samedi 10 octobre 2009

نتهم البصري



Benabdeslam

لا زال الجدال قائم بخصوص حصيلة سنوات الجمر والرصاص ومسؤولية الوزير المخلوع، إدريس البصري فيها، لاسيما وأنه كان الرجل الثاني في المغرب بعد الحسن الثاني، خلال ربع قرن.
وقد قدر البعض ضحايا المرحلة التي تقلد خلالها المسؤولية بالمئات تارة وبالآلاف تارة أخرى، وظل التساؤل قائما: ما هي حصيلة القتلى ومجهولي المصير ما بين 1974 و 1999 وما هي طبيعة مسؤوليته فيها؟ لمحاولة الجواب على هاذين السؤالين استضافة جريدة "المشعل" محمد الصباح رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف و بنعبد السلام عبد الإله، عضو اللجنة الإدارية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان وأجرت معه الحوار التالي:


بنعبد السلام عبد الإله (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان)
إدريس البصري نفذ باجتهاد وإبداع انتهاكات حقوق الإنسان


- قيل الكثير عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وقدمت هيئة الإنصاف والمصالحة تقريرها النهائي للملك في نظركم، هل الأرقام المعلن عنها قريبة أم بعيدة عن حقيقة ما جرى فعلا؟
+ المسألة الأولى التي وجب التأكيد عليها، هي أن النتائج التي حملها التقرير الأخير لهيئة الإنصاف والمصالحة كشفت على شيء أساسي وهو أن الأرقام السابقة التي أعلنت عنها السلطات العمومية والمؤسسة التشريعية، كانت معطيات خاطئة وبالتالي اتضح أنها كانت تغالط الرأي العام وتنفي حقيقة ما جرى وتتستر على عدد الضحايا والقتلى والجرحى والفداحات المقترفة. إذن هذه من الإيجابيات الواجب التذكير بها.
والمسألة الثانية هي أنه في تقديرنا، نعتقد أن التقرير لم يول الاهتمام اللازم والمفترض بأحداث الريف، إذ قفزت الهيئة على المذابح التي كانت منطقة الريف مسرحا لها والتي كانت بشعة وتجاوزت كل الحدود. أما بخصوص أحداث الدار البيضاء، عندما نحاول تتبع تسلسل الوقائع وآليات التدخل والعتاد المستعمل ومدة المواجهة والأسلحة المستخدمة يتبين بجلاء أن الأرقام المعلن عنها في التقرير لا تعكس الحقيقة وبعيدة كثيرا عنها، ألم تستعمل طائرة الهيلكوبتر والدبابات في أحداث مارس 1965؟ وهل يمكن لمثل وسائل القتل هذه أن تخلف تلك الأرقام التي قدمتها الهيئة؟ ولذلك نعتقد، في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أنها أرقام غير كاملة ولا تعكس الحقيقة، بل هي بعيدة عنها وبالتالي ما زال مطروحا تعميق البحث والتقصي والتحقيق في المجازر التي عرفتها الانتفاضات الشعبية على امتداد تاريخ المغرب الحديث، أي منذ 1956 إلى الآن.


- هل تعتقدون أن الأرقام المعلن عنها والمرتبطة بالمختفين الذين فقدوا حياتهم قريبة من الحقيقة أم أنها لازالت بعيدة عنها؟
+ للجواب على السؤال وجب التمييز بين الملفات، فهناك ملفات واضحة كملفات المجموعات المنظمة (المعتقلين والمختطفين الاتحاديين، المجموعات "السبعينية": اليسار، مجموعات الأصوليين) والأرقام المرتبطة بها مضبوطة، كما أن هناك وضوح نسبي فيما يخص الحالات الفردية، علما أنه لم يكن هناك اهتمام بأناس غير منتمين أو لا تربطهم صلة بالمجال السياسي أو الثقافي أو الجمعوي. لكن الأرقام المتعلقة بالأحداث الاجتماعية والانتفاضات الشعبية مازالت تثير نقاشا واسعا حول مدى عكسها للحقيقة، علما أن بعض هذه الأرقام لا أعتقد أنها بعيدة عن الحقيقة.


- من المعروف أن إدريس البصري تحمل المسؤولية منذ منتصف السبعينيات إلى حدود خلعه في نهاية التسعينيات، وخلال هذه المرحلة كان المغرب مسرحا لهزات اجتماعية وغليانا شعبيا ووجهت بقمع ممنهج واسع المدى في اعتقادكم، هل يمكن الاقتراب مما جرى، لاسيما فيما يخص الضحايا (القتلى ومجهولي المصير)؟
+ أولا، في تقديري أن الانتهاكات الجسيمة التي عرفها المغرب غير مرتبطة فقط بإدريس البصري باعتبار أنه لم يتحمل المسؤولية إلا في أواسط السبعينيات (كاتب عام ثم وزيرا للداخلية بعد رئاسته لبعض الأجهزة الأمنية الاستعلاماتية والاستخباراتية)، وبالتالي فهو مسؤول ضمن مسؤولين آخرين، طبعا تحت مسؤولية الملك الحسن الثاني، باعتباره المسؤول الأول ورئيس الدولة والذي سبق أن صرح في إحدى خطاباته بأنه يعرف ثمن الطماطم، وبالتالي كلما يجري ويدور بالمغرب، إذن يظل إدريس البصري مسؤولا ضمن مسؤولين آخرين خلال هذه الحقبة (1974 – 1999) وبالتالي لا يمكن اختزال المسؤولية فيه، هذه المسألة وجب التأكيد عليها علما أن إدريس البصري بصم مرحلته بأساليبه المختلفة من القمع المباشر والتنكيل والتقتيل من جهة ومن جهة أخرى التدجين والاستقطاب وشراء الذمم وتلغيم الأحزاب وغيرها.
كم أن المقابر الأولى التي تم كشفها، أزاحت الستار عن أعداد مهمة من الضحايا يتحمل بصددها إدريس البصري الجزء الكبير من المسؤولية فيها. وعند ذكر اسمه، نستحضر أحداث 1981 و 1984 و 1990، هذا إضافة للانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الصحراء والتي يتحمل فيها إدريس البصري حصة الأسد من المسؤولية باعتبار أنه كان مكلفا بملف الصحراء والأرقام المرتبطة بها لا يمكن ضبطها لما اتسم هذا الملف من سرية وهناك قوائم طويلة بخصوص الضحايا أعدتها لجنة التنسيق تشير إلى أعداد من المختطفين الصحراويين والذين لازال مصير الكثير منهم مجهولا، هذا إضافة إلى اللوائح التي أعدتها منظمة العفو الدولية والتي كشفت على 900 حالة، في وقت كانت لجنة التنسيق المغربية، المشكلة من الهيئة والجمعية والمنظمة المغربيتين لحقوق الإنسان وهيئة المحامين والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، قد حصرت الرقم في 622 مختف خلال تلك المرحلة.


- سبق لإحدى التقارير الصادرة عن جمعيتكم أن أشار إلى أن عدد القتلى في هذه المرحلة تجاوز 3000 حالة، واعتبارا للتراكمات التي حققتها الجمعية في تجميع ومركزة المعلومات، هل لازلتم تعتبرون أن رقم 3000 ضحية قريب من الحقيقة؟
+ لقد أعدت الجمعية ذلك التقرير على اعتبار أن أحداث الريف خلفت ما بين 1000 و 1500 ضحية، علما أن هناك من يذهب إلى أكثر من هذا. كما أن جملة من الأرقام ظل مسكوتا عنها، إضافة إلى ضحايا الأحداث الاجتماعية التي مازالت تنتظر الكشف باعتبار أن الأرقام المعلن عنها لازالت بعيدة عن الحقيقة لذا يبدو أن هذا الرقم قد يكون مبررا.


- انطلاقا من ممارستكم كحقوقيين وارتباط جمعيتكم بهذا المجال وتتبعها للانتهاكات وفتح أبواب مقراتها لكل المواطنين وتوصلها بالعديد من الشكايات هل يمكن القول إن إدريس البصري يتحمل مسؤولية بخصوص حالة الوفيات (غير المرتبطة بالمجال السياسي) خلال مرحلة ما بين 1974 و 1999؟
+ منذ أن شرعت الجمعية في انجاز تقارير سنوية ابتداء من 1995 فكرت في تخصيص ركن لمصادرة الحق في الحياة (الوفيات في مخافر الشرطة) والتي لا تمت بصلة بالمجال السياسي، وقد لاحظنا أن هناك مئات من حالات الوفاة بفعل ممارسة التعذيب، وفي هذا الصدد يتحمل إدريس البصري المسؤولية.


- عملت أسبوعية "المشعل" على رصد هذه الحالات عبر ما نشر في الصحافة وأعلن عنه في البيانات والبلاغات وتوصلت إلى تقدير تقريبي يناهز 5000 حالة وفاة ومجهولي المصير فيما بين منتصف السبعينيات ونهاية التسعينيات، بما في ذلك حالة الوفيات غير المرتبطة بالمجال السياسي، فما رأيكم في هذا التقدير؟
+ يمكنني أن أوافيكم بالأرقام الخاصة بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتلك المتعلقة بالملفات المودعة لدى هيئة الإنصاف والمصالحة (والتي عالجت 22 ألف ملف وظلت 30 ألف ملف بدون معالجة لأنها أودعت خارج الأجل القانوني).
فنحن أمام 52 ألف ملف، علما أن الرقم متعلق بأناس تمكنوا من الوصول إلى الهيئة، فكم عدد الذين لم يتمكنوا من الوصول إليها؟ فهناك أشخاص اتصلوا بالجمعية وهم من عائلة أحد المفقودين وصرحوا أنهم توصلوا بجثمان ابن أو أب أو أخ ولم يكونوا على علم بضرورة وضع طلب لدى الهيئة. كما أن هناك بعض الأحداث التي مازالت لم نعرف عليها أي شيء، مثلا أحداث انتفاضة فلاحي أولاد خليفة بالغرب. فكم يمكن تقدير عدد الناس الذين لم يبلغوا عن انتهاكات أصابتهم أو أصابت أحد ذويهم؟


- هل رقم 5 آلاف قريب من الحقيقة؟
+ يبدو لي أن هذا الرقم مبالغ فيه شيئا ما باعتبار أن وزارة الداخلية ليست الجهة الوحيدة المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة، لأنه خلال انتفاضات 1981 وغيرها تدخلت قوات الجيش والدرك الملكي.


- فهل سبق أن قامت جمعيتكم بجرد حصيلة المغاربة الذين فقدوا حياتهم من أجل التغيير أو نتيجة مواقفهم السياسية؟
+ من المعلوم أن مثل هذا العمل هو من الصعوبة بمكان، فنحن بالجمعية سبق لنا وأن وجهنا عددا من مذكرات للفروع للاهتمام بهذه الإشكالية وأمددناها باستمارات في الموضوع لكن بكل صراحة لم تول له الأهمية اللازمة. أنتم ترون أن الهيئة توصلت بأكثر من 50 ألف طلب ونحن في الجمعية من الصعب أن نصل إلى مثل هذا العدد لأننا لا نتوفر على الإمكانيات التي تتوفر عليها الدولة.


- طبعا إن إدريس البصري مرتبط بمنظومة وبنهج في الحكم والتدبير، وكان على امتداد 25 سنة الرجل الثاني بالمملكة بعد الملك الحسن الثاني، فأين تكمن مسؤوليته الشخصية في كل ما وقع من فظاعات؟
+ طبعا إدريس البصري هو رمز من رموز القمع وكلنا يعلم كونه كان يجمع بين وزارتين لا علاقة بينهما، الاتصال والإعلام من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى. ومهما يكن من أمر، فإن إدريس البصري كان منفذا أمينا لسياسة النظام، بل كان منفذا باجتهاد وإبداع لانتهاكات حقوق الإنسان ببلادنا.


- هل يمكن وصف جملة من الانتهاكات الجسيمة المقترفة بأنها تتصف بطابع جرائم ضد الإنسانية؟
+ طبعا ما جرى في الريف وفي الصحراء وأثناء الانتفاضات الشعبية هو من قبيل جرائم ضد الإنسانية – سواء من حيث الكثافة ومن حيث المنهجية، وفي بعض الأحيان استمرت الأحداث والمواجهة لأيام.


- لو افترضنا أن إدريس البصري سيحاكم على هذه الجرائم، ما هي التهم التي يمكن توجيهها له؟
+ أهم التهم...
(صمت برهة قبل أن يستأنف كلامه) ... هناك الاختطاف، القتل العمد مع سبق الإصرار وربما الإعدام خارج نطاق القانون والمحاكمات غير العادلة.


- هل هناك انتهاكات أو خروقات أو تجاوزات كبرى مورست في عهد إدريس البصري ولم يشر إليها الإعلام أو لم يتم الاهتمام بها بعد؟
+ أعتقد أن انتهاكات إدريس البصري التي تم الكشف عليها، هي أساسا تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، علما أن له يد طويلة في الانتهاكات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما أعتقد أن هناك ملفات كبيرة متعلقة بتبديد الثروة الوطنية ونهب المال العام لعب فيها إدريس البصري دورا كبيرا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire