتاج هذا الوزير لتعويض؟

وهل أن استمرار استفادة الوزراء من رواتبهم يعتبر مقابل شراء صمتهم كما هو الشأن بالنسبة للنخب المشتراة والتي تم الإغداق عليها بالعديد من المناصب المالية دون اللجوء لمعايير الكفاءة والجدارة ؟

والتساؤل المشروع هو أننا نريد معرفة طبيعة عمل الوزير، أنني لا أتصور الوزير إلا متطوعا ويقدم خدمة لوطنه ولذلك فمفهوم المتطوع هو أن يقدم شخص خدمة بإرادته الحرة، دون أن تكون له نية في الحصول على أي تعويض مالي أو امتياز من الامتيازات بعد انتهاء العمل التطوعي .

وأسوق هنا مثالا مغربيا حيا هو أن وزيرا للفلاحة السيد الدمناتي ظل يرفض راتب وزير لأنه ميسور ويعتبر نفسه متطوعا وقدم خدمة لوطنه وما اعتقد أنه يتقاضى حاليا راتب وزير كما يفعل غيره ...

- هل ميزانية الدولة تتحمل هذا العبء المالي، خاصة مع كثرة الوزراء السابقين؟

+ طبعا أن ميزانية الدولة تتضرر نتيجة العبء المالي الكبير لهذه الرواتب وهي مفروضة وخارج الشرعية لأن هذا الأمر لم يسبق للبرلمان أن ناقشه ولا قرر فيه ولا طالب بمراجعته لان ذلك يدخل في باب الخطوط الحمراء والتي لا يمكن تجاوزها، وهذه مسؤولية البرلمان الذي لم يكن فالحا إلا بالزيادة في أجور البرلمانيين وقام بتحسين معاشاتهم رغم أن أغلبهم يدعي التطوع لخدمة البلاد .
علما أن كل برلماني يكلف خزينة الدولة 90.000 درهم شهريا .